محاولة تبسيط الأمور أحياناً ، هي الطريفة الأمثل في ضمان فهمها ، و لا أقصد بالتبسيط هنا التسكيح أو التسخيف ، بقدر ما أقصد فكفكة ما يستعصي على عقولنا فهمه من طلاسم و شيفرات ، أو أساليب علمية جافة .. و ربما علينا في محالوة فهم ما يعتري مجتمعانا العربيه ، بل و الإنسانية ، أن نتجنب التقعير و الغوص في تحاليل العلوم الإجتماعية ،و علم النفس الإجتماعي ، أو المجتمعي ، و نترك الخلاف في تعريفات الإجتماعي و الجماعي و المجتمعي لأصحاب التخصص ..
من الواضح أن الحدث ( العالمي ) الذي تشهده الإنسانية كلها ، عزز نزعة الإنتماء الإنساني ، الإحساس بالآخر أياً كان و إينما تواجد ، و كلما ضاقت حلقة الكارثة ( الوباء ) كلما زادت اللحمة بين الناس على الكوكب ، حتى يصبح مجتمعاً إنسانيا واحداً .
حاليــاً ، أي واحد منا ( يعيش الحالة مثلي و مثلك ) يعاني مما يعرف بحالة اضطراب القلق الاجتماعي، حيث يؤدي الخوف والقلق إلى الاجتناب الذي يمكن أن يزعج سير الحياة والأنشطة اليومية الاعتيادية أو العمل أو المدرسة أو الأنشطة الأخرى.و يُعد اضطراب القلق الاجتماعي حالة صحية نفسية مزمنة، تتطور إلى أن تصبح هيستيريا جماعية وقد تعرض البشر على فترات زمنيه ،وعصور متباعدة ، إلى الكثير من الجوائح ( أو الجائحات ) و الكوارث الطبيعية ، و الأوبئة الفتاكة ، و الأمراض ، و الحروب العالمية .. إلا أن حالة الخوف و الإرتباك و الذهول الناتجة عن مثل تلك الكوارث ، قد تؤدي إلى تفشي مرض نفسي متلازم مع تفشي الكارثة سواءً أكانت فايروس أو أي نوع من الكوارث ، هذا الذهول ، و الإرتباك أشد خطورة و فتكاً بالمجتمعات من المرض ذاته .. و قد ذكرت المراجع التاريخية عدة حوادث و شواهد على ما يعرف بالهستيريا الجماعية أو المجتمعية مثل ما حدث في عام 1568 حيث كانت هناك سفينة إسبانية تجارية تتجة نحو ميناء مرسيليا الفرنسي وقبل مئات الأميال من مرسى الميناء فَـقَد أحد أفراد طاقم المركب صوابه فظل يصرخ مستنجداً من حريق لا يراه أحد غيره ومن ثم قفز في الماء مغرقاً نفسه و تاركاً وراءه حيره الزملاء ، الأغرب أنه بعد بضعة أيام قام بحار آخر بعمل نفس الشيئ ومن ثم أصبح كل ليلة يفقد الطاقم إثنين من رجاله أو أكثر حتى رست السفينة ولم يتبقَ إلا ثلاثة مراهقين ظلوا على قيد الحياة ، فبدأت التحليلات و الشكوك في أسباب ما قام به أفراد الطاقم من إنتحار ، هل السبب كان في الطعام ؟ أو هو دوار البحر؟ و عشرات النخمينات الأخرى التي نفاها الناجون الثلاثة جميعاً، لكن قالوا أنهم شاهدوا البحارة و كأنهم في ساحة سيرك فوضوية نجوا منها بعزل أنفسهم بقبو السفينة إعتقاداً منهم بتأثير القمر على عقول البحارة ، الحقيقة أن تلك الحادثة كانت أحد مظاهر الهيستيريا الجماعية ! .
حدث أيضاً في فرنسا عام 1913 حينما بدأت إحدى الرهبات في دير فرنسي بالمواء مثل القطط لسبب غير مفهوم ، زظلت تلك الراهبة تموء بصوت عالٍ و مزعج ، و إنتقلت عدوى " الماء " شيئاً فشيئاً إلى باقي الراهبات في الدير ، فبدأن بالماء واحدة بعد الثانية ، مما أدى إلى مواء الراهبات الباقيات في الدير طوال اليوم، تاركين المجتمع المحيط بهم في حالة ذهول و إستدعى تدخل الشرطة بجلدهم والقبض عليهم خوفاً من تفشي ( المواء ) في باقي المجتمع المحيط .
أما من الحالات الأكثر دهشة هو ماحدث في قرية في شرق الهند حينما ذهب طفل بخطى واثقة وألقى بنفسه من فوق جرف صخري دونما خوف أو تردد أمام مرأى ومسمع من جميع سكان القرية دونما سبب واضح ليقوم باقي أطفال القرية بنفس الفعل بإختلاف أعمارهم ليلحق بهم الكبار فيما بعد ولم تتوقف حالات القفز إلا بعد ثلاثة أشهر بعد أن فقدت القرية أكثر من خمسة آلاف شخص .!!!
وللهيستيريا أشكال طريفة كما حدث في عام 1962 بأحدى الولايات الأمريكية بدأت فتيات مدرسة بالضحك بشكل متواصل، فتفشى الضحك الهستيري بين صفوف الطالبات ، ومن ثم المدرسين و المدرسات و الإدارة و الحراسة و كل العاملين ، بشكل لا يتوقف بل يزيد إلى درجة غريبة ، فتدخلت السلطات و قامت بإغلاق المدرسة لأربعة أسابيع . وأنتشرت الحالة بقرى أخرى خلال نفس السنة دونما سبب واضح أو مفهوم .إلى الآن ..
هذا ، من الممكن ، بل من الممكن جداً أن يتكرر في وقتنا الحالي ، في مجتمعات مختلفة المشارب و الثقافات ، و العادات و المفاهيم ، حالة الهلع من كورونا وما يصاحبها من تفسيرات و بيانات وحالات إنكار ، و فوضى ، و عشوائية ، و إستهتار أحيانا ، و أحيانا أخرى حالات شعوذة و تخليق إشاعات سمجة، و قصص كثيرة منها من نسج الخيال ، و تستخدم أساليب التكنولوجيا والإعلام الرقمي و التواصل الإجتماعي ، فتسهل الإنتشار بسرعة الضوء و الصوت ، لتسابق إنتشار الوباء ذاته .. و الخوف هنا على مجتمعات سكنت و عششت في عقولها ووجدانها موروثات غريبة ، و قصص عجيبة ، مثل مجتمعاتنا العربية ، لذلك ، لابد من تدخل عاجل ، وقبل قوع الكارثة الهستيرية فضلاً عن الكارثة البيئية ، لابد أن تتدخل السلطات في وضع حد ، بالقوة ، و فرض منع التجول ،و مراقبة وسائل التواصل ، قطعاً أو مراقبة ، و العزل الإجباري ، و الفصل القهري ، ليس فقط لمنع إنتشار كورونا . بل أيضًا لمنع إنتشار الهيستيريا ..