باتت العودة الى الإجراءات السابقة المشددة وراء ظهورنا، ولم تعد هي النموذج الأمثل اليوم كما كانت في الأيام الماضية، ولم يعد مجدياً التلويح بعصا الإغلاق كلما وقعت إصابة هنا أو هناك، وكأن المجتمع هو الصف المشاغب الذي يظل حقل تجارب لإعادة الإجراءات كل ما دق الكوز في الجرة. بات ملحاً أن يعلم المواطن أن غياب الإجراءات المشددة والإغلاقات لا يعني بالمطلق أن الكرة أُلقيت بالكامل في ملعب المواطن وهو صاحب الشأن في مرضه أو سلامته، بالعكس ما زالت هي مسؤولية الكل الفلسطيني دون شك ولن يستطيع أحد التحلل من مسؤولياته.
بتنا اليوم بحاجة الى مراجعة شاملة وإعادة النظر في قضايا استراتيجية أهمها التركيز على الأمن الغذائي والسيادة على الغذاء. لم تعد سلسلة التوريدات في العالم كما هي قبل الجائحة، وبالتالي الدول المعتمدة على الاستيراد وغير المنتجة للغذاء ستصبح في أزمة حقيقية، ما يتطلب منا نقلة نوعية في تعزيز القطاع الزراعي الفلسطيني، وهذا لا يحتاج الى اشتباك لفظي أو استعراض عضلات من قبل من أُتيحت له فرصة لا نعرف تفاصيلها بالاستثمار في الأغوار ليصبح افتراضياً هو حامي الحمى، وكل من يبادر لمقاومة الضم الاحتلالي عبر تعزيز القطاع الزراعي وصمود المزارع متهماً، ويصبح الكل مثار استهتار وسخرية إذا أحضر سياجاً لأرض زراعية أو بيوت بلاستيكية !!!!! مؤلم أن يكون التواجد استثمارياً زراعياً في الأغوار بوابة لتبرير علاقة قسرية مع إدارة الاحتلال أو مراكز تسويق المواد البيطرية في المستوطنات في الأغوار على أساس أنها اقل سعراً من السوق الفلسطيني وفيها مواد غير مسموحة في السوق الفلسطيني!!
ومن هنا جاءت مبادرة عديد المؤسسات الزراعية وأطر المزارعين بإطلاق المجلس التنسيقي الزراعي لمواجهة قرار الضم من أجل توحيد الجهود وتكاملية العمل في حماية الأرض، وتعزيز صمود المزارعين، وتوجيه كافة الطاقات والإمكانيات الفلسطينية باتجاه هذه المناطق المهددة، والبحث عن صيغة لتكامل الأدوار بين الجانب الرسمي والشعبي، وكان متوقعا أن يقابل بهجوم لفظي بعد انقضاء إجراءات الحجر الجماعي في الوطن، لأن حالة الاحتقان جراء الوباء يجب ان تسلط تجاه أول شيء يواجهه الإنسان أمامه، فوجد الجهد الزراعي التنسيق لمواجهة الضم فبدأ بجلده ونسي قرار الضم الاحتلالي وأخطاره.
بات ملحاً اليوم أن تعود الحكومة الى جهدها الذي أعلنته بخصوص آلية جديدة لتوزيع الأراضي الحكومية والوقفية لأغراض الاستثمار الزراعي والصمود في الأغوار، وهذا مشروع بالغ الأهمية في مواجهة الضم وباتجاه تثبيت الشباب على الأرض والعمل فيها مع تحديد من هم فئة الشباب ضمن تعريف علمي، وتحديد ما هي الخبرات المطلوب تواجدها في تلك المناطق وعلى هذه الأرض، ونأمل أن نرى ترجمة لهذا التوجه الحكومي سريعاً تتجاوز لجنة وزارية للدراسة، بل تذهب باتجاه خطوات عملية تتوافق مع رشاقة الأداء الحكومي اثناء جائحة كوفيد19.
ومطلوب من الحكومة إعادة تقسيم عادل للموازنة والتركيز على القطاع الزراعي، وليس النفقات التشغيلية لإدارة القطاع الزراعي، بل ما يوجه مباشرة للزراعة في فلسطين. هذا هو المهم لتقدير هذا القطاع مالياً حق قدره، والتركيز على الأضرار الزراعية والاسترداد الضريبي لأفراده، وترشيد النفقات الحكومية "عدا بند الرواتب" والتقنين بالنفقات غير الضرورية وتوجيهها باتجاه القطاعات الحساسة التي تساهم في مواجهة قرار الضم الاحتلالي وعلى رأسها الزراعة.
يجب أن نستثمر عودة الناس الى الأرض ونستثمر تعلق الفلسطيني بالإنتاج الزراعي الفلسطيني، والبحث عنه وابتكار وسائل التسويق الشعبي للمواسم الزراعية اثناء جائحة كوفيد 19، سواء النباتي أو منتجات الثروة الحيوانية من خلال تعزيز التسويق الشعبي المباشر، وتعزيز التسويق الإلكتروني الذي راج مؤخراً وخلق اثراً إيجابياً، وتعزيز دور المجالس الزراعية التخصصية وتطويرها وتطوير قوانينها، ليس كإطار جامد يعتبر عنواناً فقط، بل يجب أن تصبح أدوات تنموية وتعزيز صمود فاعلة وقوية، ولمسنا دوراً للمؤسسات الزراعية القاعدية غير الحكومية التي حضرت بقوة وكانت ضمانة في هذه الجائحة. ولعل عناوين الاتحاد العام للفلاحين الفلسطينيين واتحاد المزارعين الفلسطينيين واتحاد الجمعيات التعاونية الفلسطينية عناوين مهمة أثبتت حضوراً في الجائحة وسلطت الضوء على دور التعاونيات ودور المزارع ودور الزراعة.
بات من الضرورة الاستثمار بتمسك المستهلك بالمنتجات الفلسطينية وتوجه المنتجين الفلسطينيين لرضا المستهلك وقبوله للمنتج وتوضيحهم ميزات المنتجات الفلسطينية، والاستماع بإصغاء لملاحظات المستهلك والتاجر، وما شهدناه من إقبال على المنتجات الفلسطينية خلال جائحة كورونا وطوارئها يجب أن يقابل بتقدير المستهلك، وبخطة حكومية واضحة المعالم لدعم المنتجات الفلسطينية وعدم العودة للنمط التقليدي "الطلب من التاجر إخلاء متجره من المنتجات الإسرائيلية" بل الذهاب صوب تعزيز أن يكون المستهلك صاحب الخيار الأول والأخير تجاه المنتجات الفلسطينية من خلال خارطة طريق تعزز هذه العلاقة باتجاه المزيد من التركيز على الجودة والسعر المنافس.
ومن العبر المهمة أن هناك وزارات حكومية مطالبة ان توضح موقفها تجاه قطاعها الذي تديره، ولم يعد كافياً التماس أعذار للقطاع الذي تديره أنها تعاني الأمرّين، والسؤال المطروح بقوة يتعلق بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الحكومة الإلكترونية مروراً بكامل النقاش حول تنظيم القطاع الى ربط الزراعة بالتكنولوجيا، والتحكم بها عن بعد كواحدة من مكونات التكنولوجيا وليست كلها، خصوصاً أننا ندخل مرحلة التعلم عن بعد وبات نموذجاً وعليه قِس.