ماذا لو كان للاضطراب العالمي المحمول على عربتي الفيروس القاتل والكساد وانهيار الأسواق  دائم وسيطول؟ ماذا سيقى من العولمة والقرية العالمية الصغيرة ؟ وفر انتشار الكورونا السريع شرعية للخطاب الشعبوي اليميني القائل بتقييد حركة التجارة والافراد والعداء للآخر الذي لم يعد مسلما اوصينيا وحسب وانما ايطالي وكوري وايراني والقائمة تتسع باتساع حركة الفايروس وانتشاره .شعوب وامم باتت موبوءة ينبغي الحجر عليها  وليس افراد وجماعات إرهابية تشكل خطرا على الامن والاستقرار والرفاهية . بالنسبة لترامب أوروبا بشعوبها ودولها باتت خطرا يستدعي وقف السفر اليها والتعامل معها. فالوباء يصادق على ما ظنناه جهلا وخبلا لدى رئيس اعظم دولة في العالم، فالاقتصادات أصبحت اكثر محلية ومعها السياسة، كيف لا وإيطاليا الدولة المؤسس في الاتحاد الأوروبي ضربها الموت الجماعي دون ان التفات من دول الاتحاد المشغولة كل منها بإغلاق حدودها وحماية شعبها أولا .
قد يجتهد بعضنا ويقول ان الازمة مؤقتة، وستعود الأمور الى مجاريها بمجرد اكتشاف اللقاحات المضادة .يقينا ان الامر ليس كذلك ، فقد وفرت الكارثة الإنسانية عابرة الحدود والقارات المعين الفكري والسياسي لتيار اليمين القومي الذي تصاعد تأثيره منذ سنوات من أمريكا الى الهند مرورا بإسرائيل وهنغاريا وبولندا والبرازيل، والتي تعادي العولمة والمؤسسات الدولية ، وتعلي من سياسات الحمائية الاقتصادية وضبط الهجرة ، وقد استبق ترامب موجة الكورونا بحروب تجارية مع العالم بدءا من الصين وليس انتهاء باوروبا .كما عزز انتشار الفايروس من مركزه الصيني القناعات لدى نخبة الولايات المتحدة لاستغلال الفرصة واستكمال حصار التنين الصيني الذي يتقدم بقوة ، ولهذا لم يكن غريبا ان المائة مليار المخصصة لمواجهة الوباء بحسب اعلان ترامب سيذهب قسمها الأعظم نحو الاستثمار في الروبوتات والاعتماد على مراكز اقتصادية عالمية أخرى تماثل الصين في رخص عمالتها .هي فرصة سيبنى عليها مستقبل الاقتصاد العالمي ، عمالة اقل وسفر اقل وكلفة انتاج اقل واستخدام الذكاء الصناعي اكثر وتطبيقات على الهاتف والكمبيوتر المنزلي اكثر ، وسيخرج علينا جماعة الخضر للتنظير ان البيئة والمناخ سيكون افضل .   
  من حق تيار اليمين القومي الشعبوي ان يشعر بنشوة الانتصار، لكن اذا ما استمر انتشار الفايروس وحصد المزيد من الأرواح محمولا على ازمة كساد تجاري عالمي مع انهيار أسعار النفط ، والمزيد من حالات الإفلاس العالمي وانهيار الأنظمة المصرفية والبنكية ، فان العالم سيستفيق على حقائق جديدة ، فكل الترسانة التحريضية التي ادارها التحالف القومي في مقاطعة لومباردي بقيادة حزب اليميني المتطرف ماتيو سالفيني ، لم ينجح في حماية المنطقة من الفيروس. ولم يتمكن ترامب ،وكل منظري اليمين الشعبوي حوله من منع الكورونا من الوصول الى بلاده. وعندما يصل الجنون والاضطراب العالمي الى ذروته ، فان تجربة التاريخ المشابه تقول ان نظاما عالميا جديدا سيعاد تشكيله  بصورة اكثر إنسانية واكثر عدالة ولن تنفع ترامب ومن هم على شاكلته لا مطبعة الدولارات ولا الترسانة النووية ولا الاقتصاد المنهار من الادعاء بانه يحكم العالم .