133 قتيلا اسرائيليا ردا على اغتيال الكرمي
رام الله - صدى نيوز -تصادف اليوم الذكرى السابعة عشر لاغتيال الشهيد القائد رائد الكرمي قائد كتائب شهداء الاقصى بطولكرم الذي اغتالته قوات الاحتلال بوضع عبوه ناسفة على جانب الطريق الذي يمر منه رائد، ليرتقي شهيدا يوم 14/1/2002.
"العملية كانت عبقرية جهاز الامن العام "الشاباك" حصل على معلومات مفادها ان رائد الكرمي من كبار مطلوبي فتح في طولكرم اعتاد ان يذهب الى بيته مشيا على الاقدام، لكنه كان يسير محاذيا للجدران تفاديا لحركة المروحيات، فأعد له "الشاباك" عبوة ناسفة مخفية في جدار المقبرة التي كان يسير بجانبها، وفجرها عند عبوره، لكن بعد ذلك مباشرة انضمت "فتح" الى العمليات "الاستشهادية" داخل اسرائيل والثمن الدموي كان 133 قتيلا اسرائيليا في الشهر الذي اعقب اغتيال الكرمي".
هكذا ورد في كتاب " الحرب السابعة " والذي ألفه وكتبه المراسل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل، وآفي زخاروف مراسل صوت اسرائيل باللغة العبرية في الاراضي المحتلة.
وتحت عنوان اخلاق الحرب، كتب الصحفيان الاسرائيليان قصة اغتيال الشهيد رائد الكرمي، وانخراط حركة فتح في العمليات الاستشهادية لاحقا، وردود قادة الكتائب واصدقاء الشهيد مثل احمد البرغوثي الملقب " بالفرنسي " مرافق امين سر حركة فتح مروان البرغوثي، وناصر عويس، وناصر ابو حميد وغيرهم .
وفيما يلي ما ورد عن اغتيال الشهيد رائد الكرمي قائد كتائب الاقصى في طولكرم..
بن اليعازر: اكبر خطأ في حياتي
يقول وزير جيش الاحتلال السابق بنيامين بن اليعازر"ان كان هناك شيئا يؤسفني، فهو عدم تمسكي بموقفي المعارض لاغتيال الكرمي، لقد ضغط على ديختر وموفاز عن طريق شارون، وانا خضعت، لكن هذا كان فشلا ذريعا، والاغتيال قطع مرحلة الهدوء.
في منتصف شهر كانون الاول 2001 وبعد ضغوط كبيرة من الولايات المتحدة، اصدر الرئيس عرفات اوامر بوقف العمليات ضد اسرائيل، وبعكس الدعوات السابقة، فان دعوته هذه كان لها تأثير وصدى في اوساط المؤثرين، وخلال اربعة اسابيع لاحقة انخفض بشكل ملموس مستوى العمليات، واعرب عدد من مسؤولي فتح عن استعدادهم لتسليم سلاحهم، لكن في شهر 1/2002 وقعت السلطة الفلسطينية في مأزق سفينة الاسلحة "كارين A"، وهذا الامر زاد من ضائقة عرفات، وشن في الوقت ذاته بوش حملة ضد عرفات، وتحول الموقف الدولي من متحدث عن الاحتلال ومعاناة الفلسطينيين، الى موضوع تمويل السلطة الفلسطينية للارهاب، لاول مرة بعد 15 شهرا من المواجهات يظهر امل، لكن اسرائيل تقدمت وبشكل عادي وانقذت عرفات لان اغتيال قائد التنظيم في طولكرم رائد الكرمي اشعل الاوضاع في الاراضي الفلسطينية وخلق موجة كبيرة من العمليات القاتلة التي لم يسبق لها مثيل في السنوات السابقة، وقد ادى هذا التصعيد لاحقا الى عملية " الجدار الواقي " بعد اقل من ثلاثة اشهر على الاغتيال .
رائد الكرمي كان الشرارة، في السنة الاولى للانتفاضة تحول ضابط جهاز المخابرات العامة الفلسطيني الى العنوان الابرز في طولكرم، فقد خاف منه مسؤولو السلطة في المدينة حد الموت، واعتز به اطفال وشبان مخيم طولكرم ونورشمس، واحترمته الاجهزة الامنية، وكل محاولات الجيش الاسرائيلي و"الشاباك" للنيل منه ذهبت ادراج الرياح، ومثل كل نشطاء الميدان الذين قادوا المواجهات، مر الكرمي في كافة المراحل المرتبطة بالنضال الوطني، شارك في النشاطات، ومثل الاولاد القى الحجارة في الانتفاضة الاولى، ثم انضم الى صفوف فتح، اصيب، واعتقل في العام 1991، واطلق سراحه في العام 1995، وبسرعة انضم الى اجهزة امن السلطة .
ومع بدء المواجهات، كانت طريق الرجعة الى مقاتلة اسرائيل قصيرة للغاية، ففي شهر تشرين أول 2000 كان الكرمي مشاركا في السيطرة على مجموعة من الجنود دخلوا عنبتا بطريق الخطأ، وبعد ذلك قاد خلية كانت مسؤولة عن اطلاق النار على قواعد للجيش الاسرائيلي، وعلى مقر الارتباط في المدخل الجنوبي لطولكرم، ورغم انه لم يحدث اضرار من تلك الاحداث، الا ان الكرمي حصل له على موقع متميز في صفوف المجموعات المسلحة، وشيئا فشيئا ضم افرادا وعناصر مسلحين الى مجموعته، كان بعضهم من العاملين في اجهزة الامن.
الدكتور ثابت ثابت
حاولت القيادة السياسية لفتح في المدينة احتواء الكرمي وجماعته، وحسب ادعاء الشاباك اتصل طبيب الاسنان واحد كوادر فتح الدكتور ثابت ثابت بالمسلحين، وفي كانون اول طلب ثابت من الكرمي تنفيذ عملية اطلاق نار، لكن من اجل ابعاد الشكوك عن دور فتح في المدينة، طلب منه تنفيذ الهجوم في الشارع بين مستوطنتي "شافي شومرون" و"حومش" القريبتين من نابلس.
وحدث شيء غير مجرى المواجهات في طولكرم، حيث اعطى رئيس الحكومة الاسرائيلية تعليمات، وخضع نائب وزير الدفاع افرايم سنية لضغوطات الشاباك وسمح باغتيال ثابت، وفي اليوم الاخير من عام 2000 قتل ثابت برصاص قناصين من وحدة (يمام) خلال خروجه من منزله، وهذا الامر كان خطأ في تقييمات القيادة الاسرائيلية، فثابت كان من المستوى السياسي، حتى وان انغمست يداه في الارهاب، فإن اغتياله كان " متسرعا جدا " والشاباك قال ان اغتياله سيردع مسؤولين آخرين في السلطة.
بعد الاغتيال سيطر الكرمي على قاعدة فتح في المدينة، مع ابن شقيق الدكتور ثابت مسلمة بحثا عن انتقام، والفرصة جاءت في 23/1، عندما قام اسرائيليان من اصحاب المطاعم في شارع شينكين بتل ابيب بعد ان تجاهلا الوضع الامني من دخول طولكرم لشراء حاجيات برفقة صديق لهما وهو عربي اسرائيلي، وفي نهاية جولتهما توقفا لاكل الحمص في مطعم بالمدينة، وقد اذيع في المدينة خبر وجود اسرائيليين، وللمطعم وصل لاحقا الكرمي ومسلمة ومجموعة من المسلحين، واقدموا على خطفهما، وفي ساحة معزولة على اطراف المدينة قتل اتجار زيتوني وموتي ديان بعد اطلاق النار على رأسيهما، واطلقت المجموعة سراح المواطن العربي، وعقب ذلك طلبت اسرائيل من السلطة اعتقال القتلة، لكن تدخل جبريل الرجوب اوصل الى صفقة، ومن اجل ابعاد الكرمي عن دائرة التأثير، قام بنقله تحت مسؤولية الامن الوقائي الى مقره في رام الله، وهكذا وتحت مرافقة جيبات عسكرية للجيش خرج موكب الرجوب وبرفقته الكرمي ومسلمة ثابت، وزياد الدعاس من طولكرم الى رام الله .
الفرنسي والكرمي اصدقاء
حضور الكرمي الى رام الله أثار اهتمام البعض، احمد البرغوثي الملقب بالفرنسي مساعد مروان البرغوثي الذي سمع عن هذا القائد في كتائب شهداء الاقصى في منطقة طولكرم، سارع الى زيارته في مقر الامن الوقائي، وكانت هذه بداية العلاقة بينهما، يقول احمد البرغوثي " منذ ذلك الوقت اصبحت انا ورائد الكرمي وناصر عويس من بلاطة اصدقاء نتحدث بالهاتف يوميا، تماما كما يتحدث شاب مع عروسه بشكل يومي .
لم يكن للكرمي صبر طويل على حياة المعتقل، حتى وان اوصله الامر الى مواجهة مع الرجوب، فقرر الرجوع الى طولكرم، والهرب كان سهلا نسبيا، هو وأصدقاؤه اكلوا قطعا من الحديد مع الطعام، وبعد ان شعروا بآلام نقلوا الى المستشفى في رام الله ومن هناك هربوا ، يقول شرطي يدعى خالد من مخيم طولكرم انه يتذكر كيف حضر الرجوب الى المدينة وصاح بافراد الشرطة، لكن لم يكن هناك من يجرؤ على اعتقال رائد في في المخيم " .
يقول ناصر عويس " كان الكرمي محبوبا من الناس، يحترمونه ويسمعون كلامه، وفي الاوساط الامنية والعسكرية الاسرائيلية يقولون عنه انه جمع الجميع حوله ما عزز من قوته، واحد هؤلاء هو محمد نايفة الملقب بابو ربيعة وعندما لم تكن تكفي مخصصات التنظيم كان الكرمي وجماعته يقومون بتحصيل اموال من اصحاب المتاجر التي تعمل في السيارات المسروقة، واصبح نايفة يزود الكرمي بالمعلومات، وعن العلاقات وكيفية تهريب السيارات والثغرات الموجودة في خط التماس .
معارف الكرمي من الفلسطينيين وعرب الداخل المحتل يصفون شخصيته بانها كرازماتية، متفتح لكل افكار جديدة تتعلق بالعمليات، وأقام الكرمي علاقات مع قادة الكتائب في نابلس ورام الله، احمد البرغوثي وناصر عويس، كما اقام علاقات مع قائد فتح مروان البرغوثي بنفسه، لكنه رفض تلقي اوامر من احد، واقام ايضا علاقات مع اعضاء الجهاد الاسلامي في مدينته وساعدهم في محاولة اخراج "عملية استشهادية" يشارك فيها شابان، لكن العملية احبطت، حيث استشهد احدهم والآخر اعتقل.
الكرمي زلزل الخط الاخضر
ولقد زلزل الخط الاخضر وتجاهل استنكارات وعدم رضى مسؤولين في فتح عن تنفيذ عمليات داخل اسرائيل، بعد ان قتل "سفيكا شلف" شرق الخط الاخضر في نهاية شهر ايار، وأخذ يتقدم غربا، العمليات اللاحقة استهدفت الشارع الرئيسي لخط التماس من الجهة الاسرائيلية للخط الاخضر، فمنذ شهر كانون ثاني 2000 وحتى كانون اول 2001 قتل الكرمي وجماعته 12 جنديا ومستوطنا اسرائيليا، وفي احدى المرات سرق سيارة اميركية محصنة من الرصاص من نوع "شيفروليت" تابعة للسفارة الاميركية وكان عليها لواحة ضوء، وحاول استخدامها في تنفيذ عملية ضد مستوطنة "بات حيفر"، لكن الحارس شك بأمرها واغلق البوابة بسرعة، واكتفى اعضاء الخلية باطلاق الرصاص على نقطة الحراسة وفروا من المكان.
وتحول موضوع مطاردة الكرمي من قبل مسؤولي الجيش الاسرائيلي وجهاز المخابرات الى امر شخصي ( قلت لنفسي انت لن تخرج من الوحدة حتى يموت) هكذا قال آفي كوهين والذي شعر في مرحلة معينة ان جهاز الشاباك يجاريه ولا يمده بمعلومات محددة، حتى عرف ان الاغتيال كان من مسؤولية المستوى القيادي، وفي 6 تشرين اول اطلقت مروحية تابعة لسلاح الجو صاروخين على سيارة يستقلها الكرمي مع مساعديه، وتمكن الكرمي من الخروج بسرعة ما بين سقوط الصاروخ الاول الذي اخطأ السيارة، والصاروخ الثاني، حيث استشهد اثنين من مرافقيه اللذين لم يتمكنا من الخروج.
واصل الكرمي طريقه واستخدم الاعلام بشكل مكثف، وقال في مقابلة مع تلفزيون محلي انه سينتقم وقد ظهر على عينه غطاء، وفي ساعات المساء اطلق نشطاء فتح النار على ضابط اسرائيلي يدعى ايريز مرحافي ما اسفر عن مقتله على الفور واصيبت مجندة كانت برفقته، ومرة اخرى اغلق الجيش الاسرائيلي الشارع الذي يربط طولكرم بنابلس امام حركة المرور، في محاولة لالقاء القبض على الكرمي دون نتيجة، وفي المساء ايضا بث التلفزيون الفلسطيني صورا للكرمي وهو يطلق النار على الجنود من وراء كومة تراب حتى لقب بصاحب الرد السريع.
وبعد خطاب الرئيس عرفات في 16/12 لعب الكرمي لعبة مزدوجة، امام مبعوثي فتح والمندوب البريطاني اليستر كروك ووعد بالتقيد بتعليمات القيادة والالتزام بوقف اطلاق النار، لكن في الايام الاولى للخطاب قام بارسال مجموعة لاطلاق النار على قوات الجيش بالتنسيق مع احمد البرغوثي، وفي احد الحوادث اصيب اسرائيلي بجروح خطيرة، في جهاز الامن العام قدروا ان الكرمي ينشط من اجل رفع ثمنه، وفي المقابل احتفظ لديه بحزامين ناسفين جاهزين في حال موت وقف اطلاق النار.
كل صوت في السماء أثار شكوكه
بعد محاولة اغتياله اتبع الكرمي اجراءات امنية شديدة في تنقلاته وسيره، وكان يلاصق الجدران في حال مروره تجنبا للمروحيات، كل صوت في السماء كان يثير شكوكه، متوقعا ان تكون طائرة ترصده، وكان جهاز "الشاباك" يتابعه بانتظار خطأ منه.
وفي وسط القيادة المركزية ثار جدل وانقسم الرأي حول صواب اغتيال الكرمي في ظل وقف اطلاق النار، فخلال الاسابيع الاربعة لخطاب عرفات انخفضت العمليات بما نسبته 75%، لكن لم يكن هناك هدوء مطلق، قائد الجبهة اسحق ايتان وضابط استخباراته ارئيل فضلوا تجنب الاغتيال، فايتان حذر من ان المس به في فرصة كهذه، حيث توجد مجموعات مسلحة لفتح منعزلة عن بعضها، سيوحدها ويدفعها الى تصعيد المواجهة مع اسرائيل .
لكن ضابط آخر هو "جال هيرش" اعطى موقفا مغايرا وتزامن ذلك مع حادثة 30/10 حيث ارسل الكرمي وابو ربيعة محمد ابو جاموس الملقب " الكوشي " وهو من مواليد غزة، والذي كان يعمل مع نايفة في السيارات، الى مهمة داخل اسرائيل، هذا الكوشي اقتحم منزل ضابط كبير في سلاح البحرية يدعى نتان باراك في بلدة رعنانا وزرع هناك عبوة ناسفة " وقد وصلت معلومات عن منزل الضابط من عمال فلسطينيين عملوا هناك في مجال الترميمات سابقا)، استيقظ باراك باكرا على تكتكة عجيبة وقام الضابط بالبحث وبعد ان عثر على العبوة قام بوضعها في ساحة المنزل، وفي اعقاب تلك الحادثة التي نجا منها الضابط، حدثت انقلابات في اجراءات الامن الخاص بالجنود والضباط، حيث حظر على هؤلاء وضع سياراتهم بلوحات تسجيلها السوداء امام منازلهم، كما منع منهم طلب البيتزا الى منازلهم .
واعتقل ابو جاموس لاحقا، لكنه اصاب وحدة المرافقة التابعة لمصلحة السجون بالصدمة، بعد نجاحه بالهروب من نافذة سيارة نقل السجناء، ورغم التحقيق معه من قبل الشاباك الا انه لم يعط اية معلومات، حتى اسمه الحقيقي رفض البوح به، والكرمي الذي ارسل ابو جاموس اعلن ان المرة القادمة ستكون افضل من ذلك، وهيرش شعر ان الامر خطير جدا وان نشيط فتح هذا تحول الى آلة قتل، وانه تجب تصفيته على الفور دون اية حسابات.
خلاف في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية
لكن الجدل داخل الوسط الامني استمر وبقيت الانقسامات موجودة، ووزير الجيش بن اليعازر لم يكن راضيا عن الاغتيال، لكنه لم يصمد امام شارون، فرئيس المخابرات ديختر ورئيس الاركان موفاز قدما خيارا واحدا لشارون وهو انه يجب المس بالكرمي في الفرصة الاولى لذلك، وووافق شارون على الامر، واتفق على ان الكرمي هو بمثابة القنبلة الموقوتة، التي تخطط للعمليات وتكون جاهزة لتنفيذها لاحقا، اما وزير الجيش فقد شعر بحجم الخطأ بقوله ان هذه كانت اكبر غلطة يرتكبها خلال موقعه، وان قوته لم تقف في وجه شارون وجهاز الامن.
جهاز المخابرات الاسرائيلي تابع تحركات الكرمي بشكل مكثف ودقيق، وكان الاخير معتادا بشكل يومي سلوك طريق لم يغيره، وهو ما ادى الى اغتياله لاحقا، وحسب مصادر فلسطينية فان عبوة زرعت في جدار المقبرة حيث كان يسكن الكرمي في الحي الشرقي وهي التي قتلته يوم الاثنين 14/1 حوالي الساعة 11 قبل الظهر، عندما كان الكرمي يسير بمحاذاة الجدار كعادته، وفي نفس اليوم خرج الآلاف في جنازته ورددوا صيحات الانتقام، وبعد ساعات قتل جندي اسرائيلي برصاص فلسطيني في مفرق قوصين غرب نابلس، وكان هذا فقط اول الخيط لما سيجري في الايام اللاحقة.
وفي المداولات الاولى قبل تنفيذ الاغتيال، اتفق على ان اسرائيل لن تأخذ على عاتقها مسؤولية الاغتيال، بعكس الطائرة فان عبوة ناسفة في الجدار لن تبقي خلفها دلائل، لكن بعد ساعات من الاغتيال اعلنت محطات الاذاعة ان اسرائيل تقف خلف الاغتيال، والنفي الضعيف من قبل وزير جيش الاحتلال حينها زاد الطين بلة، ومساعد رئيس هيئة الاركان في حينها موشي يعلون والذي كان مشاركا في اتخاذ القرارات، اعتبر رد بن اليعازر الغلطة الكبيرة، وانه لو ابقى المستوى السياسي فمه مغلقا لكان بالامكان تجنب مرحلة من التصعيد.
الحديث مع عدد من ضباط الجيش ومن المستوى السياسي يشير الى ان هؤلاء يعتقدون ان الاغتيال كان خطأ، وبخلافهم جميعا ظن شارون وموفاز وديختر ان الاغتيال ضرورة، ورئيس مجلس الامن القومي جيو آيلاند عرض امام رئيس الاركان وثيقة من ثمانية بنود تعرض الاضرار الاستراتيجية التي ألحقها الاغتيال، فقد اعتقد ايلاند ان الضغوطات التي مورست على عرفات في اعقاب 11 ايلول فتحت المجال امام مبادرة سياسية من قبل اسرائيل، كما يقول اسحاق ايتان " ان الهدوء لم يعد مقبولا في رؤوس المنفذين، تفكيرهم هذا انه بالامكان الانتصار في المواجهة من خلال استخدام قوة اكثر، وللاسف لم يكن هناك في المستوى القيادي من يتبنى هذا الامر ويدافع عنه، لم يحفظ احد من هؤلاء خط الرجعة، وكان همهم كيف يتقدمون ويمسون اكثر".
الاغتيال فتح مرحلة جديدة في الصراع
خلال مرحلة الصراع والمواجهات اغتالت اسرائيل من هم اكبر واهم من الكرمي ( مثل كبار حماس في نابلس الذين ارسلوا استشهاديين قتلوا عشرات الاسرائيليين ) ومثل قادة آخرين اهم في قطاع غزة هم ياسين والرنتيسي، لكن بالتحديد عملية اغتيال الكرمي من طولكرم احدثت تغيرات في صورة المواجهات، لكن مستقبل هذا الاغتيال وانعكاساته لم يكن واضحا، خاصة بعد احداث 11 ايلول، وخطاب عرفات وكشف علاقته بسفينة الاسلحة، وجدت ظروفا افضل للمحافظة على وقف اطلاق النار .
اغتيال الكرمي لم يقطع الانخفاض التدريجي في العمليات، بل دفع فتح الى مضاعفة نشاطاتها، من عمليات استشهادية واجتياز الخط الاخضر، الذي لم يضع له الكرمي اعتبارا .
في الشاباك يقولون ان تحضير فتح لعملية الانتقام في الخضيرة والتي جاءت بعد ثلاثة ايام على اغتيال الكرمي، كان الكرمي نفسه مشاركا ايضا في تحضيرها، لكن الاغتيال دفع فتح الى ارسال عشرات الاستشهاديين .
البرغوثي غضب كثيرا ؟!
قائد فتح مروان البرغوثي سمع عن اغتيال الكرمي من قبل نشطاء الكتائب والذين اتصلوا عليه ظهر يوم 14/1/2002، وقد غضب البرغوثي كثيرا كما يقول احمد غنيم من كبار مسؤولي فتح، خاصة ان البرغوثي كان يكن للكرمي الاحترام ويشيد بشجاعته، وفي نفس اليوم الساعة الواحدة ظهرا كان من المفترض ان يعقد البرغوثي مؤتمرا صحفيا مع ممثلي الصحافة الاسرائيلية، لارسال اشارات هامة للمجتمع الاسرائيلي، لكن حادثة الاغتيال في طولكرم غيرت موقفه، فقد وصل للمكان صحفيون فلسطينيون ومندوبو صحافة اجنبية وعالمية لمعرفة رد البرغوثي على ما جرى، وقد وفر لهم ما يريدون قائلا " ان لم يكن هناك امن لسكان طولكرم فلن يكون هناك امن لسكان تل ابيب، الهدنة ملغاة وشارون فتح امام الاسرائيليين ابواب جهنم".
اعضاء الاقصى لم يكونوا ينتظرون تصريحات البرغوثي لمعرفة ما يستوجبه الامر، ولم ينتظروا منه اية اوامر، احمد البرغوثي مساعد مروان سمع عن الاغتيال في منزله، وقبل ان يرى التلفزيون قال " انه اتصل بناصر عويس في بلاطة واتفقا على اخراج عملية، والمنفذان اللذان ارسلهما قتلا مستوطنة تدعى يائيلا حن خلال عملية اطلاق نار في شارع القدس جبعات زئيف .
ويقول احمد البرغوثي " كلنا في طولكرم ونابلس ورام الله بدأنا بإرسال الاستشهاديين كانتقام، وقلت لاصحابي اضربوا في كل مكان باسرائيل، وقد ذهل عرفات وطلب توقيف محمود الطيطي من كبار فتح في بلاطة، لكن رجاله لم ينفذوا امر الاعتقال " ويضيف البرغوثي " كان مروان يعارض العمليات داخل اسرائيل، لكن انا تجاهلت الامر واغتيال الكرمي اثر فينا جميعا، حتى ناصر ابو حميد يقول ان الحساب الذي فتح مع اسرائيل في اعقاب الاغتيال لم يكن مرتبطا بالنضال الوطني بقدر ما هو امر شخصي، يقول " انتم قتلتم صديقا لنا ونحن ارسلنا 30 استشهاديا كانتقام، انتم الذين كسرتم الهدنة، قبل الاغتيال كانت هناك اوامر غير مكتوبة بوقف اطلاق النار، انا بعت سلاحي واشتريت حصانا، ومهند ابو الحلاوة تزوج، وعندما سمعنا عن اغتيال رائد اراد اصدقاؤه الانتقام " .
ويؤكد ناصر عويس الامر بقوله " عندما اغتالوا الكرمي اصابنا الجنون، لقد كان صديقا ورمزا، وادركنا انه ما دام اغتيل رائد فمعناه اننا جميعا على القائمة " وفي اليوم اللاحق لعملية جبعات زئيف قتل اسرائيليان قرب بيت لحم وجنين، وفي 17/1 رد تنظيم طولكرم على اغتيال الكرمي حين خرج استشهادي الى الخضيرة ليدخل قاعة افراح " قصر دايفيد " حيث فتح النار وقتل ستة اسرائيليين واصاب ثلاثين آخرين.
وفي الاسابيع اللاحقة ارسل نشطاء فتح استشهاديين لعمليتين في القدس، كما ان وفاء ادريس فجرت نفسها في وسط القدس، واستمرت عمليات اطلاق النار في شوارع الضفة والقطاع، وقد ادى هذا الوضع الى منافسة شديدة بين الفصائل حول من يرسل استشهاديين اكثر ويقتل مزيدا من الاسرائيليين.
خلال شهر آذار حدث انقلاب، ففتح ارسلت استشهاديين اكثر من حماس والجهاد الاسلامي الى داخل اسرائيل، وكانت حصيلة هذا الشهر الدموي مقتل 133 اسرائيليا، وهو اكثر شهر يتم فيه قتل اسرائيليين منذ الاحتلال حتى الان.