وما زال الناس بانتظار الانتخابات بشوق وقلق
ما زال المرسوم الرئاسي بالدعوة إلى الانتخابات التشريعية وموعدها لم يصدر. وما زال الجدل الخلافي حولها مستمراً سواء بشكل مباشر أو بالمواربة. وما زال الناس في حال شوق وانتظار، وقلق أيضاً.
في البداية، كانت العقدة التي تحتل صدارة المشهد هي إصرار بعض التنظيمات أن يسبق الانتخابات ومرسومها، انعقاد حوار وطني فلسطيني جامع يناقش الأوضاع الفلسطينية القائمة بكل عقدها وأزماتها، وأهمها الانقسام ومنتجاته، ويُتفق على طرق الخروج منها.
نظرياً وإعلامياً، تم تجاوز هذه العقدة وأعلن الجميع موافقته على المشاركة بالانتخابات، وأن يتم انعقاد الحوار الوطني مباشرة بعد صدور المرسوم الرئاسي.
لكن عقداً أخرى ما زالت قائمة.
أول العقد، تلك المتعلقة بـ «شرط» إجراء الانتخابات في القدس، حتى يجوز إجراؤها في الضفة والقطاع.
أيضا نظرياً وإعلامياً الكل متفق ويؤكد على الشرط المذكور، لكن خلافاً يتسرب حول هذا «الشرط»، وفهمه وطريقة التعاطي معه.
بين من يفهمه ويعلنه بوضوح وإصرار بأن تجري الانتخابات داخل القدس، وأن يمارس الناخب المقدسي حقه الانتخابي مباشرةً داخل المدينة وحواريها ومراكزها.
وبين من يُبدي استعداداً مبدئياً للتعامل مع هذا الشرط عبر ترتيبات توفيقية وعملانية «واقعية»، وإمكانية الاستعانة بالوسائط التقنية أيضاً، ومستشهداً بالتجارب السابقة.
وثاني العُقد، هو رفض دولة الاحتلال إجراء الانتخابات عموماً، وبشكل خاص في مدينة القدس بالذات، بكل إمكاناتها على التعطيل والمنع. وفي أساس موقفها الحرص الشديد على دوام الانقسام وتجذره، لأنه يخدم مصالحها العليا.
ومن هذا الحرص تأتي رغبتها وسعيها للوصول الى تهدئة وتفاهمات بشروطها، ويأتي ما تبديه في سبيل ذلك من تجاوب ومرونة مع المساعي الدولية والإقليمية، وما تعد او تلمح به من تسهيلات وإغراءات مناورة.
يؤكد هذا الموقف، اعتبارات وضرورات داخلية في مقدمها إرضاء قوى اليمين الأكثر تطرفاً، وأزمة رأس الحكم فيها، وضرورات دورة الإعادة الثالثة لانتخاباتها التشريعية، إضافة الى انه يحظى بإجماع كل قوى دولة الاحتلال متجاوزاً كل خلافاتها المعلنة.
ويتضاعف التأكيد مرات، بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية قبول الدعوى الفلسطينية وفتح تحقيق ضد جرائم إسرائيل.
أيضاً، يمكن الحديث عن عقدة ثالثة، عنوانها الشك بأن بعض القوى الفلسطينية غير متحمسة للانتخابات، وتفضل استمرار الواقع القائم. ويقوم عدم حماس هذا البعض على قاعدة فكرية عنوانها عدم القناعة بالانتخابات، وبدور الجماهير وحقها في تقرير مسار الحكم وبرنامجه واختيار هيئاته القيادية.
في مواجهة هذه العقد التي تسد طريق الانتخابات وتوسع زواريب الخلافات، لماذا لا يكون اللجوء الى الواقعية الوطنية، الى تدوير الزوايا والتقاط المشترك في المواقف والبناء عليه.
خصوصاً، وان المشتركات الوطنية موجودة، ومنها:
- الاتفاق على المشاركة في الانتخابات التشريعية. (باستثناء حركة الجهاد الإسلامي).
- الاتفاق على مبدأ ضرورة إجرائها في القدس، كما تقول الإعلانات، وتصريحات الناطقين الرسميين.
- الاتفاق على الحوار الوطني الفلسطيني الجامع مباشرة وبعيد إصدار المرسوم الرئاسي.
على قاعدة هذه المشتركات، لماذا لا تطلب لجنة الانتخابات المركزية مثلاً، من كل تنظيم إعلان موقف يقرن فيه تأكيد مشاركته في الانتخابات التشريعية بشرط إجرائها داخل القدس؟
لو حصل مثل هذا الأمر، فإن صدور المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات يفترض ان يصبح تحصيل حاصل. ويصبح ممكناً وبسرعة انعقاد اللقاء الوطني الجامع. ولتكن اول نقطة على جدول اعمال اللقاء موضوع الانتخابات وشرط إجرائها داخل القدس.
هذا ما يجعل من الانتخابات داخل القدس قضية إجماع وطني، ويجعل خوض معركتها يتم على هذا الأساس وبهذا المنطق، ويوقف الاجتهادات والتباينات حولها.
وعلى نفس الأساس وبنفس المنطق يتم اتخاذ القرار ورسم الموقف والمواجهة الوطنيين الموحدين في حال منعت دولة الاحتلال إجراء الانتخابات، ولو من مدخل رفض إجرائها في القدس، كما هو متوقع.
ثم يتم البحث والاتفاق على ترتيبات وإجراءات واحتياجات ومواعيد الانتخابات.
تبقى ملاحظات أساسية على موضوع اللقاء الوطني الجامع:
- الأولى، أن يكون انعقاده مفتوحاً على أوسع مشاركة، ودون التقيد بمسميات وأطر لم تثبت وجودها وفعلها في الواقع الوطني العام.
- الثانية، ألا يكون نسخةً عن لقاءات وطنية كثيرة سابقة، تكرر نفس الكلام وتعيد نفس الجدل بنفس المنطق والحجج، ثم لا تحقق نجاحاً، ولا يخرج عنها حل.
- الثالثة، وربما الأهم، ضرورة أن يشارك الناس-أهل الوطن- في جلسات الحوار بأوسع تمثيل الى جانب ممثلي الفصائل الفلسطينية.
لماذا لا يتم، مثلاً، إشراك ممثلين عن:
- اللجنة المركزية للانتخابات، ومجالس بلدية وقروية وغرف تجارة وصناعة منتخبة ومجالس طلبة الجامعات وبعض الاتحادات الشعبية (العمال، المرأة، الكتاب والصحافيين، الحقوقيين، رجال الأعمال....) وعدد من الأكاديميين، والمناضلين والمسؤولين السابقين .......إلخ.
إن مشاركة هؤلاء، بقدر ما هي حق، فإنها تضيف الى الحوار والنقاش الغنى والانفتاح والحيادية، ويكونون في نفس الوقت، شهوداً من بين الناس على أداء التنظيمات وإيجابية ومسؤولية مواقفها وإسهامها.
الانتخابات بدءاً بالتشريعية، أصبحت ضرورةً وحقاً لا يحتمل التأجيل.
أن يوقفها قهر دولة الاحتلال فأمرٌ قاس ومرّ.
لكن أن توقفها خلافات التنظيمات الوطنية الفلسطينية فأمرٌ أقسى، وأمرّ، وأدهى.