لقد صبر الشعب الفلسطيني على إسرائيل وعلى احتلالها طويلاً، كما لم تفعل الجِمال من قبل، فقد مضت على الاحتلال خمسة عقود ونيف، وحين أظهر الشعب الفلسطيني غضبه على الاحتلال، بعد مضي عقدين على احتلال أرض دولته عام 67، فعل ذلك بشكل شعبي وسلمي، وأجبر إسرائيل أو نصفها، مؤقتاً على ما اتضح لاحقاً، على الاعتراف من حيث المبدأ بحقه في وطنه، وفي تقرير مصيره بإقامة دولته المستقلة، بانسحابها من أرضه المحتلة.
لكن إسرائيل نسيت انتفاضة العام 1987، وماطلت الشعب الفلسطيني في تنفيذ ما اتفق عليه بعد تلك الانتفاضة، بمتوالية تفاوضية، أظهرت أيضاً صبر الشعب الفلسطيني وقيادته، لكن إسرائيل مجدداً بأغلبيتها الحمقاء، لا تتعظ وتظن بان صبر الناس انما هو ضعف أو استسلام، ما يزين لها الإقدام على الفعل المجنون، من نمط «ضم» المحتل من ارض الشعب الفلسطيني.
ولعل إسرائيل قد تشجعت في مناسبة سابقة، نقصد إعلان دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، بسبب ما رأت أنه رد فعل غير رادع من قبل الشعب الفلسطيني المنهك بتهاوي الأشقاء، ومن جراء الانقسام، وتتالي اجراءات الاحتلال ومعه مستوطناته الاستعمارية، لذا فقد ارتأت الذهاب لآخر الشوط والوصول للنهاية، باعلان صريح ومتبجح بضم ثلث الأرض الفلسطينية المحتلة، بما يجعل من إقامة الدولة المستقلة أمراً مستحيلاً، وهي تظن بأن الفرصة سانحة، فالعرب اضعف من تحريك ساكن، والعالم مشغول بـ «كورونا» فضلاً عن أنه ليس عالماً عادلاً أصلاً، ومعها رجل أحمق يقود أقوى دولة في العالم.
يرى نتنياهو الملاحق بتهم الفساد والذي ينتظر المساءلة القضائية، ما بين قدميه، ويقرأ ما هو على السطح، ويرى في مناسبة «مرور» إعلان ترامب بالقدس، رغم أنه اقتصر_تقريبا_ على أميركا، ولم يحذُ الكثير من الدول حذو الدولة التي تقود الاستعمار والتسلط والهيمنة العالمية، ونسي دروساً أخرى، منها ثورة 65، صمود 82، انتفاضة 87، كذلك انتفاضة 2000، وحتى هبة البوابات الإلكترونية 2017، كما أنه لم يعاصر حركات التحرر في العالم، فلا يحتفظ بذاكرته مثلاً أن فيتنام مرغت أنف اميركا حليفته في الوحل، وطردتها من بلادها، وأن الجزائر كنست الاحتلال الفرنسي، الذي بالمناسبة كان اعلن عن ان الجزائر جزء من فرنسا، أي أنه ضمها، بعد احتلال دام 130 سنة متواصلة!
ما دامت اسرائيل/نتنياهو تصر على أن تكون عدواً، لا تفكر بالحل الوسط، بل بفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني ليس امامه من خيار سوى أن يقاوم الاحتلال، وإلا ان يقارع العدو، بكل ما لديه من قوة، وقوة الشعوب عادة تنتصر، لا تترك إسرائيل/نتنياهو من خيار لنا سوى الثورة، ولذا فإن الثورة تطرق الأبواب حقاً، وما هي إلا لحظة، وتنقلب طاولة حسابات السياسيين الحمقى، الذين لا يرون إلا ما هو امام انوفهم، وليس إلا ما بين أقدامهم.
والشعب الفلسطيني حين يعلن ثورته ضد الاحتلال، لن يكون وحيداً، فحتى الشعب الأميركي المنتفض ضد صاحب صفقة الضم، سيكون معه، وحتى الشعب الإسرائيلي، سيجد خلاصه من التطرف والتزمت،_وليس منه المستوطنون الاستعماريون بالطبع، ولا جنود الاحتلال_ في ثورة الشعب الفلسطيني، التي بدورها ستحرك المياه الراكدة في إسرائيل نفسها، كما حدث عام 1993، بسبب انتفاضة 1987 .
لم يتحرك الشعب الفلسطيني بعد، بل تحركت قيادته، ورأى بعض العقلاء من قادة العالم، الخطر الناجم عن نية المتطرف نتنياهو إعلان ضم الارض الفلسطينية المحتلة، بما فرض عليه ان يعيد حساباته، والى ان يفكر في سيناريوهات عديدة، منها الحديث عن ان اعلان الضم سيكون على مرحلتين، لتجنب رد الفعل الأردني على اعلان ضم أغوار البحر الميت، ومنها ان التنفيذ سيتطلب شهوراً، ومنها ان واشنطن لم تمنحه الضوء الأخضر بعد.
المهم ان الاستعداد للأول من تموز، اي الأسبوع القادم، جار على قدم وساق، لذا فان أركان العدو يجتمعون في واشنطن في الوقت الذي يبدأ الشعب الفلسطيني مرحلة نزوله للشارع، بدءاً من أريحا، عاصمة الأغوار المشمولة بقرار الضم.
والمواجهة على باب الدار، وعلى الأغلب فان اركان صفقة الضم سيبحثون عن مخرج ما لنتنياهو بعد ان تورط بمواجهة ردود فعل رسمية حتى اللحظة، دون ان يعني التراجع عن خطة الضم، بإعادة «دوزنة « نتنياهو الذي تحدث عن الضم فقط، ولم يتحدث كما يدعي الأميركيون عن ان الضم جزء من خطة تسوية، وكما يفضل غانتس، وستحاول عصابة الصفقة ان تتفق فيما بينها على مخرج، لذا فليس من قبيل الحكمة ان يهتم الجانب الفلسطيني كثيرا، بهذا، ولا بد من شحذ اقوى سلاح بيد القيادة الفلسطينية، وهو التحرك الشعبي.
واذا كان التحرك السياسي الأوروبي، مدفوعا بحركة الخارجية الفلسطينية، قد فرض اعادة تفكير لدى عصابة صفقة الضم، فان الشارع الفلسطيني كفيل بأن يسقط الصفقة من الأساس، ذلك ان احد المخارج التي تُطرح يتحدث عن اعادة التفاوض، وهذا يخضع لصراع مرير حول مرجعيات التفاوض، وحتى لا يتم اعتماد صفقة ترامب بما فيها أخطر ما فيها وهو الضم، لا بد من انطلاق الشارع الفلسطيني في كل مكان، لتحويل المسار من الصفقة الى الشرعية الدولية، كما حدث عام 1993، حين نجحت انتفاضة 87 بتحويل مسار العملية السياسية من مدريد، حيث تمثل الفلسطينيون بوفد اردني فلسطيني مشترك، الى أوسلو، حيث جلست م ت ف قبالة اسرائيل، لتتبادل وإياها رسائل الاعتراف المتبادل، ومن ثم لتوقع معها اتفاقاً، أسقطه اليمين بقيادة بينامين نتنياهو بعد ان ركب قارب الإرهاب الذي اغتال رابين، واكمل مسيرته بامتطاء ظهور المستوطنين، المستعمرين، ليبقى جالسا على مقعد رئيس الحكومة كل هذا الوقت .
وفي المواجهة الشعبية، ومن خلال الثورة على الأرض، يظهر المعدن الحقيقي للفصائل والقوى والقيادات، حيث لن تجدي الشعارات أحداً، كما لن ينفع الكلام الأجوف، والاستمرار في الجلوس على مقعد المناكفة أحداً، ولهذا ننصح كل الفصائل بأن تسارع للزج بكل عناصرها للنزول إلى الشارع، الذي سيضع بعد ان يسقط قرار الضم، حداً لحالة الانقسام .