تروي الرواية حكاية سارة، شابة سعودية تولد في لندن وتعيش فيها وتختلف مع أبيها لأنه صفعها، فتهرب من البيت.
تتعرف سارة ذات ليلة وهي تسهر في مرقص مع ربييكا وصديقها إلى زياد الفلسطيني وتنشأ بينهما علاقة تسفر عن زواج. فمن هو زياد الفلسطيني؟ وما هي قصته؟ وكيف بدت صورته؟
زياد هو حفيد فلسطيني استشهد في 1948 وابن أبوين عاشا في المنافي، ماتت أمه بالسرطان في 2004 ثم مات أبوه، واستقر هو في لندن في شقة أبيه وهناك درس وصار فنانا يحصد الجوائز العالمية ويشارك في المعارض الدولية، ويخلص لفنه ويحقق ذاته من خلال مشروعه الفردي ولا يحلم كثيرا بفلسطين، وإن رباه والداه على حبها، ولسوف نقرأ على لسانه الكلام الآتي:
"أحيانا أحس بالفخر كوني حفيد هذا الرجل الذي قدم نفسه قربانا لوطنه، لكنني كما قلت لك سابقا، أحس بأنه لا جدوى من هذه المحاولات اليائسة لاسترداد وطن أصبح في خبر كان. أجد نفسي أقف أمام صورة جدي وأقرعه ناعتا إياه بالغبي، لأنه فقد حياته من أجل شعارات جوفاء!! جعل نفسه كبش فداء!! التضحيات يجب أن يكون لها مردود فعلي على الأرض وإلا فالاستغناء عنها أضمن. بكل صراحة أنا لا أفكر يوما في حمل بندقية على كتفي لأحارب بها اليهود. لقد أصبحوا واقعا مفروضا شئنا أم أبينا، فلماذا أزيد رقما خاسرا لآلاف مؤلفة راحت ضحية أوهامها".
ترسم سارة المعجبة بزياد، وهو من مواليد 1996 تقريبا، الصورة الآتية له:
"كان في حوالي الثلاثين، مربوع القامة، قمحي البشرة، حليق الشارب واللحية، يميل شعره إلى الكستنائي، ظريف الهيئة، يملك رجولة حاضرة على الدوام، أسبل العينين، تقفز من فصيهما فحولة مشتعلة".
ويكون انطباعها الأول عنه حين يلتقيان لأول مرة كما يأتي:
"حاول بأمانة فرض وجوده، كياسته، خفة ظله، قشعا بسهولة ستار الكلفة".
ويترك زياد عليها انطباعا حسنا يمس شغاف قلبها، وحين يدعوها إلى الرقص لا تمانع، فلقد سحرها. إنه شبيه بوديع عساف ووليد مسعود في روايتي جبرا إبراهيم جبرا، على الرغم من اختلاف موقفه عنهما فيما يخص العودة إلى فلسطين، ولكن علينا ألا ننسى أن وديعا ووليدا ولدا في فلسطين ثم عاشا في المنفى، بخلاف زياد الذي ولد في المنفى ولم ير فلسطين، فكل ما يعرفه عنها عرفه من والديه، عدا أنه يقيم في لندن لا في مخيم لاجئين.
زياد فنان بارع في نحت الأجساد والوجوه وعمل المجسمات الجمالية المصنوعة من خامات مختلفة، وهو منفتح وأقام في أثناء دراسته في الجامعة مع فنان تشكيلي برازيلي وفنان تركي، وهو عصامي فقد عمل مترجما، إلى جانب بيع مجسماته للمجلات المتخصصة.
لقد تآلف زياد وسارة معا وغدت، عندما يلم جسدها بين ذراعيه، تلفي أنوثتها البكر تتفتح أوراقها. إنه ذو رجولة شامخة ولهجته الفلسطينية تروق لسارة، وإن كان بدأ يفقد الحماس للهجته:
"لا أخفي عنك سرا إن قلت لك بأنني بدأت أفقد حماستي للهجتي، وإنني متمسك بها لأريح والدي في قبرهما".
والأخطر أنه لم يعد يصدق:
"أن هناك وطنا اسمه فلسطين كان له وجود على خارطة العالم العربي".
وتغدو وصية أبيه له "أوصيك بفلسطين" عبئا عليه، وكان منذ فترة مبكرة من حياته يرى - وهو يتابع اهتمام أبيه بأخبار فلسطين وتفكيره بالعودة إليها - أن حلم العودة هو "حلم إبليس في الجنة!!" لإيمانه بأن الإنسان لا تعلق في ذاكرته إلا الأشياء التي تنطبع مشاهدها في لوحة عينيه "أنا لم أر فلسطين ولا أعرف شيئا عنها!!". إن حلمه أن يعيش مثل بقية خلق الله.
أبوه الذي ظل يتطلع إلى العودة إلى وطنه اكتشف، مع مرور الأيام، أنه كان أحمق، ولذلك طلب من زياد أن يحل لغز حياته مبكرا.
يحترم الفلسطيني سارة ويكون صادقا معها ولا يخدعها ويحافظ عليها، وحين يجسد لها تمثالا يرفض أن يعرضه في المعارض، فهي تخصه وحده. إنه يجد ويجتهد ويحقق ذاته من خلال العلم ويتطلع إلى مستقبله الفردي، ويتميز بأنه ذو مزاج متقلب ما جعل سارة تنزعج منه وتشعر بالحيرة وتخرج عن طورها، وحين تعاتبه مرة على هذا يجيبها أن السبب يعود إلى نشأته التي تختلف عن نشأتها، فهي لم تعان من المنفى أو الفقر.
كان تصور سارة للفلسطيني قبل لقائها بزياد مختلفا، وحين تصغي إليه يصف شعوره اللامبالي إزاء فلسطين تقول له:
"أنا أراك دخيلا على ذلك الوطن. الفلسطينيون الحقيقيون هم أولئك الذين يتلقون الرصاصات القاتلة بصدورهم العارية دون أن ترتجف أجفانهم".
التصور السابق للفلسطينيين يختلف عندما التقت بزياد، فقد رأت فلسطينيا آخر، ومع ذلك أحبته وتزوجته وسافرت معه متخلية عن أهلها.
هل نقرأ في الرواية الفلسطينية عن نماذج فلسطينية مشابهة لزياد رغبت في عدم العودة والبقاء في المنفى؟
في رواية مايا أبو الحيات "لا أحد يعرف زمرة دمه" 2013 ورواية سامح خضر "يعدو بساق واحدة" 2015 نقرأ كلاما شبيها بهذا.
وفي موقف زياد من دفاع جده عن وطنه واستشهاده ورؤية زياد أن الحروب التي قاتل فيها الفلسطينيون كانت عبثا ما يذكر بتساؤل محمود درويش الاستنكاري:
"هل كانت حروبي عبثا؟"، فدرويش هو من قال: "إذا كان لي أن أعيد البداية اختار ما اخترت: ورد السياج".
والسؤال هو:
هل يمثل زياد الجيل الفلسطيني الجديد الذي ولد في المنفى بعد اتفاقات أوسلو؟ ولكن اللافت هو أن ثمة شخصيات أخرى سعودية تتخلص من إرث الأهل وترى في مفاهيمهم وموروثهم عبئا يجب التخلص منه، وهذا فيما أرى يقبع في ذهنية زينب حفني نفسها.
الأسئلة كثيرة والإجابات تحكمها التجربة والموقع والموقف.