بمعزل عن المهزلة المفتعلة حول وجود خلاف من عدمه بين اقطاب حكومة الاحتلال حول معارضة او تأييد الطريقة التي سيتم من خلالها تنفيذ مخطط الضم فيما بات يعرف بفرض "السيادة الاسرائيلية" على مناطق الاغوار الفلسطينية، فقد حسم النقاش باعلان غانتس وزير حرب الاحتلال بأن الضم قادم وواقع، وبدون الغوص في تفصيلات مسألة الضم، ومحاولة تصويرها كحالة خلافية في اسرائيل ما بين معارض للضم الكلي، وبين تيار اخر يرغب بالضم التدريجي "المتدحرج" وهل يقتصر على المستوطنات؟ ام يشمل جميع الاراضي؟ وهل سيتم مطلع الشهر المقبل ام يتم تأجليه في اطار مناورات سياسية معروفة هذا من جهة او هل هناك خلاف فعلا مع ادارة ترمب، وبعض ردود الفعل العربية والدولية من الجهة الاخرى؟ وهي كلها اسئلة يجري الاجابة عليها على الارض، وتصبح بلا معنى ضمن ما يجري العمل به يوميا منذ مدة ليست القصيرة بل ان الانزلاق لتحليل الوضع الراهن على ضوء هذه التساؤلات رغم اهمية الاجابة عليها لا يتعدى كونه تعبير عن حالة يأس بانتظار التغير المنتظر اي تغير مهما كان- فجوهر المسالة باعتقادي يقود الى تفكير لا يخلو من تسطيح للامور بشكل متعمد احيانا للتهرب من الاسئلة الحقيقية للمواجهة او بيع اوهام مقصود ايضا بقراءة الحالة المترتبة على اجراءات الضم، وخطوات دولة الاحتلال وامعانه في مواصلة مشروع الضم رغم تزايد الاصوات الدولية المعارضة الاخذة بالاتساع بشكل يومي وواضح، وهو ما يكتسب اهمية كبيرة في محاولة ثني الاحتلال على الاقدام على هذا المخطط او على الاقل تأجيل ذلك ان امكن ويبقى السؤال الاساسي المهم للاجابة كيف يمكن مواجهة وافشال مخطط الضم ؟  
وحتى لو اثمرت الجهود السياسية الفلسطينية، واستطاعت بناء جبهة دولية مناهضة للتوجه الاسرائيلي كونه يمثل انتهاك صارخ للقانون الدولي في محاولة لافشال هذا المخطط الخطير فأن حكومة الائتلاف الحكومي في اسرائيل مصممة على موقفها غير مكترثة بكل التصريحات، والمواقف فاجراءات الضم تسير قدما على الارض وبدء التهميد للمسألة ومظاهرها واضحة للعيان، فمن ازالة الشواخص عن شوارع، ومداخل بعض القرى الفلسطينية في الاغوار، وتغير معالمها، والشروع بتركيب المعدات، والتقنيات الامنية، واجهزة المراقبة التي بوشر بها قبل عدة اسابيع، وهي خطوات لا يمكن تجاهل  تأثيراتها، ولكنها ايضا التي لا تغير من الوضع القانوني لمنطقة الاغوار، وشمال البحر الميت باعتبارها جزء من الضفة الغربية بما فيها القدس، وهي اراض محتلة، وتخضع للحكم العسكري المباشر، وما الحديث عن الضم الا اجراء استكمالي في اطار مشروع اكبر واكثر خطورة يتمثل في تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني، وفرض حل الامر الواقع عليه، وسواء كانت مسألة الضم تحصيل حاصل مطلع الشهر المقبل ام تم تأجيلها فأن السيطرة الفعلية للاحتلال عليها تبقى موجودة، ومسألة الضم هي احدى ترجمات الدعاية الانتخابية لارضاء جمهور المستوطنين، وليس ادل على ذلك من تصريحات لاحد  كبار المستوطنين المقيمين منذ مدة طويلة في الاغوار حيث يؤكد في مقابلة مع الصحافة العبرية في اطار النقاش الجاري حول الضم ويقول( نتنياهو غبي يريد تأليب الرأي العام العالمي علينا، واثارة مشاعر العرب، والعالم ضدنا فنحن نعيش هنا، ونعمل هنا، وانا ادفع الضرائب كبقاي مواطني "الدولة " تماما كما يدفع "المواطن" في تل ابيب، اضافة الى ان القانون الساري هنا هو القانون الاسرائيلي فاذا كان هناك مخالفة سير مثلا يتم تطبيق القانون الاسرائيلي، وفي المحكمة الاسرائيلية) ويتسأل هذا المستوطن الذي يستولي على مساحات زراعية واسعة من الارض الفلسطينية ما الذي سيتغير علينا في الواقع غير الاعلان عن الضم؟  هذا المستوطن الذي يتمتع بحقوق "المواطنة" ويعيش في ارضنا التي احتلت العام 1967 يريد الابقاء على الوضع الحالي بعيدا عن ضجيج الضم، واثارة الرأي العام العالمي ضد اسرائيل . 
والمتابع  لسلسة المواقف والتصريحات الاسرائيلية حول قضية الضم يرى بوضوح مدى ثانوية الاختلاف، ولا يعدو كونه شكليا، ومظهريا فقط بينما الثابت هو ما قاله نتنياهو نفسه في تصريحاته بتاريخ 28 ايار الماضي في لقاء له مع صحيفة "اسرائيل اليوم" الذي اكد الذهاب في مشروع الضم الفعلي، وهو لن يقتصر على المستوطنات، ومنطقة الاغوار فقط لكنه تناول في سياق اجابته على سؤال حول مصير السكان الفلسطينيين في تلك المنطقة المسالة بوقاحة متناهية حين وصف المواطنين الفلسطينيين المتواجدين فيها بانهم سيكونوا(رعايا) وهو وصف ليس من باب الصدفة ان يقال عشية الشروع في خطوات الضم الفعلية للاغوار، وشمال البحر الميت وهي تشكل حوالي 30%من مساحة الضفة الغربية فالمعضلة الوجودية للانسان الفلسطيني مجرد الوجود والبقاء وهذا ينطبق على الاهل في الداخل الفلسطيني المحتل هو معيق فعلي لمشاريع الاحتلال على امتداد حوالي قرن من هذا الصراع، وبالعودة لسكان الاغوار فأن مسألة منحهم "المواطنة" ستكون خطا فادحا لا يمكن تكراره من وجهة نظرهم على العكس هم عملوا، ويعملوا ليل نهار من اجل التخلص من الاقلية القومية العربية في الداخل، وهم يسعون بكل السبل في سبيل تقليص الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية خدمة للمشروع الاستيطاني الاستعماري الذي تغذية ايديولوجيا واضحة للتخلص من العبء الديمغرافي، وتشجيع التهجير واحلال المستوطنيين مكان المواطنين الاصليين من ابناء شعبنا، وللتذكير فقط من الاهمية الاشارة ان مسألة التخلص من العبء الديمغرافي هو احد بنود صفقة القرن المشؤومة التي نصت على نقل سكان قرى المثلث الفلسطيني في الداخل المحتل لتصبح جزء من اراضي السلطة الفلسطينية، وهم بالمناسبة يحملون الهوية الزرقاء اي الاسرائيلية، وبالتالي هذا يدلل على شكل النظام العنصري الذي سيفرض على الشعب الفلسطيني، وحجم الضرر الواقع الذي ستزداد وطأته في حال الاقدام على الضم الفعلي تحديدا تجاه من وصفهم نتنياهو بالرعايا، ونزع صفة المواطنة بمعناها السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي، واسقاط مفهوم الرعايا عليهم في تناقض مع الحقائق، وفي تزييف للتاريخ جهارا نهارا، وبمفهوم العلوم السياسية "الرعايا" هم شريحة او جزء من شعب يتواجد في منطقة جغرافية ليست لهم - فقط هم يعيشوا عليها لاسباب مختلفة قد تكون حالة "نزاع"  ولا يتمتعوا بادنى حقوق المواطنة التي تكفل حقوق الانسان من حيث الهوية الوطنية، والثقافية ضمن الاعتزاز بانتماءه الوطني العريق الضارب في اعماق التاريخ، والارض والحضارة كما هو حال شعبنا، وهذا هو المغزى الحقيقي لتصريح نتنياهو، واجراءات حكومته على الارض في محاولة كي الوعي، وقتل روح الانسان، وتبديد الحلم، ونزعه من ارضه التي يمتلكها، ويعيش عليها "ابا عن جد " كما يقال وما وصفه ابناء شعبنا بالرعايا الا التعبير الدقيق والعميق لنوايا حكومته علنا وفي وضح النهار فالمنطقة من الناحية الجيوسياسة واسعة ويعيش فيها حوالي 11 الف مستوطن في37 مستوطنة تصنف معظمها بالزراعية مقابل حوالي70 الف مواطن ضمن 27 تجمعا سكانيا ثابتا، وحوالي 40 تجمعا بدويا متنقلا، وتعتبر المنطقة سلة فلسطين الغذائية نظرا لخصوبة ارضها ومواردها المائية التي تحكم دولة الاحتلال سيطرتها عليها وبالتالي هنا تكمن اهمية استهدافها، وحرمان اهلها منها ناهيك عن موقعها الهام على امتداد الحدود الفلسطينية الاردنية، وبالحديث الواضح ضمن المقابلة المذكورة لرئيس الوزراء الملاحق بملفات الفساد المالي والسياسي يتحدث صراحة عن جيوب معزولة لسكان ليس لديهم اي حقوق مدنية او سياسية او حتى اقتصادية، ولا يسري عليهم القانون اي يصبحون فئة سكانية "غير معرفة "وهنا تكمن خطورة الضم ضمن سيناريو يعد لتطهيرهم عرقيا فالوجود للرعية هو الاقامة المؤقتة مع تشديد الاجراءات عليهم، وخنق حياتهم اليومية فهم سيكونوا ممنوعون من الوصول الى اراضيهم الا عبر اوراق، وتصاريح خاصة من الصعوبة الحصول عليها، وتحديد كميات المياه المحدودة اصلا، وغير الكافية الان للاستخدام البشري او الري، مع السيطرة على ينابيع المياه او اتلافها، والتحكم في الخطوط  الناقلة التي تغذي السكان،  واذا اخذنا اضافة لذلك توسيع نطاق التدربيات العسكرية التي يتم خلالها اجلاء قرى باكلمها لعدة ايام او اكثر كما يجري الان، ومعظمها تتم داخل القرى بالذخيرة الحية، وتواجد الدبابات داخلها، وهو ما يوقع العديد من الضحايا والاصابات من مخلفات جيش الاحتلال، وكذلك منع التوسع العمراني، والبناء والتراخيص – اي سيتم تحويل حياة السكان الى جحيم يومي يزيد بدرجات عن الوضع القائم حاليا فيصبح المواطن غير قادر على استمرار الحياة اي اجبار الناس على المغادرة، وهو جوهر المسعى لقتل حلم الدولة المستقلة (لا دولة فلسطينية غربي النهر) هذا لب التوجه، واما من يستطيعون البقاء في المنطقة فهم سيكونوا رعايا في وطنهم، وعليهم تحمل تبعات قرار البقاء من الاجراءات الجديدة للتنقل، والعبور، والخروج عبر بوابات نظام الفصل العنصري الجديد على مداخل القرى، والبلدات منها، واليها ضمن اوراق ووثائق جديدة حيث يتم الحديث عن تعداد سكاني ستقوم به سلطات الاحتلال قريبا، اضف الى كل ذلك قضايا الحياة اليومية من كهرباء، وخدمات  ...... الخ كلها ستشهد اعباء اضافية تثقل كاهل المواطن وستكون اشد وطأة من السابق وصولا لما يسمى "الهجرة الناعمة" اي العمل على خلق ظروف تصبح الحياة مستحيلة نتيجة انعكاس السياسات المتبعة على الوضع الاقتصادي، والمعيشي للناس لتصبح شبه مستحيلة بحيث يجبروا في نهايتها على المغادرة طوعا ضمن السعي لحياة افضل !! 
تلك الاجراءات، والقرارات في ظل تصعيد وتيرة حملات البناء الاستعماري في ارجاء الضفة الغربية، ومحيط القدس سيقود حسب المخطط لفرض حل الامر الواقع ضمن استراتيجية تحويل الارض من محتلة الى "متنازع عليها" اي الحيلولة دون امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومتواصلة، وقابلة للحياة، واحباط اي وقائع يمكن القيام بها فلسطينيا بهذا الشأن، ومن هنا تأتي اهمية اتخاذ خطوات فعلية، وبناء اطار استراتيجي واضح يجري اشتقاقه، والبناء عليه وتستمد ركائزه الاساسية من موقف القيادة الذي اعلن في 19 ايار الماضي بانهاء العمل بالاتفاقيات كل الاتفاقيات مع الحكومتين الاسرائيلية، والاميركية، والتمسك بهذه القرارات، وعدم التراجع عنها او الانتظار طويلا لبدء خطوات عملية تنفيذا لها بمعزل عن اي تطور في المسعى الدولي لمنع تنفيذ مخطط الضم سواء افلحت هذه الجهود او فشلت كما هو متوقع على ضوء التعنت الاسرائيلي، ورفض الاستجابة لكل الوساطات بهذا الشأن ومن هنا علينا العمل، بل يقع على عاتقنا فورا العمل دون تأخير، وبقوة وارادة سياسية لا تقبل التردد او الرهان على وهم تبديد الموقف الاحتلالي مثلا لماذا لا يتم العمل على بدء ترسيم الحدود مع الاردن الشقيق وحدود فلسطين الشرقية باعتبارها دولة تحت الاحتلال، وفي ذات الوقت التوجه للامم المتحدة من اجل حماية اراضي وسكان دولة فلسطين العضو المراقب في الامم المتحدة، ومن شأن خطوة الترسيم ان تقطع الطريق على محاولة فرض الامر الواقع، وهي تمثل ردا سياسيا عمليا على رفض مخطط الضم، وعلى حق دولتنا في رسم حدودها، اضافة  للذهاب فورا لاعلان مجلس تأسيسي للدولة ضمن مرحلة انتقالية داخلية يتولى التشريع والمراجعة، وتناط به صلاحيات واضحة ضمن توافق وطني يتم في اطار المجلس احداث تغير جوهري على نمط القرارات السابقة مما يعطي المزيد من الدافعية والقدرة على المواجهة، وتصليب الموقف الداخلي في اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وتوسيع الاشتباك السياسي، والحالة الكفاحية الميدانية مع دولة الاحتلال اي بمعنى اخر تصعيد، واطلاق اشكال المقاومة الشعبية رفضا لهذه المخططات التي لن تبقى لنا شيئا بعد استغلال حالة الانقسام الداخلي الذي مضى عليه هذا الشهر 13 عاما للحد الاقصى اسرائيليا، وصولا لتنفيذ المخطط، وسواء تم الاعلان مطلع تموز ام لم يتم الا ان الخطوات تسير على الارض بشكل ممنهج، وصامت وعلني احيانا لتكريس الضم الفعلي، وفي هذا الاطار اضافة للخطوات التي ذكرت سابقا يجري العمل بشكل متكامل على دعم صمود الاغوار بما ينسجم مع القدرة على تثبيت الناس في المنطقة، والوصول لاقتصاد صمود حقيقي عبر دعم المشاريع الانتاجية، وتوفير مقومات البقاء مثلا اعفاء ضريبي، والعمل على اقتصاد تعاونيات، وتوسيع فرص الاستثمار في القطاع الزراعي الذي يمثل عصب الحياة للسكان خطوات كهذه من شأنها خلق توازن واضح يضفي مصداقية عالية للقرار السياسي، وتكامله شعبيا في تقاطع راسخ بوصلته افشال المخطط، والقدرة على امكانيات الشعب الفلسطيني لافشاله فعليا وصولا لانسجام اعلى، واكثر متانة من التوافق الميداني الداخلي بعيدا عن الخطاب الكلاسيكي، والتردد فلم يعد هناك ما نخشى عليه - مشروع الاستيطان الاستعماري يسير قدما لتكريس السيطرة على الارض، والقدس خطواته من نقل سفارة الولايات المتحدة للقدس بعد الاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، ومحاولات ضرب قضية اللاجئين عبر تصفية وكالة الغوث بعد محاصرتها ماليا، وضم الارض بحيث لا يبقى سوى معازل، وجيوب خالية من مقومات الحياة من هنا لا خيار لنا سوى العودة للجذور مرة اخرى ومن جديد وبمقدورنا ذلك فعلا ضمن توحيد الرؤية قبل فوات الاوان اي المقصود وحدة نضال الشعب الفلسطيني، وان اختلفت الساحات وخصوصية كل ساحة في الضفة الفلسطينية او قطاع غزة او الداخل المحتل او في دول الشتات والمنافي اي تتطابق الخطوات ضمن خطاب موحد عنوانه انهاء الاحتلال عن اراضي دولة فلسطين، وتكثيف الجهد السياسي، والخطاب الواحد مترافقا مع تفعيل المسار القانوني لمحاكمة دولة الاحتلال، والعمل على بناء جبهة دولية فعلية لمقاطعة دولة الفصل العنصري الاحتلالي عبر حركة تضامن واسعة وتوسيع حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات الدولية عليها بهذا يمكن المباشرة لابنلاج فجر جديد عنوانه الحرية والاستقلال لدولة فلسطين الان جبهة دولية عريضة تعيد القضية كقضية تحرر وطني للهيئات الدولية مثلما يعمل العالم الان موحدا في مواجهة كوفيد 19 الان ليتم العمل على انهاء الفيروس الاخطر والاكثر فتكا وهو الاحتلال والعنصرية .