لم يسبق ان خضع أي شعب للاستعمار واستسلم، أينما وجد استعمار وجدت مقاومة وحركة تحرير، وفلسطين ليست استثناء.
وفي مرحلة التحرير يساهم كل الشعب في العمل ضد الاحتلال، كل حسب ما يستطيع وبالشكل الذي يراه مناسبا، ومهمة قيادة الثورة ان تنظم وتستفيد من كل الطاقات.
وفي كل ثورة هناك قادة يتمتعون بكاريزما ونوع من المغامرة واحيانا التهور، وكل ذلك مطلوب وضروري لأن الثورة لو استكانت لموازين القوى لما فعلت شيئا لان الاستعمار دائما لديه قوة اكبر بكثير.
والى جانب هؤلاء يوجد مفكرون ومحللون وباحثون وعلماء سياسة وصحفيون وغيرهم، عقلهم يعمل باستمرار للنحت في المعطيات والتوقعات ليقدموا توصيات ونصائح وأفكار للقادة، المنشغلين في العمل التنظيمي والميداني.
القادة عادة يميلون الى الاعمال الشعبوية التي تدغدغ عواطف الجماهير واحيانا لا يأبهون كثيرا فيما اذا كانت منتجة على المدى البعيد. لذلك يشكل الخبراء والمحللون نوعا من الفرملة وطرح الضوابط للوصول الى عمل منتج. وكلهم يكملون بعضهم بعضا، لذلك الثورات المنتجة هي التي يقودها العمل المشترك من هؤلاء.
الثورات تمر بمراحل مد وجزر وتلجأ الى اشكال مختلفة من النضال بما في ذلك المفاوضات والعمل السياسي الى جانب المقاومة.
عندما فاوضت الثورة الفلسطينية للوصول الى ما اصبح يعرف باتفاقيات أوسلو، لم يكن التفاوض بحد ذاته خطأ، وعندما وصلت لاتفاق أوسلو وبرغم كل ما فيه من خلل، لم يكن غريبا ان الكثير من الوطنيين ايدوه منطلقين من انه اتفاق مؤقت لمدة أقصاها خمسة سنوات، وفي مرحلة تمر بها الثورة بأزمة حقيقية. ولا يلامون على ذلك.
اخرون من مفكري الثورة ممن كانوا اكثر خبرة في فهم العدو، واكثر قدرة على رؤية وفهم العوامل العديدة المؤثرة في المسار وكانت لديهم قدرة على فهم الاستراتيجيات في العمل السياسي، رفضوا الاتفاقية وحذروا منها. الوضع الطبيعي في أي ثورة ان تتعايش هذه الأفكار وتتصارع لمصلحة القضية الوطنية وتواصل البحث عن البدائل وعن البرامج المفيدة اكثر. وحدة وصراع الاضداد مقولة فلسفية دقيقة ومنتجة وخاصة في مرحلة الثورة هي من الضرورات الأساسية.
لكن ما حصل لدينا انه تم استبعاد كل من عارض عن مراكز صنع القرار. وكان هذا مقتلا، لان من كان متحمسا للاتفاقية استمر يعمل دون وجود الرأي الاخر الذي كان سيشكل فائدة هائلة للقيادة لفتح عيونهم على ما اصبحوا لا يشاهدونه وهم منهمكون في محاولاتهم لجعل خيارهم ينجح. وهذا ما جعل اقدامهم تغوص في الوحل كل سنة اكثر من التي سبقتها. الى ان وصلنا الى ما نحن فيه.
شعبنا كان لديه ولا يزال لديه الكثير من الخبرات والمفكرين القادرين على طرح البديل للخروج من المستنقع فهل لا يزال من في المستنقع قادرا على الاستماع او حتى يريد الاستماع.