قبل سنة تقريبا كتبت مقالا حول الغاز المكتشف في شرق المتوسط، وتساءلت في حينه أهذا الغاز نقمة ام نعمة؟ وقلت في حينه ان الشرق الاوسط بعد الغاز لن يكون كما قبله وان علينا نحن الفلسطينيين ان نأخذ هذا المستجد على محمل الجد ونحن نضع سياساتنا واستراتيجياتنا. في الأسابيع الاخيرة نلاحظ تسخينا غير طبيعي في شرق المتوسط، حيث تضغط تركيا بشتى السبل من اجل الحصول على حصتها من الغاز، وفي هذا السياق حركت سفنها الحربية الى محيط جزيرة قبرص بحجة ان للقبارصة الأتراك حصة من هذا الغاز. خطت تركيا خطوة اخرى لا تخلو من التحدي عندما وقع اردوغان اتفاقية مع السراج، الذي تسيطر حكومته على العاصمة الليبية طرابلس. في مقابل التحرك التركي النشط هناك ما يشبه التحالف بين مصر واليونان وقبرص، وحلف يوناني قبرصي منفصل مع إسرائيل. بالطبع هناك لبنان وحزب الله ومن بعيد دول اوروبية تراقب، خاصة ايطاليا التي عقدت اتفاقية للحصول على الغاز من إسرائيل. كما ان روسيا والولايات المتحدة متواجدتان في المنطقة عبر الاساطيل والقواعد العسكرية.
ان كميات الغاز المكتشفة والتي يمكن ان تكتشف يبدو انها تستحق كل هذا الصراع الذي قد يشعل حربا في اي لحظة، فهناك شد حبال قوي في المنطقة، لان بعض الاطراف، خاصة تركيا تعتقد ان هذا صراع اما تكون او لا تكون وهي تصر على ان تكون، بالمقابل قبرص واليونان، تشعران ان العدو التقليدي التاريخي، والمقصود تركيا، جاء ليأخذ من حصتهما من الغاز في محيط قبرص.
أما مصر فهي غير مرتاحة لتحرّك اردوغان في شرق المتوسط، وخاصة بعد اتفاقه مع السراج الذي سيمنح تركيا قواعد عسكرية وقواعد إمداد على الاراضي الليبية، وهو ما ترى به مصر تهديدا لامنها القومي، كما اشار الرئيس السيسي مؤخرا. من جهتها اسرائيل، التي امنت حصتها بحكم الامر الواقع، فإنها تريد ان يكون لها الكلمة الفصل بكل ما يتعلق بالغاز في شرق المتوسط، بالاضافة الى انها تسعى للسيطرة على الغاز الفلسطيني مقابل شواطئ قطاع غزة ومن حصة لبنان ان امكن. كما يجب عدم اغفال سورية بالرغم من انشغالها بشأنها الداخلي، فهي في حيرة من امرها فهي لن تحالف تركيا كما ان حلفها القديم مع اليونان وقبرص يبدو صعبا في ظل وجود اسرائيل في المعادلة، فالارجح بالنسبة لسوريا ان تلعب الورقة الاكبر الا وهي ورقة روسيا المتواجدة بقوة في المنطقة.
ان امكانية التوصل الى صفقة تشمل جميع الاطراف هو امر مستبعد في المدى المنظور، فالاحتمال الاكبر هو استمرار شد الحبال وهي عملية محفوفة بالمخاطر وقد يشعل الغاز حربا في اية لحظة بالرغم من أن الأطراف لا ترغب بالانزلاق نحو الحرب، لكونها مكلفة جدا وغير محسومة نتائجها.