ماذا لو استمعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى نصيحة الضابطة الإسرائيلية السابقة، العقيد احتياط المحامية: «فنينا شربيت بروخ» بفتح تحقيقات قضائية مع ضباط وجنود جيش الاحتلال، خاصة بعد قرار «الجنائية الدولية» الأخير بفتح تحقيق جنائي مع هؤلاء بتهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين؟ المحامية بروخ الباحثة في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، والتي عملت أيضاً كمستشارة قضائية في الوفود الإسرائيلية للمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، كانت قد أكدت اكثر من مرة، خلال الأشهر الأخيرة، من خلال عدة مقابلات ومقالات، على ضرورة قيام إسرائيل بفتح تحقيق «مسبق» مع ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي «للتأكيد على استقلالية القضاء الإسرائيلي في تعامله مع «مخالفات» أثناء التعامل مع الفلسطينيين. يقول موقع معاريف الذي عاود نشر نصائح بروخ، إن تصريحاتها أثارت غضباً واسعاً في أوساط الشارع الإسرائيلي، ربما لأن الدولة العبرية تعلم تماماً ان قضاتها ومحاكمها، لا يمكن لها ان تحاكم جنودها وضباطها، ومن ناحية ثانية، فإن أحداً، أو اي سلطة قضائية مستقلة يمكن لها أن تثق بالقضاء الإسرائيلي عندما يمثُل أمامه جندي او ضابط إسرائيلي متهم بجرائم حرب ضد الفلسطينيين، وهناك عشرات آلاف المحاكمات التي تؤكد على عدم الثقة بهذا القضاء على هذا الصعيد، وهو الأمر الذي لم تتحدث عنه «معاريف» من دون أن توضح أسباب غضب الشارع الإسرائيلي من تصريحات بروخ، مع أن هذا الغضب يشير من جديد إلى أن جرائم الاحتلال لا يجب ان تخضع لأي مقاضاة، وان الإفلات من العقاب سياسة مركزية لدى كافة المستويات السياسية والحقوقية والأمنية لدى دولة الاحتلال!
نصائح بروخ الهادفة إلى الإفلات من مواجهة مع «الجنائية الدولية» عبر محاكمات صورية، باتت من خلف التحقيقات التي ستجريها الجنائية الدولية، وفي سياق التهرب من المواجهة مع «الجنائية»، وفي خطوة لافتة تشير إلى ان دولة الاحتلال، رغم نزقها وتنمرها باتت فعلاً أكثر تخوفاً من هذه التحقيقات، ولا أدل على ذلك من تصريحات وزير الخارجية يسرائيل كاتس من أن حكومته لم تلجأ الى إخلاء «الخان الأحمر» خشيةً من الجنائية الدولية حتى قبل قرارها الأخير، إلا أن الجديد بهذا الشأن قرار نتنياهو بتجميد المشاورات التي سبق أن أعلن عن إجرائها تمهيداً لإعلان ضم الأغوار ومنطقة شمال البحر الميت لإسرائيل وبسط السيادة عليها، بعد أن كان قد شكل طاقماً خاصاً ولجنة وزارية لبحث تنفيذ هذا الضم الذي قال عنه نتنياهو إن الولايات المتحدة تدعم هذا التوجه الذي من شأنه ان يدعم ويساند فرص نتنياهو في الفوز في الانتخابات التشريعية القادمة في أوائل آذار القادم!
ورغم الدعم الأميركي لإسرائيل في المواجهة مع «الجنائية الدولية» والموقف الألماني الذي يعارض تسييس المحكمة، حسب زعم حكومة برلين، فإن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة للقيادة الإسرائيلية للاطمئنان، فالمدعية العامة للمحكمة، حسب «إسرائيل اليوم» أثبتت في الماضي وقوفها الى جانب إسرائيل، خاصةً إزاء ملف الأساطيل المتوجهة الى غزة لدعم سكانها، الآن بنسودا ستُنهي مهام منصبها في السنة القادمة، وهناك احتمالات بأن عدداً من القضاة في المحكمة أكثر تطرفاً منها، حسب الصحيفة، وحتى قبل أن تترك بنسودا منصبها بإمكانها أن تُصدر أوامر استدعاء أو حتى اعتقال لكل من تجده مناسباً من الجندي والموظف حتى رئيس الدولة، ولأن إسرائيل لن تسمح بذلك، فإن المواجهة مع المحكمة ستظل مفتوحة!