صفقة القرن الأمريكية ماهي إلا فلسفة سياسية عنصرية استعلائية، مركبة ومعقدة لتعيد تسمية الماء بالماء، بعد جهد جهيد وإنتظار طويل، وفذلكة لغوية نظرية تحاول أن تصنع حقائق مزورة، وتًغيب الحقيقة، وتزور التاريخ والحاضر والمستقبل لإقليم فلسطين وشعبه، إنها لا ولن تقدم شيئاً لأجل الأمن ولا لأجل السلام أي شيء يذكر، بل تُأخرُ المتأخر وتَزيدُ الأمر تعقيداً، وتُبعدهُ عن أي أفق للتسوية الممكنة ..!
إنها تفتح الباب على مصراعية لإدامة الصراع واستمرار دوامة العنف، ومعه غياب الأمن والاستقرار في المنطقة إلى أجل غير مسمى ... وتجعل من التسوية هدفاً بعيد المنال.
عندما تُخلقُ وتُولدُ إرادة التسوية الحقيقية للصراع، لدى العقل السياسي الأمريكي .. قد تصبح الطريق سالكة لإنهاء الصراع وبواسطة المفاوضات ذات المرجعية المستندة إلى الشرعية التاريخية والقانونية الدولية، لكنها لازالت غائبة عن العقل السياسي المصلحي الأمريكي المتحكم في إدارة الصراع، الذي لا يجد مصلحته سوى في استمرار غياب الأمن والسلام وإدامة الصراع في المنطقة والإقليم.
الرئيس أبو مازن المتمسك بحقوق شعبه وثوابته، وبالقانون والشرعية الدولية، لم ولن يُهزم أمام هذا الصلف والعنت الصهيوني الأمريكي، الذي بلورته ما يسمى (صفقة القرن)، بل سجل أمامها انتصارا باهراً للاخلاق وللقانون والشرعية الدولية، ولحقوق شعبه الوطنية غير القابلة للتصرف، بمهارة قَّل نظيرها .. وقد عمق هذا الإنتصار من الأزمة الوجودية للمستعمرة الإسرائيلية، التي باتت تعاني من جراء هذا الصمود والثبات الفلسطيني، والحنكة السياسية التي يتمتع بها شعب فلسطين وقيادته وعلى رأسها الرئيس أبو مازن، ذلك على طريق كسر وهزيمة المشروع الصهيوني العنصري وتعزيز الحصار حوله، وحول السياسة الأمريكية المنحازة له والمجافية للقانون والشرعية الدولية والتاريخية، ذلك برفضه ومواجهته (لصفقة القرن)، وصلابة موقفه المدعوم من شعبه الفلسطيني ممثلا بكافة أطيافه السياسية ومن العمق العربي والدولي للقضية الفلسطينية بكل أبعادها.
على هذه القاعدة قد صدر بيان مجلس وزراء الخارجية العرب برفض الصفقة الأمريكية في جلسته يوم السبت 1 /2 /2020م .. وستواجه هذه الصفقة بالرفض أيضاً من كافة المجموعات الدولية .. ومن الأمم المتحدة على مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة، بغض النظر عن الفيتو الأمريكي المنتظر أن يواجه به مجلس الأمن.
القيادة الفلسطينية وشعبها لم يفوتوا فرصة للسلام ولا لنيل الحقوق، كما بدأ يروج بعض الإنهزاميين والمستسلمين للقرن الأمريكي والمتساوقين معه، لأن ما تقدمه هذه الصفقة للفلسطينيين ليس أكثر من التخلي المباشر عن روايتهم التاريخية وحقهم المشروع في وطنهم، والتسليم بالرواية الإستعمارية الصهيونية العنصرية كاملة ..!
هذه الأصوات النشاز التي بدأت تظهر وتعلن مواقفها ورؤاها المتماشية مع الرؤية الصهيونية، وتتهم الشعب الفلسطيني وقيادته، بتفويت فرصة جديدة على الشعب الفلسطيني لنيل بعض حقوقه، إنها رؤى واهمة قد ترى في السراب ماء، وما أتخذت مثل هذه لمواقف إلا لتبرير عجزها واستسلامها، وتخليها عن دعم قضية من أعدل القضايا السياسية والإنسانية، لن يلتفت إليها الشعب الفلسطيني وسيستمر في الثبات في مواقفه وكفاحه ولن تحبطه، حتى ينال حقوقه المشروعة كاملة دون نقصان، على الأقل وفق القانون والشرعية الدولية.
على أصحاب نظرية تفويت الفرص أن يطالعوا ما كتبه العديد من الكتاب الإسرائيليين المتنورين أنفسهم وغيرهم من كتاب وإعلاميين وسياسيين ومسؤولين دوليين، عن هذه الصفقة المزعومة وما يمكن أن تؤدي إليه، من كوارث على الطرفين، من أجل أن يستوعبوا ماذا تعني هذه الصفقة بأبعادها المختلفة، وبالتالي كي يدركوا أحقية الموقف الفلسطيني الرافض لها وصوابيته وما يتوجب عليهم إزاءه...!