كتب رئيس التحرير: لو قُدّر للشاعر السوري سليمان العيسى أن يخرج من قبره ويرى حال الخليج العربي، لحذف مطلع قصيدته "نشيد للدولة العربية"، ولندم أشد الندم على الوقت الذي قضاه وهو ينسج خيوط قصيدته التي قال فيها: "منَ المحيطْ إلى الخليجْ .. من المحيطِ الهادرِ .. إلى الخليجِ الثائرِ"، ربما كان ليستبدل كلمة الثائر بأخرى على نفس القافية ككلمة ... مثلاً، فأي خليج ثائر بقي الآن وحكامه يرتمون في حضن أمريكا علانيةً دون خجل أو وجل؟! أي خليج ثائر بقي والعرب لا يرون من نفطه خير الحمم التي تلقيها طائرات التحالف فوق اليمن وسوريا ولبيبا؟! أي خليج ظلَّ ثائراً وهم يجاهرون ببيع فلسطين في فضائياتهم عبر سُمٍّ دُس في مسلسلاتهم؟
ربما بالغت قليلاً في مقدمة هذا المقال، لكنها "فشَّة غُل" بل هو غضبٌ تفجر في رؤوس الأصابع فأنتج هذه الأسطر.
دُول خليجية تطلب مساعدات من إسرائيل في مواجهة كورونا، أو قُل إنها استثمار أو باب جديد فٌتح أمام الخليج ليدخل منه إلى تل أبيب، وهنا تم الكشف على أن البحرين تواصلت مع مركز شيبا الطبي في تل ابيب وأن سفيرة الإمارات في الأمم المتحدة أعلنت أن دولتها مستعدة للتعاون مع إسرائيل لتطوير اللقاح، وأن هناك دولة خليجية مركزية لم يسبق أن تواصلت كما هذه المرة مع إسرائيل دون أن يُذكر إسمها، كل ذلك جاء حسب صحيفة معاريف الاسرائيلية.
الصُحف والمسؤولون الإسرائيلون دائماً ما يتغنون بالتنسيق والتواصل مع دُول الخليج بمختلف القضايا وأهمها مواجهة "البُعبع الإيران" حسب إدعائهم، و تفاخر دولة الاحتلال بعلاقاتها مع دولة قطر ودور الأخيرة في إحكام السيطرة على حماس وصواريخها، وتسهيل مهامها بإيصال الدعم لقطاع غزة، وكذلك الإمارات التي رفعت علم إسرائيل وعزفت "الهَتِكْڤاه" في المناسبات الرياضية التي أقيمت في دولة الإمارات، ومؤخراً قارنوا صورة إسرائيل العدو في المسلسلات المصرية وصورة إسرائيل الصديقة في المسلسلات والبرامج الخليجية، هذا دليل أن علاقات الأنظمة مع الإحتلال بعيدة كل البعد عن علاقة إسرائيل بالشعوب العربية.
لن يزول من الذاكرة مشاركة بعض دُول الخليج في مؤتمر ترمب - نتنياهو لإعلان صفقة القرن، ناهيك عن ورشة البحرين لتمويل الصفقة وهذا يُدلل على هشاشة الموقف الخليجي بشكل خاص والعربي بشكل عام، ويشير بإصبع بل بيد كاملة إلى أن "دود الخل منو فيه"، وأن الطعنة أتتنا من الخلف، من أخٍ كنا نظنه يحرس ظهرنا وإذ به ينتظر الفرصة المناسبة ليسدد طعنة خرقت قلبنا وخرجت من الصدر.
ما يُصرح به بومبيو وزير الخارجية الأمريكي عن موقف مُساند من دُول الخليج لصفقة القرن وقبله نتنياهو الذي علق أنه بعد زيارة عُمان علناً سيزور دول خليجية أخرى وازنه قريباً.، كل ذلك إشارات إلى خزيٍ واضح، وفضيحة مجلجلة للنظام الرسمي العربي.
من المهم أن نقف كأمة عربية مطولاً عند هذه الأخبار والحقائق والتي باتت تُهدد كل الأمة بشكل عام والشعب الفلسطيني وقضيته بشكل خاص، وعدم الصمت إزاءها بل تعريتها بشكل كامل هو واجب الشعب الفلسطيني والقوى والأحزاب العربية الحية.
قلتُ أمة؟ على سيرة الأمة.. هل نحن فعلاً أمة؟ هل النصف مليار عربي تقريباً أمة؟ أم نحن شعوب لم توحدنا اللغة والدين والجغرافية؟ .. هل تترك الأمة يديها ورجليها في النار؟ .. هل تترك يمنها ودمشقها وقلبها "القدس" تُحرق دون أن ترجف؟ ابقُوا هذه التساؤلات في صدوركم علَّ الزمن يزودكم بأجوبتها.
الدور الرئيسي الآن لقيادة الشعب الفلسطيني التي تأخرت كثيراً في التحرك المضاد لمواجهة هذا الإختراق والذي يُفتت العرب ويضعفهم ويساهم في وأد القضية الفلسطينية، التحرك بكل الإتجاهات من خلال الجهد الفلسطيني الرسمي المُنظم والمُركز بزيارات لدُول الخليج للوقوف على مواقفها ومطالبتهم بإنهائها، مع أن "الضرب في الميت حرام"، لكن هي محاولة، والتواصل مع الأحزاب العربية لمواجهة أي تخاذل رسمي عربي، ودعوة الجامعة العربية للإجتماع وإتخاذ إجراءات ضد تلك الدول وأقلها طردها من عضوية الجامعة أو مقاطعتها، وفضح دور الدول المشبوه في دعم الأفكار الأمريكية لتمرير صفقة القرن.
"ساق الله أيام زمان" عندما جُمدت عضوية أم الدنيا لأن رئيسها زار الكنيست وأبرم اتفاق سلام مع إسرائيل، ساق الله على تلك الأيام التي كان العرب يرون فيها إسرائيل عدواً لا صديقاً حميماً.
من المؤكد أن هذه الأخبار فيها من الحقيقة ما فيها، "فلا دخان دون نار"، ومن المؤكد أن اتصالات وتواصلاً يتم بين الإحتلال الإسرائيلي وقيادات أو أنظمة تحكُم الدول الخليجية بالحديد والنار، لكن هذا الارتماء في الحضن العبري لن يُفلح في جر الشعوب العربية إلى هذا المربع، ولن يستطيع إسرائيلي دخول دول الخليج، وهذا ما نراهن عليه كشعب فلسطيني.
القدس والمسجد الأقصى جُزء من عقيدة الشعوب العربية والإسلامية وبالتالي لن ينفع إسرائيل كل أشكال التطبيع دون إعادة المسجد الاقصى للسيادة الفلسطينية الإسلامية وإنما ستنعكس بشكل جوهري على استقرار حكم الأنظمة العربية وبشكل خاص الخليجية التي خضعت للإملاءات الأمريكية بإقامة علاقات مع الإحتلال قبل الإلتزام بالقرارات العربية والدولية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
نُدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك علاقات سرية وعلنية بين الإحتلال ودول الخليج قديمة وجديدة، لكنها ليست بحجم ما يُروج له الإعلام الإسرائيلي ولن تخرج عن علاقات ضيقة بين الحكام والقيادات الاسرائيلية، ورغم إدراكنا لانعدام تطورها لتشمل الشعوب إلا أنه من الواجب عدم الإستهانة بها وبذل كل الجهود الدبلوماسية والشعبة لمحاصرتها وإنهائها.
الأهم من ذلك وقف كل أشكال التواصل الفلسطيني الاسرائيلي، وهنا نحن لا نغمز ولا نلمز، بل نقولها علانية "حلُّ لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، فـ"لا تنهَ عن خلق وتأتي بمثله"، وذلك لإنعدام تأثير هذه اللجنة "الميتة فعلاً" على المواقف الإسرائيلية وتغولها في فرض حقائق على الأرض لشطب الحق الفلسطيني وما له من انعكاسات سلبية على التزام الدُول العربية في عدم التطبيع مع الاحتلال قبل الاعتراف بالحق الفلسطيني.
سيعود المحيط هادراً والخليجُ ثائراً .. لكن بعد حملة تطهير وتعقيم وتنظيف، للقلوب والمواقف، وربما للكراسي إن كان الداءُ مستعصياً.