واضح أن الفراغ وتأجيل الأمور من القضايا المذمومة، وكان لا بد أن يأتي من يملأ الفراغ أو يسرع الأمور.
أنا سعيد أن هزة صغيرة في أغصان حياتنا جعلتنا نوضع في زاوية المتهم بالتقصير وضعف الأداء، ووضعتنا في موقع الدفاع دون دلائل مساندة، تلك الهزة كانت مبادرة لدعم مشاريع ومبادرات تقاوم الاستيطان وتحد من توسعه، إلى جانب قضايا أخرى في المبادرة، وقامت الدنيا ولم تقعد، وبات الكل يقول: لدينا برنامج متعلق بالاستيطان، كانت لدينا فكرة يجري بلورتها، كنا نريد التركيز على الدعم الفني لو أن الله وفقنا واستمررنا، وحتماً قيل وسيقال: من أنتم؟ هل أنتم أهل لها؟ تريدون أن تحلّوا مكان الفصائل؟.
ولا أرى ضرراً من القول أننا انكشفنا أمام أنفسنا على الأقل لعلنا نعيد الاعتبار لجهد حكومي وُضعت أسسه في العام 2010، وكان منزل الرئيس محمود عباس المنزل الأول الذي يستقبل المتطوعين ليلصقوا عليه «هذا المنزل خال من منتجات المستوطنات».
أيام مضت وإذا بنا جميعاً نقف كأننا خضعنا لتصوير طبقي كشف كامل مكونات جسمنا أمام الدنيا وبتنا نريد أن نتغطى، وبات ملحاً أن نستعين بمعاجم اللغة ليكون أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، علّنا نلقي الكرة في ملعب الآخرين وليس ملعبنا، ولم يسعفنا أي شيء لستر عورتنا بعد أن كشفنا.
في نيسان 2010 صدر قرار بقانون رقم (4) لسنة 2010م بشأن حظر ومكافحة منتجات المستوطنات، واستنفرت جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني التي كانت حديثة العهد آنذاك، والتي بادرت الحكومة آنذاك لتفعيل تأسيسها لدعم هذا القانون، ونشطت المدارس والحركة الطلابية والنسوية والعمالية لتنظيم أوسع حملة للتأثير سلبياً على المستوطنات ونشر الوعي بخصوصها، وحشد الدعم المالي من القطاع الخاص الفلسطيني بغالبيتها، حيث شكا آنذاك المسؤولون من قطاع اقتصادي لم يلتزم بحجة أنه ليس فلسطينياً صرفاً بل مرجعيته متعددة في بلاد المنشأ، وبدأت المتابعة بعد صدور دليل منتجات المستوطنات، وألصقت لاصقات «هذا البيت، هذا المتجر، هذه المنشأة خالية من منتجات المستوطنات»، وبدأت عملية التنظيف والتعقيم للسوق من تلك المنتجات، وطالت خدمات المستوطنات وطالت تكميل الإنتاج في المستوطنات، وتوسعت لتطال الاستثمار في المستوطنات.
للأسف لم يتبق لنا اليوم الا القانون، وبات هناك جهد غير فعال باتجاه تعديل القانون بعد أن اكتشفت فيه بعض المواد التي تحتاج الى تطوير، ومن ثم ذهب الجهد نظرياً أيضاً كما القانون بتطوير دليل منتجات المستوطنات، وتوالت الأيام والأسابيع ونحن لا زلنا «مكانك قف» ولا جديد، وفي كل أسبوع يتم الإعلان عن الكشف عن منتجات المستوطنات والتهريب، والنقاش مستمر حول المنشآت الصناعية والتجارية والمشاغل التي تقام قرب وفي محيط المستوطنات.
واضح أننا سندنا ربابتنا وعلقنا على شماعة القانون وشماعة دليل منتجات المستوطنات، وذهبنا الى شأن آخر يغنينا، ولم يعد العمل في المستوطنات أمراً مستهجناً أو مدار بحث، وهذا لا يمنع أكاديمياً اقتصادياً أن يقول لمن يشعل العقل للتفكير بملفي العمل والاستثمار في المستوطنات «إنه تأهيل رسمي».
لم يعد يجدي أن يكون تعديل قانون حظر منتجات المستوطنات وتطوير دليل منتجات المستوطنات جهداً وظيفياً محدداً بساعات دوام والسلام، لأنه عندما صدر القانون والدليل كان جهداً تشاركياً زُجت فيه كل قطاعات المجتمع، وكانت طاولة تضم خبراء ومختصين، وكان هناك فريق فني وفريق ضغط وتأثير متكامل.
ليس من المنطق ان نتحدث عن القانون، ونحن نحتاج الى جهد مضنٍ لنقنع أنفسنا أن نقاطع متاجر المستوطنات ونبرر لأنفسنا ولغيرنا أنها أقل سعراً من السوق الفلسطيني، ونهرب منتجات المستوطنات ونعيد تغليفها ونحن نعلم مع سبق الإصرار والترصد.
لا ينطبق مع الواقع أن يظهر أن مقاومة الاستيطان ومقاطعة منتجاته وعدم العمل في مشاريعه عمل نخبوي بقوم به مجموعة محددة وباقي المجتمع يظهر أنه خارج اللعبة.
قد يبدو مفيداً أن تركز مؤتمرات أقاليم حركة في فتح المتبقية ولم تعقد على ملف الاستيطان ومقاطعة المستوطنات، لعلها رسالة تكون ذات أثر في الوعي الفلسطيني.
ازمتنا أننا ندافع بعضنا البعض، ولا ننسق ولا نبني على جهد سابق، لذلك من السهل ان نخرج كلنا الى الخارج ويأتي آخرون يراكمون على جهد سابق، انظروا كم مجموعة زعلت وراحت تعمل حملة لدعم المنتجات الفلسطينية، ليس لهدف إلا الشخصنة والرغبة ولا تنجز شيئاً، ونحن ذاتنا نستغرب بروز مبادرات أخرى للتأثير على الاستيطان والمستوطنات، لأننا ما زلنا نقف مكاننا ولا نخطو خطوة الى الأمام.