جريمتا هذا الأسبوع، وهما الأبشع، اغتصاب طفلة على يد أفراد من عائلتها، وإلقاء أم ستينية في حاوية النفايات على يد أبنائها.. تضاف إلى سلسلة جرائم العنف الأسري التي نسمع عنها في كل يوم تقريباً، وجل ضحاياه من النساء والأطفال. وأشكال العنف الأسري عديدة: العنف اللفظي، والنفسي، والجسدي، والضرب، والإهانة، والحبس المنزلي، والتمييز، والعنف الاقتصادي والاجتماعي، مثل منع الزوجة من زيارة أهلها، أو منعها من رؤية أطفالها (المطلقة)، أو منعها من العمل إذا رغبت بذلك، وإجبارها على التنازل عن حقها في الميراث.. فضلاً عن حالات التحرش من قبل الأقرباء، وسفاح القربى... وصولا إلى القتل.
بالنسبة للأطفال، ما زالوا يتعرضون للضرب بشكل ممنهج، وهنالك حالات لحرمانهم من المصروف، أو إجبارهم على العمل، أو طردهم من البيت، وإذا كان الطفل ذا إعاقة (خاصة الإعاقات الذهنية) فغالباً ما يتم حبسه، وتقييد حركته، والتعامل معه كما لو أنه عار، وشيء مخجل.. إضافة إلى تزويج القاصرات بالإكراه والتخجيل، أو إخراجهن من المدرسة، أو حرمانهن من إكمال التعليم الجامعي، مع فرض رقابة مشددة على حياتهن الخاصة، وحرمانهن من التواصل مع المجتمع والحياة الخارجية.
 بعض القصص مروعة، ويندى لها الجبين.. وصلت في وحشيتها وقسوتها ما لا يخطر على بال الشيطان.. وفي حالات عديدة دفعت قسوة المعاملة والتعنيف والظلم بعض النساء إلى الانتحار.. أو طلب الحماية من جهات مختصة، أو طلب استشارة ودعم نفسي وحقوقي.. وهناك آلاف الحالات المنظورة أمام المحاكم، وأضعافها من حالات التبليغ للشرطة، فضلاً عن المسكوت عنها، ولا نسمع بها، حيث تؤثر معظم النسوة الصمت وكتمان الغيظ والقبول بالظلم، إما رغماً عنهن، أو خشية من الفضيحة، أو لاعتبارات اجتماعية، أو لعدم الثقة بالشرطة والقضاء.
المنظمات النسوية تنشر إحصاءات وبيانات تبين مدى انتشار العنف الأسري، وهي أرقام مرعبة فعلاً.. وحتى لو قلنا تجاوزاً إنها إحصاءات مبالَغ فيها، والقصص التي نسمع عنها ملفقة.. ولو اتفقنا جدلا أن حالات العنف الأسري بسيطة، ولا تشكل ظاهرة.. حتى لو كانت عشر حالات فقط، أو صفر.. وهناك فقط احتمالية أن يمارَس العنف الأسري.. مع ذلك هنالك حاجة ملحّـة وضرورية لسن قانون جديد، قادر على معالجة هذه الحالات، ومنع تفاقمها حتى لا تغدو ظاهرة، ومعاقبة المخطئين والجناة بما يكفي لردع غيرهم، وحماية حقوق المظلومين والضحايا. 
خاصة وأن القوانين السارية، والمحاكم، والتشريعات، وأخلاقيات المجتمع، وكل ما يُقال عن مجتمع الفضيلة، والشرف، والتكافل الأسري، والتضامن المجتمعي.. كل ذلك لم يمنع العنف الأسري، ولم يردع معتدياً، ولم ينتصر لمظلوم إلا في الحد الأدنى، بل إن الظاهرة تكاد تكون مستفحلة، وآخذة بالازدياد، سيما وأن ثقافة المجتمع والقوانين السارية تتساهل مع المعتدين، وتشجعهم على المزيد، وغالبا ما تلوم الضحية، أو تتخذ موقفا سلبيا، وتكتفي بالتفرج، ونشر الإشاعة، وأحيانا الإشادة برجولة المعتدي، حتى لو كان مجرماً! فالثقافة التقليدية تعتبر الأسرة (نساءها وأطفالها) ملكا شخصيا خالصاً للرجل، يحق له فعل ما يشاء (بما في ذلك الضرب والتعنيف والقتل)، فهو يربيهم، ويصرف عليهم.. ولا يحق للآخرين التدخل في شؤونهم الخاصة.
في ظل هذه المعطيات، أستغرب من الهجمة على قانون "حماية الأسرة من العنف"؛ فهل يريد المعترضون الإبقاء على الوضع كما هو؟ هل هم مرتاحون وفرحون بهذا الظلم؟ وأستغرب أكثر مما يقولونه عن القانون بأنه "يتضمن مخالفات واضحة ونصوصاً مصادمة لأحكام شريعتنا وقيم مجتمعنا، ومناقضة لما تقتضيه العقول السليمة والفِطَرُ المستقيمة، وبما يُفضي لتدمير الأسرة"!!! (بيان علماء الشريعة في فلسطين).
لقد اطلعت على القانون بكافة بنوده؛ ولم أجد فيه بنداً يتعارض مع الشريعة ومقاصدها، أو يهدد بتفكيك الأسرة، أو يتعارض مع قيم المجتمع، والذوق الإنساني.. إلا إذا كانت "العقول السليمة" و"الفطر المستقيمة" و"قيم مجتمعنا" تستسيغ القتل، وتفرح بضرب المرأة وشتمها، وتعنيف الأطفال واستغلالهم.
في البيان أوضح الموقعون موقفهم من القانون من خلال سبع نقاط، ولأن المقال لا يتسع لسردها بالتفصيل، سأوجزها على النحو الآتي:
"أولاً: القانون يفتح الباب لشكوى الابن على أبيه، والبنت على أمها، والزوجين على بعضيهما، وهذا سيُفكّكُ الأسُرَ، ويقضي على أسس المودة والرحمة".
لا يريدون للضحية أن تشتكي، حتى لو كانت ضعيفة ومظلومة، وعلى الذكور الاستمرار في ممارساتهم التعسفية دون خوف!
"ثانياً: انتهاك خصوصية الأسرة، وشَرعنة التدخل في شؤونها بإعطاء الحق لكل أحدٍ في المجتمع بالشكوى لدى الدوائر المختصة والاعتراض على طبيعة العلاقة الأسرية أو الزوجية".
على الجيران والمجتمع والمؤسسات أن تقف متفرجة وسلبية، وألا تتدخل لرفع الظلم، لأن في ذلك انتهاكاً للخصوصية! (لاحظوا التركيز على الشكوى، والاعتراض عليها).
"ثالثاً: القانون يعزز القِيَمِ الفردية والشخصية المتحررة من القيود الدينية والمجتمعية، ويدعو للتحلل من كل الالتزامات التي قررها الدين والمجتمع".
القانون لا يدعو لذلك، إلا إذا أرادوا أن يظل الفرد جزءا من القطيع، منقادا بلا حرية، وأن يسلّم حياته لتقاليد المجتمع مهما كانت متخلفة وظالمة!
"رابعاً: القضاء على أي سلطة تأديبية للوالدَين على أولادهما، أو للزوج على زوجته وأسرته".
الوالدان (والمقصود الأب) أن يكون مطلق اليدين بما يفعله بالأسرة، وهو دائما على حق، بينما الأبناء والزوجة مخطئون، وغير جديرين بالثقة، وعليه ردعهم وتأديبهم!
"خامساً: مناداة القانون بإلغاء الفروق الوظيفية بين الجنسين، والدعوة للمساواة التامة بينهما، وفي ذلك مصادمة واضحة لشرعنا وديننا".
يجب استمرار التمييز، والمساواة تكون فقط من وجهة نظر الذكور، وعلى مقاسهم!
"سادساً: مطالبة القانون بإلغاء كل ما يتعارض معه في القوانين الأخرى (قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات)، وفي ذلك إلغاء لأحكام شرعية، ومحاددة لله ولرسوله، وتحريم لما أحل الله، وإحلال لما حرّم..".
كلام إنشائي، وتعميمات، وأحكام مسبقة، وافتراضات غير صحيحة، ولا يوجد في القانون ما يشبه ذلك، إلا إذا أرادوا الإبقاء على قانون العقوبات المقر منذ ستين عاما كما هو، ودون تطوير، حتى لو احتوى على نواقص!!
"سابعاً: دعوة وزارة التربية لتعديل المناهج الدراسية، وتجييش الإعلام والجمعيات النسوية، بما يهدف لتكريس ما تضمنه هذا القانون المدمر من قِيَمٍ منحرفةٍ مدمرة للأسرة".
نشر الوعي بالحقوق والواجبات، يؤدي إلى تفكيك الأسرة! أما الظلم والعنف والقتل وتزويج القاصرات فيؤدي إلى تماسكها!