مع تركيز العالم على الرئة الصحية للإنسان بسبب تفشي الفيروس التاجي الجديد (COVID-19) لأنه خطر فعلي على حياة الإنسان في جميع أنحاء العالم وتم الاعتراف به على ما هو عليه (حالة طوارئ صحية عالمية)، فإن السؤال الآن هو ما إذا كان يمكن حماية الأرواح وحماية الرئة الاقتصادية في ذات الوقت؟

الفيروس التاجي يخنق الرئة الاقتصادية العالمية. في غضون أسابيع لم تتجاوز الشهرين دفع "كورونا" العالم إلى حافة ركود أشد من الأزمة المالية لعام 2008. يعتمد عمق الانكماش ومدته من كل دولة لدولة وخصوصاً الدول النامية وفلسطين تحديداً لخصوصية الاقتصاد تحت الاحتلال على العديد من العوامل: سلوك الفيروس نفسه، واستجابات الحكومات في تحصين الصحة العامة، والتدخلات الاقتصادية.

نحن نعلم من التاريخ أنه عندما يواجه الاقتصاد العالمي تهديدا مشتركا، فإن الإجراءات السريعة والمنسقة والحاسمة تحدث كل الفرق. هذا بدأ يحدث ولو متأخراً في العديد من البلدان من خلال برامج تحفيز، وخفض الكثير منها أسعار الفائدة، وكشفت مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن حزم دعم مالي ضخمة لمساعدة البلدان للتغلب على الأزمة الصحية والحد من الأضرار الاقتصادية.

تابعنا ونتابع من خلال الإعلام الدولي ما قامت به الحكومات من تجميد النشاط الاجتماعي والاقتصادي بشكل فعال في كل أو أجزاء من بلدانها لاحتواء تفشي الفيروس، وإغلاق الشركات غير الضرورية وأمر السكان بالبقاء في منازلهم لأسابيع أو أشهر. وبنهاية شهر آذار كان مليارات الأشخاص حول العالم يخضعون لنوع ما من الإغلاق تم تسميته "الحجر المنزلي".

كانت جميع العيون تنظر الى الرئة الصحية وتناسوا الرئة الاقتصادية، أو بعبارة أدق كان الأمل هو أن الاقتصادات يمكن أن تتوقف عن العمل دون التسبب في اضطرابات شديدة، مثل التوقف التجاري الواسع النطاق أو ارتفاع نسبة البطالة، ثم يعود الاقتصاد بسرعة بعد انحسار المرض. في الأسابيع القادمة، ستحتاج جميع البلدان ـــ حتى تلك التي ليس لديها مريض واحد مصاب بالفيروس التاجي ــــ إلى اتخاذ خطوات سياسية ملموسة لحماية شعوبها والحد من الضرر لاقتصاداتها.

الرئة الاقتصادية بحاجة الى نوعين من التدخلات لإنقاذها متمثلة في تدخلات آنية وأخرى استراتيجية، لهذا وبشكل سريع يتطلب التخفيف من تأثير هذه الصدمة الشديدة بتقديم الدعم لأكثر الفئات ضعفاً. التجربة الصينية كانت من خلال استهداف صانعي السياسة الأسر الضعيفة وبحثوا عن طرق جديدة للوصول إلى الشركات الأصغر على سبيل المثال، من خلال التنازل عن رسوم الضمان الاجتماعي، وفواتير الخدمات.

ومن بين التدابير الأخرى، تضمن ذلك توجيه البنوك للعمل مع المقترضين المتضررين من تفشي المرض؛ تحفيز البنوك على الإقراض للشركات الصغيرة من خلال تمويل خاص من البنك المركزي؛ وتوفير تخفيضات محددة الهدف لاحتياجات البنوك.

ويترتب على ذلك آثار مثيرة للقلق بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني النامي والتبعي لدولة الاحتلال: من شأن تشديد شروط الائتمان، وضعف النمو، وتحويل الموارد الحكومية لمكافحة التفشي أن تقلل الأموال المتاحة لأولويات التنمية الرئيسية. كما أن الركود الاقتصادي سيعيق الحرب ضد الفقر المدقع، وقف مساعدات الدول أو تقليصها لدعم الموازنة الفلسطينية سيؤثر على كافة القطاعات التنموية. لذلك من الضروري أن يدرك صانعو السياسة الاقتصادية في فلسطين كيف يمكن أن ينتقل الضرر الاقتصادي من دولة إلى أخرى، وبحالتنا ليس فقط الدول الصديقة وربما أولاً دولة الاحتلال للخصوصية التبعية لها.