كتب رئيس التحرير: تلا الحربين العالميتين الأولى والثانية تغيراً لشكل النظام الدولي، أي أن هذا النظام لم يتغير بطرق سلمية أبداً، بل استلزم خوض حروب طاحنة خلفت عشرات ملايين القتلى، ودمار دول بأكملها، إلا أن ما نشهده هذه الأيام سيكسر النمط السائد، وسيؤدي وفق كثير من علماء السياسة إلى إحداث تغير على صعيد شكل النظام الدولي وانتقاله من أحداية القطبية إلى ثنائي أو متعدد الأقطاب.
ستعني هذه الرؤية تراجعاً لمكانة أمريكا كأكبر قوة على سطح الأرض، لتحل محلها أو تزاحمها في المكانة دول أخرى، والصين هي المرشح الأول.
الصين هي الدولة الاولى التي عانت من فيروس كورونا، صمدت واستطاعت بإجراءاتها الحد من انتشار المرض وحافظت على اقتصادها، ليس هذا فحسب، بل أنها وبعد خروجها من مستنقع الفيروس مدت يدها إلى دول كثير أو بالأحرى لأغلب دول العالم، لمساعدتها والتخفيف عنها، وهو أمر لم تقم به الدولة الأعظم في العالم (أمريكا).
جائحة كورونا تعصف بالولايات المتحدة التي ينتشر بها المرض بسرعة كبيرة، حيث تجاوزت النصف مليون إصابة وأكثر من عشرين الف حالة وفاة وأصبح واضحاً أن تزعُمها كقطب واحد للعالم بات مهدداً، ليس هذا فحسب، فالفكر الرأسمالي بات مهدداً بالتراجع على حساب الفكر الاشتراكي الذي أبرزت الصين جوانبه الإنسانية.
استخدمت الصين القوة الناعمة بشكل محترف عندما ساعدت إيطاليا في وقت لم تُمد لها أي يد أوروبية أو أمريكية، وثَبُت شعار فيدل كاسترو اننا سنزود العالم بالأطباء بدلا من الصواريخ والدبابات وفعلها أخوه راؤول وأرسل الأطباء للإيطاليين.
لم يُسعف الأروبيون أنفسهم، بل تنافسوا على من يسرق لوح الخشب في وسط بحر متلاطم الأمواج حتى ينجو بنفسه، حيث ستكون لهذه الأزمة ارتدادات مستقبلية ربما تُنتج تفسخاً آخر في الاتحاد الأوروبي.
الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش كشف عن هذا الجانب الأوروبي المٌظلم، حين علق على المساعدات الصينية لبلاده قائلا إن الصينيين لم يظهروا لشعبه فقط الصداقة والحب، "بل أظهروا التضامن"، مشيراً إلى أن الصين "أنقذت المئات وربما الآلاف من المواطنين الصرب" و هاجم الاتحاد الأوروبي بعد قرار الأخير عدم إرسال معدات طبية إلى الدول غير الأعضاء، وقال إنه طلب من الصين جميع أنواع المساعدات حتى إرسال الطواقم الطبية،وانتقد بشدة تخلي الأوروبيين عن بلاده وهم سابقاً كانوا يطالبون صربيا بعدم شراء البضائع الصينية.
الفكر الرأسمالي الذي جعل أمريكا وبريطانيا تفكر بمناعة القطيع أي التخلي عن كبار السن والمرضى بامراض مزمنة وتركهم للموت أظهر إستياء كبير في العالم، وكذلك ظهر جشع البنوك وشركات القطاع الخاص التي لم تقدم شيئاً يُذكر في هذه الجائحة بل إقتصر الأمر على موظفي القطاع العام من موظفي الصحة والأمن والمختبرات الذين واصلوا الليل بالنهار لمواجهة هذا الوباء.
مسمار آخر دقه ترامب في نعش ترؤس أمريكا للنظام الدولي حين أعلن تجميد التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية، القرار الذي انتقده الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش بشدّة معتبرا أنّ "هذا ليس وقت خفض موارد" مثل هذه المنظمة الأممية المنخرطة في الحرب ضدّ وباء كرونا ، فهل هذا فكر انساني ؟!؟
السؤال الكبير هل سيفقد نموذج الحكم الرأسمالي صلاحيته؟؟
وأسئلة أخرى : ماذا سيكون مصير العولمة بعد نهاية جائحة كورونا؟هل ستبقى الولايات المتحدة زعيمة للنظام العالمي؟ وهل سيبقى الاتحاد الأوروبي محافظا على تماسكه؟
كلها أسئلة بدأت تنتشر بين المفكرين ومعظم الإجابات كانت واضحة أن كل الأمور ستتغير.
هنا السؤال الذي يهمنا نحن كأمة عربية هل سيبقى العالم العربي تابعا للتحكم الأمريكي بإمكاناته، فلدينا النفط في الخليج ولدينا الزراعة في السودان ولدينا الأيدي العاملة في مصر ونملك كل مقومات الصمود وأخذ مكانة جديدة في هذا العالم، علينا إعادة النظر بالتحالفات لما يخدُم هذه الأمة ولتخرج اقوى مما كانت عليه.
وعلى الصعيد الفلسطيني أيضا بات وضع امريكا واسرائيل مهتزا وهشاً مما يؤهلنا للاستفادة من الوضع الراهن من خلال الدخول في التحالفات التي تخدم قضيتنا وشعبنا، فقد تصل أمريكا التي تدعم بكل الإمكانات اسرائيل.
العالم فعلا سيتغير وعلينا نحن أن نتغير ونستعد بشكل أفضل وشعارنا لا تكرهوا شراً قد يكون خير لكم.