لستُ من المتوكلين أصحاب المقامات العالية، ولكني أكره الخوف وأكره أن أخيف نفسي، في الحقيقة كل النهايات والمصائب محتملة، ولكن ماذا بعد؟! لا شيء إلا الموت، هذه الحقيقة الصادمة على شدتها لكنها تهوّن الكثير من الأمور في هذه الحياة، أنها إلى زوال! قد يقفز في ذهنك "عم ضياء" وتظن أن الأمر سخرية، ولكن في الحقيقة هو صادق مخطيء، صادق في أن كل شيء إلى زوال، ومخطيء في أن نخاطب بعضنا يومياً بهذا الحديث أو أن يكون مدعاة لترك العمل، أستطيع أن أحشد لك طائفة من الأدلة على إستحباب "قصر الأمل" ولكني أعلم أنك سترد بالكلام عن ذم التواكل، وكأني أحد متسولي السيدة، بل حتى هؤلاء لا يوصوفون بأنهم "متواكلون" بل هم يعملون، فالسؤال عمل، وإن كان مذموماً محرماً

طباعنا تأبى التواكل، ولكنها أدمنت الخوف، أدمنت الحياة وصارت تخشى كل شيء وأي شيء، وهل عوّدك إلا لطفا؟ وهل أبقاك إلا من أحياك؟ الهمّ والقلق الذيْن يُصيبان العبد عن الخوف من بلاء أو مصيبة أو مرض متوقع أو توقُعه وانتظاره، هما في الواقع أشدُ من البلاء نفسه بل يفسِدان على الإنسان كل فرحة ويعيش في إضطراب وتردُّد، فاعلمْ أن الله تعالى ينزلُ لُطفَه بعبده المؤمن وقت البلاء فيُهوّن عليه، ويربط على قلبه، وينزّل عليه السكينة ويجعله في أمنٍ وهدى، فخُذ بالأسباب، وأستعن بالله ولا تعجِز وتوكل على الله، وظُنَّ به خيراً، وأعلم أنه لا يُصيبك إلا ما كُتب لك، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكُن، وأكثر من الدعاء والعمل الصالح،كم مرّ من مصائب وبلايا ومِحن أعظم من هذه وأشد، وقِيل وقتَها : أنها النهاية، ثم كُشِفت بحمد الله تعالى وخرج الناس منها، والعاقل فقط هو من يستخرج من تلك الأحداث فرصاً للإعتبار والإيمان والعمل الصالح، والغافل من يقف عند مجرد كونه فيروساً يُتقى بكمّامة ومُعقِم! وأعظم بلاء حقاً أن تصير تُفكّر بنفس عقليّة من لا يؤمن بالله ولا بقَدره أو تنظر إلى الأحداث بنظّارته!

لذالك أتمني أن كل شخص منا يفعل المطلوب منه في هذه النازلة، وهو مجموع الإجراءات المتفق عليها عند المختصين، ولا يزيد على ذالك شيئاً ولا ينقص، وأتمني آيضاً أن نترك نشر الأخبار وتحليلها وإبداء الرأي في دقائق الطب وعلم الأوبئة التي أعجزت المختصين، وليتَ الناس يتركون الفتوى لأهلها، فليس العلم الشرعي كلأ مستباحاً، وإنك لن تحاسب على ترك الفتوى وأنتَ عاجز عنها، ولكنك ستحاسب على القول على الله بغير علم! والمصيبة العُظمى حقاً أننا نواجه هذه المصائب المتنوعة المتتالية التي تغيّر بها العالمُ كلُه بمجرّد كمّامة ومُعقِم وغسل يديْن وجلوس في البيت! وإذا لم تُحدِث هذه النوازل فيك تغييراً كبيراً في علاقتك بالله، وإذا لم تقف بها وقفة مع نفسك تنظُر فيها ما قدَّمَتْ لِغَد فمتى تنتبه؟!

وفي نهاية المقال ولربماا يكون آخر مقال أكتبة، أقول لكم إذا إخترق مرض كوروناا اللعين مناعتي، وتدهورت حالتي الصحيه ، وقامت دولتي بإدخالي في الحجر الصحي، ومنعوني عن هاتفي وأنقطع إتصالي بكم، لربماا أعود ولربماا أموت، فسامحوني علي أخطائي، وأدعو لي بالرحمة، لعلهاا تخفف من سكرات موتي، وتضيء ظُلمات قبري، وإذا لم يوجد غُسل وصلاة وجنازه، فـوصيتي لكم أن تصلوا عليَ صلاة الغائب

وأُشهِدُكم أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله اللهم ربنا أنتَ وليُّنا فأغفر لنا وأرحمنا وأنتَ خَير الغافرين