قبل أقل من 24 ساعة من انتشار خبر اكتشاف عدد من الحالات المصابة بفيروس كورونا في مدينة بيت لحم، كنت قد كتبت على صفحتي الخاصة على الفيسبوك: لنستعد لأول حالة قريباً. عدد من أصدقائي الإعلاميين تواصلوا معي مباشرة عبر الاتصال أو إرسال رسائل خاصة وكان سؤالهم: ما هي المعلومات؟ والبعض الآخر من أصدقائي عبّر مباشرة عن عدم إعجابه بما كتبت!! وهناك ـــ وهم قلة ـــ من أدرك ما قصدته.
حالة التخبط والتشرذم أوصلتنا الى التيه، ليس فقط مع فيروس كورونا وإنما في أي أزمة مجتمعية، نحن نسقط في أول امتحان جماعي ونحقق الانتصارات بشكل فردي، غريب واقعنا الاجتماعي ربما هو انعكاس لواقعنا السياسي الغارق في الأوهام والتمنيات التي نعبر عنها فقط في التصريحات الرنّانة.
لماذا نُكبر حجرنا فلا نصيب هدفنا؟ لماذا ننفُخ بالون واقعنا عندما نصف حالنا المهترئ؟ لماذا نصعد الى الشجرة سياسياً وننزلق مباشرة ونتألم أكثر من قبل تسلقها؟! لا أعرف كيف نستطيع أن نصدق أنفسنا ونحن نُكذب عليها تكراراً ومراراً!!
هذا الفيروس كشّف عدد من الحقائق الخاصة بالجينات الفلسطينية السيئة للأسف: لا يعقل بأن نغلق المدن بقطع طرقها والعربدة على شوارعها من أجل عدم وصول المُصابين أو من نشك بإصابتهم الى أماكن حجرهم وعلاجهم؟! لا يعقل بأن من لا يعمل بل وهو نائم على فراشه بالمنزل يُحاكم بإصبعه من خلال شاشة الموبايل وعبر وسائل التواصل الاجتماعي من يعمل حتى ولو تعثر؟!
قام هذا الفيروس بتعرية الوجوه المتعددة التي نتغطى بها وكأننا نفهم بكل شيء، بل مستعدون لأن نلعب جميع الأدوار المستندة على الوظائف داخل مجتمعنا، فنجد الصحافي طبيبا، والطبيب قاضيا، والقاضي شرطيا، والشرطي مصدر معلومة، ومصدر المعلومة مُختفيا، والاختفاء يوّلد حالة من الفراغ، والفراغ  يجعل من هم في المقهى مجلس إدارة الأزمة في المنطقة، والمنطقة تنتظر الخلاص، فيصبح المواطن بانتظار أي معلومة كانت من أجل أن يحتمي بها، لتصبح الأخبار العاجلة هي المهمة لدى المواطن وهكذا تستمر الأُحجية والتكرار في دائرة مفرغة!!
لنعترف بأننا ندير أزماتنا ارتجالياً، الارتجالية والتخبط كانت واضحة أيضاً في جهات أخرى، فالمؤسسات الأهلية المتنوعة والقطاع الخاص بمختلف مستوياته تباطؤوا في اتخاذ قراراتهم بشأن التعامل مع انتشار الفيروس، خصوصاً القطاع السياحي الذي يتعامل مع آلاف السائحين الأجانب، متابعة الأدوية ومواد الصحة الوقائية، والرقابة على الأسعار بدأت بعدما اشتكى المواطنون من تلاعب بعض الصيدليات والموردين بالمستلزمات الطبية كالكمامات والمُطهرات!!
لم أسمع عن أي مبادرة من المستشفيات والعيادات الخاصة، حيث لم نر أو نسمع منهم أي مشاركة ذات قيمة سواء من دعم جهود وزارة الصحة أو المشاركة بتوفير وتزويد مواد، معدات، أو مساندة فنية واستشارية أو حتى في أنشطة التوعية والإرشاد للمواطنين؟!
خيراً فعل رئيس الوزراء د. محمد اشتية بظهوره شخصياً ليعلن حالة الطوارئ على شاشة تلفزيون فلسطين لأن الشارع الفلسطيني كان بحاجة الى ما يظهر أن هناك إدارة للأزمة، لأن أزمة «كورونا» كشفت غياب الاستعدادات للطوارئ العامة، فقد تبين للأسف عدم وجود خطة جاهزة ومعدة مسبقاً للتعامل مع هذه الأحداث.
ما هو المطلوب؟
أتمنى من رئيس الوزراء وكونه وزير الداخلية أيضاً البدء في عمل التالي:
1_ إنشاء قيادة مركزية لكافة الطوارئ تجمع كل الجهات المعنية وتعمل ضمن نظام معروف ومحدد الخطوات.
 2_ بناء جسم إعلامي قيادي قادر على إدارة الأزمة وتوجيه المجتمع ونقل المعلومة الصحيحة للمجتمع. نحن مطالبون بعدم نشر الشائعات وأخذ المعلومات من مصدرها الرئيسي، فهناك من يعيش على الأزمات ولا يهمه البلد وأمنها؛ لأنه يهمه فقط زيادة متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي!!
3_ وضع خطط متنوعة بالتعاون مع المؤسسات شبه الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات الأهلية، كلٌ حسب اختصاصه، وماذا يستطيع أن يقدم وقت الأزمات، تكون تلك الخطط متوفرة لدى القيادة المركزية لإدارة الطوارئ.
4_ إنشاء إدارة أو مركز إدارة أزمات متخصص، يعتمد بشكل مباشر على تواجد جميع الجهات والتنسيق فيما بينها والعمل بأصعب الظروف وسرعة الإنجاز وتوقع الأزمات قبل حدوثها من خلال مراكز أبحاث سواء جوية أو طبية واقتصادية.
العديد من الأزمات نعيشها ونخرج منها بصعوبة وفي بعض الأحيان تكون خسائرنا عالية، وهذا يتطلب أن نكون موحدين أمام الأزمة، الموضوع ليس فقط «كورونا» وإنما كيف ندير أزماتنا في المستقبل؟؟