كتب رئيس التحرير: لم يجد المولود الإسرائيلي الجديد "مشروع الضم" أي مهنئ أو مُستقبِل فرِح، فحتى أهله (الإسرائيليون) كرهوه قبل ولادته حتى، منهم من كان كرهه مبنياً على أيديولوجيا يسارية، والنصف الثاني بسبب شدة يمينيته، فكيف بالفلسطينيين الذين يرون في المولود الجديد (الأعور الدجال) الذي سينهب الأرض ويقتلع الشجر والثمر، ويقتل البشر؟!
إنها لحظة وحدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في رفض مشروع سيجر المتاعب لجميع الأطراف، طبعاً رغم اختلاف أسباب الرفض.
لقد وجد قرار الضم الإسرائيلي معارضة قوية داخل إسرائيل، فخرج آلاف المتظاهرين عرباً ويهوداً من أحزاب اليسار في إسرائيل رفضاً لقرار الضم في تل أبيب ودعما للسلام وحل الدولتين، كذلك فقد رفض المستوطنون والمتشددون القرار لأنه يُعطي فتاتاً من الأرض للفلسطينيين الذين ربما يُقيمون دولة عليها! ولم يصل الرفض عند هذا الحد، بل امتد ليصل قادة الجيش الإسرائيلي والرؤساء السابقين لجهاز الأمن الداخلي لدولة الاحتلال "الشاباك" مثل عامي إيلون ويعقوب بيري ويورام كوهين، معتبرين قرار الضم كارثي على دولة الاحتلال وعلى العلاقات مع مصر والأردن وكذلك العلاقات مع دول عديدة في العالم، هذه إضافات للغضب الفلسطيني.
الفلسطينيون بدورهم أعلنوا من خلال الفصائل لمسيرات واعتصامات رفضاً لقرار الضم وطلبوا من الجميع المشاركة في ظل حالة من الغليان الشعبي ضد قرار الضم وبسبب تنصل اسرائيل من كل الاتفاقيات التي بدأت منذ العام 1993، وشعور الفلسطينيين أنهم أضاعوا الوقت، وأن إسرائيل ضحكت على ذقونهم واستغلت عملية السلام خلال تلك الفترة لتضاعف عدد المستوطنات ولتهويد وشن الحروب غير مكترثة بأي بند من بنود السلام المنشود.
المسيرات والاعتصامات وِفق تلك الدعوات ومن خلال قراءت الواقع وما حصل في مناسبات وطنية سابقة، لن تكون حاشدة رغم إجماع كل الشعب الفلسطيني ضد هذه الممارسات الإسرائيلية المتكررة والتي أصبحت جلية بأنها تستهدف إنهاء الوجود الفلسطيني وذلك لعدة أسباب منها انعدام الثقة بين القاعدة الشعبية والقيادات للفصائل، والانقسام بين شرائح الشعب الفلسطيني وبشكل خاص الفصيلين الكبيرين فتح وحماس، وعدم الإيمان بجدوى أشكال النضال المعتمدة من الفصائل مثل المسيرات والاعتصامات مع احتلال يقتل ويدمر ويقصف ويطلق الرصاص الحي، وغياب القيادة المركزية للفعاليات والتي تخطط وتعطي القرارات وتشرح الأهداف وتوضح النتائج، وعدم متابعة الحالات النضالية والإهمال بتحمل نتائج المشاركة من اعتقال او إصابة المشاركين او استشهادهم.
حتى تستطيع الفصائل استقطاب جميع أبناء الشعب الفلسطيني للمشاركة في النضال عليها أن تسارع لإزاحة الفاسدين والمشبوهين من تصدر الموقف ومنح القيادات النقية والواعية والحكيمة لتقود التخطيط والتنفيذ لردود الأفعال بحيث تكون مثمرة سياسياً وتمنح الجميع فرصة المشاركة في اتخاذ القرارات والتخطيط للفعاليات، ومنح الفلسطينيين الثقة والتأكيد بتحمل كل أطياف الشعب الفلسطيني وبالتساوي والتكاتف نتائج أشكال النضال التي يتم اقرارها.
من الخزي والعار أن تخرج المسيرات بعدد أقل من مسيرات تل أبيب الرافضة للمشروع، من الإهانة أن تكون تلك المسيرات ضعيفة وهزيلة ولا ترتقي لما حدث من ردود أفعال داخل المجتمع الإسرائيلي.
من غير المنطقي أن يقاس رد الفعل الفلسطيني من خلال حجم المشاركة في فعاليات الفصائل التي تمت الدعوة لها، فكثيرون فقدوا ثقتهم بتلك الفصائل، وكثيرون لن يشاركوا ليس لأنهم غير غاضبين، بل لأنهم لن يركبوا في قارب الفصائل "المثقوب"، تلك الفصائل التي باتت في معظمها أسماء وهمية لا تستطيع حشد أشخاص بعدد الأصابع في معظم المناسبات الوطنية.
الغضب الفلسطيني عارم وحالة فقدان الأمل في المستقبل كبيرة، وفي ظل عدم وجود "شريك إسرائيلي" يؤمن بالعدالة والحرية للشعب الفلسطيني فإن الاحتمالات والخيارات لردود الأفعال الفلسطينية تبقى بعلم الله، لكن وحسب كل نظيرات وقواعد الفيزياء، فإن زيادة الضغط ستولد انفجاراً لا يُعرف اتجاهه أو مصدره أو نتائجه.
والقاعدة الفلسطينية تقول، وعلى لسان محمود درويش:
إذن سجل برأس الصفحة الأولى
انا لا اكره الناس
ولا اسطو على احد
ولكني اذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار من جوعي ومن غضبي