كتب رئيس التحرير: كان تولي باراك أوباما للرئاسة كأول أسود يقود للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين متتاليتين من عام 2008 إلى عام 2016 كان بنظر الأمريكين والعالم دليلاً على دخول أمريكيا في عصرٍ جديد، (عصر ما بعد العنصريّة)، وقد قال مضيف الإذاعة الشعبوي اليميني لو دوبز في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2009 "نحن الآن في مجتمع القرن الواحد والعشرين مجتمع ما بعد الحزبية وما بعد العنصرية".
بعد شهرين من تلك التصريحات قال كريس ماثيوز وهو أحد مذيعي قناة أم أس أن بي سي التلفزيونية تعليقاً على نجاح أوباما بالإنتخابات الرئاسية "إنّه بالفعل عصر ما بعد العنصرية بكل مظاهِره، لقد نسيت أنّه كان أسود الليلة لمدة ساعة كاملة" وقد نظر بعض المحلّلين إلى انتخاب دونالد ترمب في عام 2016 كرئيس للولايات المتّحدة على أنّه ردّ فعل عنصريّ ضدّ انتخاب باراك اوباما.
هي حقيقة كالشمس، فدونالد ترامب يجر أمريكا جراً إلى عصور الظلام الأوروبية، يجرها من شعرها إلى مربع العنصرية المقيت، وقد بدأ ذلك منذ انتخابه رئيساً لها، حيث هدَم صورة أمريكا كدولة ديمقراطية، أو يمكن أن يكون هذا "المجنون" كما وصفه كثير من معارضيه قد أزال "المكياج" عن وجه أمريكا الحقيقي.
انفجر الوضع الداخلي في أمريكا، ولم يكن هذا الانفجار وليد صُدفة أو موقف وحيد، فهو استهان بالرأي العام الداخلي في بلاده، واستهان بمواطنيه إلى درجة أنه طرح فكرة أن يحقن المصابين بكورونا بالمطهرات!
تدحرجت كرة الثلج، بل كرة النار التي صنعها ترامب بعد مقتل مواطن أسود البشرة، يُدعى جورج فلويد، تحت ركبة شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا حيث انتشر فيديو الإعدام على نِطاق واسع، حين ظهر شرطي أبيض جاثماً فوق رقبة المواطن الأسود فلويد (46 عاماً)، محاولاً تثبيته، فيما كان الرجل يردّد "لا أستطيع أن أتنفس، أرجوك لا تقتلني"، وحسب معظم المحللين في العالم وحتى داخل أمريكا هناك شبه إجماع على أن العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء مازالت متغلغلة في المجتمع الأمريكي وازدادت في عهد ترمب.
ترمب بدأ ولايته بقرار عنصري مجنون عندما منع دخول مواطني دُول عربية وإسلامية إلى الأراضي الأمريكية وبنى جداراً عازلاً مع المكسيك، واليوم وبعد مرور ثلاث سنوات ونصف كان أخر ما اتخذه من سياسات ومواقف إعلانه خروج أمريكا نهائياً من منظمة الصحة العالمية، ووقف تمويلها، وإصداره الأوامر للجيش الأمريكي بإطلاق النار على المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجا على الجريمة العنصرية التي ارتكبها ضابط أبيض ضد رجل أسود.
ليس هذا فحسب، فهو امتهن واحتقر المتظاهرين الرافضين للعنصرية أمام البيت الأبيض حين هددهم بكلاب شرسة وأسلحة فتاكة ستواججهم إن فكروا باقتحام مقر رئاسته!
هذه الفوضى وهذا التفكك الداخلي في المجتمع الأمريكي هو ثمن تجاهل القيادات في أمريكا لجنون ترمب الذي أكده التقرير الذي رفعته مجموعة من أخصائيي الصحة العقلية بقيادة الدكتورة باندي لي البروفيسور في جامعة ييل، والدكتور جون زينر البروفيسور في جامعة جورج واشنطن، والدكتور جيرولد بوست محلل الشخصيات السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الى الكونغرس الأمريكي عندما كان يدرس إجراءت عزل ترامب من منصبه والذي حذر من خطورة الحالة العقلية لترامب.
ترمب تنمر على كل فئات الشعب الأمريكي، حتى على المرأة الأمريكية وأساء لها، و قام بمحاربة الإعلاميين وتوبيخهم وطردهم من البيت الابيض وحارب وسائل التواصل الاجتماعي الأمريكي كتويتر وفيسبوك وغيرها، وطالب بوضع قيود على حرية التعبير حيث أظهر التقرير الذي ذكرنا أعلاه "هشاشة إحساسه بتقدير الذات وسرعة تأثرِه بأدنى قدر من النقد، ولديه نزوع حقيقي لأن يصبح أكثر خطورة بكثير، وهو ما يمثل تهديداً لسلامة أمتنا" كما قالوا.
ترمب بعقليته وجنونه فجر الوضع الداخلي في أمريكا حيث بدأ بالتباهي بإنجازاته الإقتصادية الوهمية والتي بُنيت على ابتزاز السعودية من خلال صفقات السلاح وفرض "الخاوات" عليها مقابل الحماية لها وللدول الغنية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، هذه الإنجازات الوهمية تبخرت أمام الشعب في ظرف شهرين أو ثلاثة فقط خلال جائحة كورونا، فلم تشهد أمريكا فقداناً للوظائف على هذا النِطاق منذ أزمة الكساد الكبير في عشرينات القرن الماضي.
ترمب أنهى علاقة أمريكا بالعالم وجعل منها عدوا للجميع فمرة يهدد دولا عظمى مثل الصين، حيث أعلن حربا اقتصادية عليها انعكست بشكل كبير على الشركات الامريكية وآخرها الاتهامات للصين بالمسؤولية عن انتشار فايروس كورونا وأصبحت أمريكا والصين على فوهة بركان حرب نووية، ناهيك عن سلوكه مع الدول الصديقة من الاتحاد الاوروبي حيث وقف متفرجا على انتشار الفايروس في إيطاليا وإسبانيا، وغيرهم في المقابل تقف معهم الصين وكوبا أعداء أمريكا والغرب.
استمر جنون العظمى لدى ترمب بانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني ومجموعة الدول الست الكبرى وإغتياله اللواء قاسم سليماني وأشعل فتيل حرب مع إيران، ونقل السفارة الامريكية للقدس واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ودعم قرار الضم لأجزاء من الضفة الغربية والجولان لإسرائيل وفق صفقة القرن التي أقرها والتي تلغي الحقوق الفلسطينية ناهيك عن قطع التمويل الأمريكي للأونروا، وانسحابه من اليونسكو لإعتراضها على جرائم الاحتلال الاسرائيلي، مما أسس لحالة غضب وغليان لشعوب الأمة العربية والإسلامية ضد أمريكا، ناهيك أنه وقف إلى جانب الحركات العنصرية في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا دون أن يخفي دعمه هذا، ووصف بالمقابل الدول الإفريقية والدول العربية والإسلامية والعديد من قادتها بأقذر وأبشع الصفات.
ترمب خلال عهده أصبحت أمريكا وحشاً يهدد العالم وفجر النسيج الاجتماعي الأمريكي وإعادة للأذهان العنصرية الأمريكية بين البيض والسود والأقليات الأخرى الإسلامية والعربية والمكسيكية واستهدف معظم دول العالم مما يُنذر ليس بحروب داخلية وخارجية نووية فقط وإنما يهدد أمريكا بالزوال. لقد دمر "مجنون أمريكا" كل ما بنته واشنطن من قوة ناعمة، فهل تتحرك المؤسسات والعقلاء في أمريكا للجم هذا الغول وإعفائه من منصبه قبل فوات الأوان؟