ارتكزت الحركة الصهيونية في محاولتها تزييف تاريخ فلسطين على وضع افتراضات كاذبة تقوم بالبناء عليها ،ومن أهم هذه الفرضيات هي أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
أي تنفي وجود الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يعرف فيه طالب في الصفوف الإبتدائية أن حضارة الكنعانيين تعود لأكثر من ستة الاف سنة ،وإن فلسطين كانت محط أنظار الإمبراطوريات التي نشأت في قارات العالم القديم، وتعاقبت على حكمها و السيطرة عليها، اليونان و الرومان و الفرس و البيزنطيين و الصليبيين و الفراعنة القدماء (الهكسوس) و المسلمين،وقد تشكلت حضارة متجذرة في عمق التاريخ في هذه البلاد. وتأتي الحركة الصهيونية العنصرية لتتجاهل هذا التاريخ الطويل و الحضارات المتعاقبة لتدعي أن فلسطين أرض بلا شعب .
ان انكار وجود الشعب الفلسطيني لدى الصهيونية كان بنية مبيتة لعملية تطهير عرقي ممنهج تقع في صلب الايدلوجية الصهيونية . وقد نظر لها زعماء ومفكرو الحركة الصهيونية أمثال جيبوتنسكي وبن غوريون ،وغيرهم.
وقد قامت العصابات الصهيونية التي شكلت نواة الجيش الإسرائيلي بارتكاب مجازر في فلسطين من أجل اجبار الفلسطينيين على ترك بيوتهم و قراهم و مدنهم من أجل الاستيلاء عليها و احلال يهود محلهم، وقد بدأت هذه العملية قبل عام 1948 ،موعد انتهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين بعد أن قام الاحتلال البريطاني بأداء الدور المنوط به في بناء نواة الجيش الإسرائيلي و زيادة عدد اليهود في فلسطين من خلال تسهيل الهجرة الجماعية إلى فلسطين وذلك تحقيقاً لإعلان بلفور.
وبعد حرب عام 1948 و أثنائها قامت العصابات الصهيونية بارتكاب المجازر مثل مجزرة دير ياسين و كفر قاسم وقبية ،وعندما سئل مناحيم بيجن في عام 1977 عن مجزرة دير ياسين كانت اجابته "لو لم تكن دير ياسين لما قامت اسرائيل" ،أي أن المجزرة هي جزء من استراتيجية صهيونية قائمة على أساس التطهير العرقي.
و استمرت هذه الاستراتيجية في العدوان الثلاثي على مصر 1956 ،حيث ارتكب الجيش الصهيوني في غزة مذابح ضد المدنيين الفلسطينيين دون ذنب لهم سوى أنهم فلسطينيين ،ومن أجل الايغال في نفي وجود الشعب الفلسطيني .
وفي حرب 1967،تم تدمير القرى الثلاث ،عمواس و يالو و بيت نوبا في منطقة اللطرون وتم هدم جميع مبانيها و تدمير مزارعها واقامة متنزه على أنقاضها من أجل اخفاء الجريمة ،وهو ذات الأسلوب الذي انتهجته الحركة الصهيونية مع أكثر من خمس مائة قرية في فلسطين المحتلة عام 1948، وقد قتلت بدم بارد عدداً من سكانها لإجبار الباقين على الفرار كما حصل في نكبة 1948.
وفي ذات الحرب 1967 نزح أكثر من مئتين و خمسين ألف فلسطيني من الضفة الغربية و قطاع غزة إلى الأردن،ولم يسمح لهم بالعودة بعد انتهاء الحرب إلى الضفة الغربية و قطاع غزة وهو امعان في انكار حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم.
وهكذا فعلت القوة العسكرية الصهيونية في حرب1982 (اجتياح بيروت) وما تلاها من مذابح صبرا و شاتيلا،والقتل الذي مارسه الجيش الصهيوني في الأراضي المحتلة في الإنتفاضة الأولى وفي الإنتفاضة الثانية
وحتى الحرب العدوانية الأخيرة على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يأتي في نفس سياق التطهير العرقي ،ونفي وجود الشعب الفلسطيني .
ويأتي رفض اسرائيل لحق العودة للاجئين الفلسطينيين من نفس المنطلق ،أي الإصرار على ممارسة التطهير العرقي في فلسطين.
وبذلك فقد اصبح الشعب الفلسطيني مقسماً إلى ثلاث أو أربع مجموعات. الفلسطينيين الذين صمدوا في ديارهم في الأرض المحتلة عام 1948 ويعيشون تمييز عنصري ضدهم في كل مناحي الحياة، و انكار لحقوقهم ،ومصادرة لأراضيهم و ممتلكاتهم و محاولة الفرض عليهم الاعتراف بيهودية الدولة و انكار صلتهم التاريخية و الحضارية في أرض آبائهم و أجدادهم.
والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 و التي وضعت تحت نظام أبارتهايد وحكم عسكري استمر لأكثر من خمسة عقود من الزمن و صودرت أرضيهم و مواردهم الطبيعية و أقيمت المستوطنات الصهيونية عليها.
واللاجئين في المهجر المشتتين في دول الطوق وفي مختلف أنحاء العالم يعيشون في ظروف غاية في السوء في مخيمات لا تصلح لعيش بني البشر،وفي فقر ومرض وجوع.
وفي محاولات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد النكبة لم يتم التعامل مع الشعب الفلسطيني كشعب واحد، و إنما كأجزاء من شعب ،ولم يسبق أن طرح مشروع حل يعالج مشكلة الشعب الفلسطيني كشعب واحد، فاتفاق أوسلو مثلاً اهمل اللاجئين خارج الوطن و كذلك تخلى عن الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1948.
وكذلك مشروع حل الدولتين لم يتناول مسألتهم وتحدث باستحياء عن حق العودة للاجئين مع اعطاء إيحاءات وإيماءات توحي بالموافقة على التخلي عن حق العودة،رغم أنه معروف للقاصي و الداني أن حق العودة هو حق فردي لا ينوب به أحد عن أحد،وغير قابل للتصرف.
ولذلك فنحن بحاجة إلى مشروع وطني يتعامل مع الشعب الفلسطيني كوحدة واحدة ويعالج مشكلته كمشكلة شعب وليس تجمعات بشرية لا رابط بينها.
ولا أرى غير مشروع حل دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية يستطيع أن يعالج مسألة وحدة الشعب الفلسطيني وحقه بالعودة إلى وطنه و إلى مزارعه وبيوته وممتلكاته ، وينفي الزعم الصهيوني بأن فلسطين ارض بلا شعب. إن حل الدولة الديمقراطية الواحدة هو الحل الوحيد الذي يمكن الشعب الفلسطيني من العيش في وطنه حراً سيداً.