صفقة القرن أو صفعته أو فضيحته أو خزيه أو ذله أو هوانه... كانت محصلة طبيعية ومنطقية لعالمين عربي وإسلامي تنخرهما الحروب والصراعات والنزاعات والمجاعات والانقسامات والديكتاتوريات والاضطرابات والاحتلالات والتدخلات الأجنبية، أشداء على أنفسهم رحماء مع خصومهم، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، جل مؤسساتهم الدولية هزيلة لا تهش ولا تنش، وأغلب ترساناتهم المسلحة موجهة لظهور بعضهم، فالمحصلة أمست لخصومهم أنه «خلا لك الجو فبيضي واصفري ونَقِّري ما شئتِ أن تنقري».
كان قرار نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس بالون اختبار أثبت الرئيس الأميركي دونالد ترمب من خلاله أن الجو خلا لكل أحد أن يبيض في عالمينا العربي والإسلامي ويُصفر وينقر ما شاء أن ينقر، ولهذا كان حدس الرئيس ترمب صادقاً حين علّق بكل فخر على قراره «الشجاع» بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة إليها، بأنه لن تكون هناك اعتراضات أو احتجاجات تذكر، وهذا بالفعل ما حصل، فكان أن التقطت إسرائيل الرسالة فقررت ضم غور الأردن وعدد كبير من مناطق المستوطنات المحتلة إليها ورفع وتيرة بناء المستوطنات والتلويح بضم الجولان، والهند من جهتها التقطت «الرسالة» فضمت كشمير المتنازع عليها مع باكستان، وإثيوبيا أيضاً رفعت وتيرة التحدي بكل جسارة بأصبع التهديد في يد وبالسلاح في اليد الأخرى ومضت قدماً في إنشاء سد النهضة، ما جعل مصر تدخل في مرحلة «الفقر المائي»، كما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، والقائمة مرشحة للمزيد.
حالة الزهو والطاووسية التي صاحبت الإعلان عن صفقة القرن كانت مستفزة جداً، فهذه المبادرة المذلة لسلام مزعوم لم تنسف حقوق الشعب الفلسطيني وتقضم حقوقه الصريحة التي ضمنتها له المرجعيات الدولية المعتبرة فحسب، بل لم تكترث أيضاً بأثر هذه العجرفة والصلف في فرض واقع كله ظلم وتعسف، فقد حذر عدد من المحللين الغربيين من أن صفقة القرن ستغذي نعرة التشدد، والتشدد يوفر بيئة مناسبة للعنف والإرهاب، وهذا هو ما لم يلتفت له صانعو صفقة القرن وربما قد تجاهلوه عمداً، فهم يعلنون حرباً على الإرهاب والإرهابيين لا هوادة فيها، وفي الوقت ذاته يصنعون البيئة الحاضنة للإرهاب، يغذيها اليمين الغربي والإسرائيلي المتطرف الذي يجعل من النصوص الدينية منطلقاً في تعزيز الهيمنة المطلقة لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط لتتوافق مع عدد من النبوءات والأحداث والصراعات التي تنبأت بها الأدبيات الدينية، هذا المناخ الديني المتطرف سيخلق هو الآخر ردة فعل مماثلة تساويه في الشدة وتعاكسه في الاتجاه.
قاتل الله الانتخابات الرئاسية الدولية؛ جعلت منطقة الشرق الأوسط ساحة تُنتهكُ فيها الحقوق وتُسفك فيها أحلام الشعوب ويُنصر فيها الظالم وتداس فيها كرامة المظلوم لترفع بيوتاً لا عماد لها.