كتب رئيس التحرير: تدخل المنطقة في منحنى جديد يتمثل في مشروع الضم الإسرائيلي، وبالتحديد ضم أجزاء معينة من الضفة الغربية إضافة إلى كامل الأغوار، فيما تركت إسرائيل الباب موارَباً فيما يخص تنفيذ المخطط، مع الأخذ بعين الاعتبار تقديرات الجهات الأمنية والسياسية، وطبيعة رد الفعل الفلسطيني والعربي والدولي.
توقن إسرائيل أن المنطقة والعالم لن تقف صامتة أمام هذا المشروع الذي ينسف كل جهود التسوية من الـ1994 أو قبل ذلك، إلى اليوم، إلا أن المستوى السياسي فيها وصل إلى درجة "التكبر" إلى حد الاستخفاف بردود الفعل خصوصاً الأردنية، حيث وصف نتنياهو رد الفعل الأردني المتوقع بـ"الضوضاء".
لكن وخلال هذا المخاض الذي تشهده إسرائيل والمنطقة قبيل الإعلان عن تنفيذ مشروع الضم هناك أجهزة ولجان ومراكز أبحاث إسرائيلية تدرس القرار من جميع جوانبه الإيجابية والسلبية.
ضم المستوطنات والأغوار لا يعني احتلال مناطق جديدة، كون الاحتلال الإسرائيلي قائم عليها ولم يتغير شيء على الأرض، حتى وِفق القانون الدولي، بل سيعني ذلك إعادة تعريف إسرائيل لوجودها وشكل سيطرتها ووضعها القانوني فيها ، أي أنها جزء لا يتجزأ من دولة الاحتلال (اسرائيل) وغير قابلة للتفاوض عليها، بمعنى أدق سياسياً إنهاء فكرة حل الدولتين من خلال قضم 30٪ من أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبذلك تصبح الاراضي الفلسطينية المتبقية كانتونات متقطعة الأوصال .
في ظل هذه الممارسات والقرارات الاسرائيلية لا إمكانية لمنظمة التحرير أن تقف صامتة، والاستمرار بالالتزام بالاتفاقيات بشكل منفرد ومن طرف واحد و في ضوء ذلك اجتمعت القيادة الفلسطينية سريعاً واتخذت قراراً بإنها في حِل من كل الاتفاقات مع الطرف الآخر.
جُملة "في حِل" تحمل تفسيرات واجتهادات، لم توضحها القيادة لشعبنا وللعالم، والسؤال المُلح هل تعني إلغاء كل الاتفاقيات مع الاسرائيليين؟ أم سيقتصر الأمر على وقف التنسيق الأمني مع استمرار الأمور الأخرى؟
هل أخذ قرار القيادة وقته الكامل للدراسة والفحص والتمحيص ورصد ارتداداته الإيجابية والسلبية على واقع و وجود السلطة الوطنية؟
بعض الأسئلة تقف شواهد وإشارات تدلل على أن هناك فجوات أو نقاطاً غامضة في الموقف الفلسطيني، منها أموال المقاصة مثلاً، فما الذي سيحدث لها، وهل ستبقى فاتورة المقاصة بين الطرف الفلسطيني والاسرائيلي قائمة؟ وإذا ألغيت، كيف للسلطة أن تستمر في دفع الرواتب والالتزامات؟
هل مسموح دخول البضائع والمنتجات الإسرائيلية للسوق الفلسطينية؟ وإذا كان الجواب لا، فلماذا لم يُعلم التجار بذلك؟ كيف سيحصل المواطن و التاجر والمريض على تصاريح دخول إسرائيل؟ هل من الشؤون المدنية الفلسطينية أم من سلطات الاحتلال بشكل مباشر؟
تابع الجميع كيف سارع ما يسمى بالمنسق أو الإدارة المدنية الاسرائيلية للإعلان عن كيفية تقديم التصاريح والمعاملات الطبية والتجارية، لكي يوصل رسالة للمواطن أن الخدمات التي تقدمها الشؤون المدنية الفلسطينية في هذا الجانب ما زالت قائمة ويمكنكم التواصل معنا وهنا يتم إضعاف السلطة الفلسطينية بشكل كبير لأن الجميع يعلم تماماً أن هذه الأمور يحتاجها الفلسطينيون الذي يعانون أوضاع اقتصادية ومالية صعبة.
قضايا أخرى كثيرة لم تقدم القيادة الفلسطينية أي توضيح لها، كجواز السفر الفلسطيني المكتوب عليه: صدر بناء على اتفاقية أوسلو، وكذلك الأسرى الذين أفرج عنهم بناء على اتفاقيات مع إسرائيل، المطاردون الذين حصلوا على إعفاء وِفق هذه الاتفاقيات، تسجيل المواليد وإصدار الهويات وغيرها الكثير من القضايا.
الاحتلال أعلن أنه سوف يفتح خطوط التواصل مع البلديات والغرف التجارية ومع شخصيات فلسطينية أيضا كبديل عن السلطة، فهل ستنجح إسرائيل في اختراق الصف الفلسطيني على حساب إذابة السلطة؟
ماذا لو قطعت إسرائيل الكهرباء والماء عن بعض المناطق التي تريد ضمها مثلاً أو غيرها وخاصة أن معظم المدن والقرى تحصل على الكهرباء من الشركة القطرية الإسرائيلية والماء من شركة ميكروت الاسرائيلية.؟
نُدرك تماماً أن الاحتلال لن يفتح النار مرة واحدة على الشعب وتجويعه ومنع الكهرباء والماء ولكن سيقوم بذلك تدريجيا.، وحسب ردات الفعل على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ماذا جهزت السلطة للرد على هذا المخطط وتوابعه ومداخله؟ هل أجرت تعيينات وتدوير للمسؤولين في المواقع الحساسة والتي تتطلب رجالاً أشداء وأصحاب مواقف صلبة ليستطيعوا اتخاذ قرارات صعبة في الزمن الصعب؟
هل متَّنت السلطة الجبهة الداخلية الفلسطينية؟ هل احتوت المخيمات؟ هل صادرت السلاح المشبوه؟ هل أشعرت الناس أنهم مواطنون وأن السلطة جاءت لخدمتهم وأنها نواة للدولة؟
على القيادة تشكيل لجان وعقد اجتماعات الأطر التنظيمية من لجنة مركزية ومجلس ثوري وأقاليم وفصائل وصحفيين ورجال أعمال ووضع تصور وتقدير موقف لكل الإحتمالات، مع أن الوقت تأخر، ومع أن هذا الأمر كان لا بد له أن يتم قبل اتخاذ قرار "الحِل"، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي.
سيكون الاحتلال هو الخاسر بكل تأكيد عندما يتم خلق أرضية صلبة للشعب الفلسطيني بأكمله وأهم صفعة له ذهاب القيادة لغزة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي لو تم فعلاً، سيكون هو مفتاح الحل الوحيد لمواجهة مخططات إسرائيل.
أصبح الكل يعلم أن إسرائيل تسعى لخلق كيان فلسطيني مستقل بقطاع غزة تحت غطاء الإنقسام الفلسطيني للأسف، فعندما يتم حل مشكلة الكهرباء بقطاع غزة وتسهيل كل ما يتعلق يالحياة اليومية والتجارية والصحية للمواطنين بالقطاع وأيضا حل المشكله المالية لغزة حينها سيتم فصل القطاع نهائيا، وإسرائيل بطريقها لذلك، وستكون الضفة الغربية لقمة سائغة للاحتلال الإسرائيلي وكل هذا يتحمل مسؤوليته طرفا الإنقسام.
يبدو أن القيادة الفلسطينية اتخذت قرارها بأن تكون في "حل" من كل الاتفاقيات، لكن دون أن تحدد موعداً لـ"تسجيل الطلاق في المحكمة الشرعية"، ويبدو أنها اتخذت القرار أيضاً دون أن يكون لديها تصور كامل لتبعات هذا الطلاق، و"المتأخر" الذي ربما تدفعه للطليقة "إسرائيل".