تؤسس رواية " اللاز " للروائي الجزائري الطاهر وطّار، عالمها السردي انطلاقا  من المثل  الشعبي " ما يبقى في الوادي غير الحجارة" ، وان سقط سهوا من محمد اشتية ونسبه إلى الروائي السوداني " الطيب صالح" ، ولكن  ليس هذا هو جوهر الموضوع ، لماذا لن يبقى في الوادي إلا حجارته ؟  
ولماذا هذا الاستحضار لهذا المثل ؟  لربما جدلية التاريخ المعيش والذاكرة التاريخية هي التي فرضت  الاستخدام ، ولأن " اللاز " يرمز للشعب ، وأن الشعب هو المستقبل ، وأن الإيمان  بالمستقبل هو سلاح كل مناضل ومناضلة ، فلا بأس أن ننتظر المستقبل  وما سيفسر عنه. وهنالك احتمال آخر يفتح بابا للتأويل ، إنّ من يديرون دفة الأمور أو يقودون الثورات كما في  رواية " اللاز " لا يمكن  أن يكونوا  كتلة متجانسة ، تحكمها  منظورات تاريخية  موحدة ، تقود على أساسها الجماهير صاحبة  المصلحة  في التغيير الاجتماعي ، فإيقاظ الضمير الجمعي الجماعي أو الضمير الشعبي يؤدي لتصادم فعلي ، أو جدل فكري . وهذا بداية  للتصادم  مع الايدولوجيا  المضادة.
 ولأن  استحضار هذا المثل بالأمس في الإجابة على سؤال وجهه صحفي لمحمد اشتية لم يكن عبثيا ، فهو  يرجع  في منبته إلى  البيئة  الشعبية  بعناصرها  المختلفة ، ويترسخ  في انتمائه  إلى الشعب  المناضل ، واختصر القول  بأنه ذو نزعة شعبية  ثابته شكلا ومضمونا ، سطحا و دلالة ، ولكن  التصادمات الايدولوجية مطروحة دوما في الإطار التاريخي والشكل العلمي لا كصراع هامشي  يستهلك عبثيا كل القوى المنتجة ؛ فرؤيته تشكل رمزا  للفرح وحزن الواقع  والآمال المستقبلية تحكي التاريخ  والماضي ، وتفتح الروح بخطاب تعبوي مشحون بالأمل . لذا استحضر هذا المثل بدراية  ليصوب الرؤية ، ويؤكد على أن  تناقضنا  الأول والأخير مع الاحتلال ، فالخطاب دائما يجب أن يتمركز حول  أثير الذاكرة الجمعية التى تدور حول قضيتنا وتخلق أفقا للخلاص و التحرر .

وعود على بدء لماذا نسب محمد اشتية  المثل  للروائي  السوداني الطيب صالح ، ونحن نعرف  أنه  شخصية مثقفة بل وله إصدار أدبي  بعنوان " إكليل من الاشواك"  وهي مجموعة  قصصية  و خواطر صدرت عام 2008 ، بالتالي مطّلع على الروائي الطيب  صالح  وإبداعه في روايته  الرائعة " موسم الهجرة إلى الشمال " وغيرها ، والطيب صالح  صاحب  مقولة " سأحيا، لأن ثمة أناسا قليلين أحب أن أبقى معهم أطول وقت ممكن ، ولأن عليّ واجبات يجب أن أؤديها ،  ولا يعنيني إن كان للحياة معنى أو لم يكن ، وإن كنت لا أستطيع أن أغفر سأحاول أن أنسى""  لربما  شارك محمد اشتية الطيب صالح  كونه يحب أن يبقى مع شعبه ، وأن عليه مسؤوليات جسام  وواجبات  تجاه  قضيته يجب أن يؤديها . ولكن ربما لا يود أن يدخل في تصادمات في الوقت الحالي على الأقل  بينه وبين المختلفين  مع نهجه وفكره وطريقته . فتوظيف  المثل الشعبي ونسبه لغير قائله ، له ماله  وعليه ما عليه .
 وكما يقول  الكاتب الكندي " الآن دونو "  في كتابه المشهور ، والذي عنوانه  " نظام التفاهة "إن     ما يجعل كثير من مشاهير السوشال ميديا .. يظهرون لنا بمظهر النجاح هو أمر يسأل عنه المجتمع  نفسه، الذي دأب على التقليص التدريجي لصور النجاح التى تعرفها البشرية ، كالعمل الجاد والخير  والمواطنة الصالحه وحسن الخلق ؛ فألغاها جميعا من قائمة معايير النجاح واختزلها في الاستعراض .
وأخيرا العارفون ما يفعلون لا يطلبون الدعم من غير العارفين ، كل ما يحتاجون إليه منهم هو أن  يكفوهم عبء إرباك المشهد بتدخلاتهم غير المستنيرة وحتى وإن كانوا حسني النية ، فالطريق  إلى جهنم محفوف  بالنوايا الطيبة .
 والقابضون على الجمر والثابتون على المبدأ هم الباقون بل والرابحون ، كما هو" اللاز" الجزائري ، والمناضل الفلسطيني ، فكلاهما ورقتهما رابحة ، ونكرر " لن يبقى في الوادي إلا  الحجارة "  والشوائب   تذهب مع ماء الوديان وتجف وتنتهي وتبقى الحجارة ثابتة منغرسة في الأرض .