رام الله- صدى نيوز-  يصادف اليوم الثامن من تموز الذكرى 45 لاستشهاد الاديب والكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني اثر انفجار عبوة ناسفة وضعت في سيارته تحت منزله في مثل هذا اليوم من عام 1972.

ولد غسان كنفاني في عكا عام 1936، وعاش في يافا واضطر إلى النزوح عنها كما نزح الآلاف الفلسطينيين بعد نكبة 1948 تحت قمع الاحتلال، حيث أقام مع ذويه لفترة قصيرة في جنوبي لبنان، ثم انتقلت العائلة إلى دمشق.

عمل كنفاني منذ شبابه المبكر في النضال الوطني، وبدأ حياته العملية معلماً للتربية الفنية في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) في دمشق ثم انتقل إلى الكويت عام 1965 حيث عمل مدرساً للرسم والرياضة في مدارسها الرسمية. وكان في هذه الأثناء يعمل في الصحافة كما بدأ إنتاجه الأدبي في الفترة نفسها.

انتقل إلى بيروت عام 1960 حيث عمل محرراً أدبياً لجريدة "الحرية" الأسبوعية، ثم أصبح عام 1963 رئيساً لتحرير جريدة "المحرر"، كما عمل في "الأنوار" و"الحوادث" حتى عام 1969 حين أسس صحيفة "الهدف" الأسبوعية وبقي رئيساً لتحريرها حتى استشهاده في 8 تموز (يوليو) 1972.

مثل كنفاني نموذجاً خاصاً للكاتب السياسي والروائي والقاص الناقد، فكان مبدعاً في كتاباته كما كان مبدعا في حياته ونضاله واستشهاده، وقد نال عام 1966 جائزة (أصدقاء الكتاب في لبنان) لأفضل رواية عن روايته "ما تبقى لكم"، كما نال جائزة منظمة الصحافيين العالمية (I.O.J.) عام 1974 ونال جائزة (اللوتس) التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا عام 1975.

استشهد"غسان كنفاني" صباح يوم السبت 8/7/1972، بعد أن انفجرت عبوة ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله.

"عندما يصبح فعل الكلمة كفعل الرصاصة"

شقيق غسان، الكاتب عدنان كنفاني، قال لـ"وفا": "عندما يصبح فعل الكلمة كفعل الرصاصة أو أشد تأثيرا، تصبح الأولوية التي ينتهجها العدو قتل الكلمة، وبالتالي يحاول قتل الوعي وروح المقاومة كثقافة ونهج حياة.. ولأن الشهيد غسان كان الأنموذج والرمز في هذا المجال، قتلوه".

روايات لم تكتمل:

وعن كتابات كنفاني غير المكتملة، قال شقيقه: هناك ثلاث روايات كان يعمل الراحل عليها في وقت واحد لم تكتمل، وهي: (الأعمى والأطرش، والعاشق، وبرقوق نيسان)، وكتابات أخرى مشاريع قصص وبحوث ودراسات لم تكتمل. ولو طال به العمر وأكمل كتابة رواية العاشق على وجه التحديد كان حقق ما لم يستطع أي أديب عربي أو عالمي أن يحققه.

ذكريات وقصة شخصية:

هناك أحاديث كانت تجري بيننا، وكان يحرص ألا أنشرها، كان فيها الكثير من الألم والقلق وحديث الذات والآخر والتنظيمات ومسيرة النضال، وكنت أمينا على كتمها، وعلى مدى 45 عاما على استشهاده، لكنني قررت في هذه السنة أن أطرق باب الذاكرة وأتحدث عنها تباعا، وهي الأكثر صدقا وصوابا في الرؤى الاستشرافية التي امتلكها غسان رحمه الله.

غسان الانسان:

يقول شقيق كنفاني: غسان طاقة عمل هائلة، كان يقرأ بنهم كل ما يقع بيديه، وكان يعمل عملا متواصلا في الكثير من المجالات غير العمل النضالي والإعلامي، وخرج في كتاباته عن نمط الايدلوجيا، هي التي أبقته حيا في ضمير الناس لأنه اختار الحديث عن الناس، الناس المسحوقين والمظلومين والمناضلين بصمت.. دخل بيوت الفقراء، وعاش في القاع الفلسطيني في المخيمات، فبقي خالدا في ضمير الناس. كان مثال الوفي والصادق والمحب، بقي متمسكا بالأهل كبارا وصغارا، وأحب الناس، باختصار كان رحمه الله إنسانا رائعا في كل شيء وفي كل مفصل من مفاصل حياته، وحتى في مرضه وصبره وشموخه.

مكتبة غسان ومقتنياته:

لقد بدأ ظهور إبداع الشهيد غسان وهو لم يزل في عمر الطفولة، وبدأ فنانا تشكيليا وله الكثير من اللوحات الرائعة، وكان شغوفا بتشكيل أشياء من أي شيء يجده بين يديه، ويرسم أي شيء ما دام القلم بين أصابعه.

يقول شقيقه: في بيته حتى الآن نماذج مما كان يصنعه ويشكله من تحف ولوحات وهي رائعة.. وكما قلت إنه كان يقرأ بنهم شديد، ولن تجد مكانا في بيته يخلو من مجموعة كتب متنوعة، لم يسعَ في أي يوم لترتيب مكتبة متعة للناظرين، ولم يكن لديه وقت فراغ، أو يهمه هذا الظهور، لكن، وبعد زواجه من السيدة آني الرائعة، عملت على تنظيم كتبه وشغله وحياته أيضا.. رحم الله الشهيد غسان في الذكرى الـ45 على استشهاده.

مقاتل على جبهة الوعي:

الكاتب والناقد عادل الأسطة، قال: ربما يثار السؤال: لماذا قتلوا الشعب الفلسطيني؟ في العام 1948 طردت إسرائيل 650 ألفا من الفلسطينيين من ديارهم والسبب واضح: تريد الحركة الصهيونية أرضا بلا شعب أو أرض أكثر وعرب أقل والعربي الجيد في الأدبيات الصهيونية هو العربي الميت، في عام 1948 طردت إسرائيل الناشئة الفلسطينيين الذين لم يقاوموا المشروع الصهيوني، وهذا ورد في أدبيات كتاب إسرائيليين مثل ايلان بابيه، ولو كان الفلسطيني المقاوم للمشروع الصهيوني هو فقط المعرض للقتل والطرد لما قتل كثيرون ولما طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين المسالمين. فكيف إذا كان الفلسطيني ينتمي إلى فصيل سياسي مثل الجبهة الشعبية؟ وكيف إذا كان يقاتل على جبهة الوعي؟ بل وكيف إذا كانت اللحظة التاريخية لحظة مجابهة؟ في 1972 قبل استشهاد كنفاني قامت الجبهة الشعبية من خلال مقاتلين يابانيين بعملية فدائية في مطار اللد، أسفر عنها قتلى وجرحى، فقررت إسرائيل الانتقام من الجبهة الشعبية واختارت غسان كنفاني هدفا لها فقد كان الناطق الرسمي باسم الجبهة. إنها الحرب في الداخل والخارج، هل يضيف المرء إلى هذا أن أدب غسان كنفاني خلق عشرات المقاتلين؟

أعمال كنفاني ما زالت ترافقنا:

وتقول آني كنفاني، زوجة غسان في احد الحوارات التلفزيونية معها: اغتالوا غسان وناجي العلي وغيرهما من الشهداء والمثقفين والمفكرين الكبار، فإن كتاباتهم ورسوماتهم ما زالت ترافقنا وما زالت على قيد الحياة، اغتالوهم لأنهم شكلوا خطرا كبيرا على هذا الاحتلال.

وبحسب كتاب "غسان كنفاني القائد والمفكر السياسي" لبسام ابو شريف: فإن اغتيال كنفاني كان بدوافع سياسية أولا، كون كنفاني أبرز رموز الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذلك الوقت، الحزب الراديكالي آنذاك، ويحضر دوره الإعلامي اللافت ومهماته التنــظيمية وعلاقته الشــخصية بجورج حبش.

وعن يوميات كنفاني، يقول بسام ابو شريف: يعمل، ينتج، يقرأ، يكتب، يغرز في جسده إبرة الأنسولين قبل الأكل، وبعد أكثر من عشر ساعات من عمل، يبدأ غسان نمطا آخر من العمل، يلتقي الكتاب والأدباء والصحفيين ليتحاور معهم وليعبر عن تحديه للحياة، على الأقل حياة الغربة عن الوطن، ثم ينشغل ليلا ليقرأ، وعندما يكن منهكا يلجأ لمشاهدة فيلم لا يتطلب تفكير أو دقة ملاحظة، فيلما سخيفا ليرتاح.

في رثاء كنفاني..

من رثاء محمود درويش لكنفاني: "لم تمتَشِق إلا دمكْ. كان دمُكَ مكشوفاَ من قبل أن يُسفَكْ. ومنْ رآكَ رأى دَمَكْ. هوَ الوحيدُ الواضحُ. الوحيدُ الحقيقيُّ والوحيدُ العربيُّ. دقَّ سقفَ الهجرةِ وعادَ كالمطر الذي يهطل فجأة من سماء النُحاسِ على أرضِ القصدير. فهل سمعنا رنينهُ؟ هل سمعنا صداه؟ سمعناهُ يا غسان، فكيف نثأر له؟. وحين نقول فلسطين، فماذا نعني؟ هل فكَّرنا بهذا السؤال من قبل؟ الآن نعرفُ: أن تكون فلسطينيا معناه أن تعتاد الموت، أن تتعامل مع الموت... أن تُقدِّم طلب انتسابٍ الى دمِ غسان كنفاني. ليست أشلاؤك قطعا من اللحم المتطاير المحترق. هي عكا، وحيفا، والقدس، وطبريا، ويافا. طوبى للجسد الذي يتناثر مدنا. ولن يكون فلسطينيا من لا يضمُّ لحمه من أجل التئام الأشلاء من الريح، وسطوح منازل الجيران، وملفات التحقيق.

اذهبوا إلى اسم غسان كنفاني واسرقوه، أطلقوا اسمه على أي شيء وعلى كل شيء. أطلقوا اسمه عليكم واقتربوا من أنفسكم، من حقيقتكم، تقتربوا من الوطن."

من رثاء بسام أبو شريف لكنفاني: "أنت تعرف كم أعشق كلماتك، كم سرت معك، خلفك، خلفك. كم تمنيت أن أكون أمامك مرة واحدة، أرحل قبلك كي تكتب في رحيلي كلمة واحدة، حرفا واحدا، ولكن لماذا ضننت علي بهذا يا غسان؟"