كتب رئيس التحرير: في كل اشتباك سياسي بين السلطة ودولة الاحتلال، يُوضَعُ الموظفون "بوز مدفع" أو دروعاً بشرية لأي مواجهة، في 2006 عندما استلمت حماس قيادة الحكومة، وفي أزمة فياض، وحكومة الحمدالله، كلها معارك طُحن فيها قوتُ الموظفين ورزق أبنائهم، "من فم سكات"، فلم يعترضوا ولم يتأففوا لإيمانهم بأنهم جزءٌ من هذا المشروع والحلم الكبير بإقامة الدولة وبناء مؤسساتهم.
آخر المعارك التي يدفع فيها الموظفون الثمن الأكبر هي معركة الضم، ووقف السلطة لجميع الاتفاقيات مع الإسرائيليين، ورفض استلام أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة)، ما أدى إلى هبوط حاد في إيرادات الحكومة، ليجعلها عاجزة عن دفع رواتب الموظفين.
أكثر من مليون فلسطيني هم الموظفون وعوائلهم ينتظرون منذ 57 يوماً صرف رواتبهم، لتسديد التزاماتهم والحد الأدنى لمعيشتهم، يبحثون بكل زاوية عن أخبار تطمئنهم عن الرواتب وموعدها، لكن لا شيء يجدونه، فالحكومة أغلقت أذنيها وغطت على عينيها، وكأن من واجب الموظف أن يظل "مغلقاً فمه" حتى تمُن الحكومة عليه وتعطيه "المغنَم" والراتب الفلكي الذي يتبخر في أول 5 أيام من الشهر!
صمت القبور يطغى على الحكومة ومسؤوليها بخصوص الرواتب، فلم يخرج أي مسؤول ليشرح الوضع المالي وموعد الرواتب بكل جرأة، لم يخرج أي أحد ليقول إن الحكومة لن تستطيع صرف الرواتب لهذا الشهر، ولم يخرج أحد ليقول إنها ستُصرف خلال فترة محددة مثلاً، أو جزءاً منها.
تعامل الحكومي "الجاف" مع موظفيها، وسلسلة الترقيات التي حدثت في بعض مؤسسات الدولة أشعل فتيل الغضب الشعبي، والسخط المتنامي على الحكومة، وزاد من الفجوة بين الشعب والقيادة، فالأب الذي لا يجد مالاً ليشتري حليباً لأطفاله لن يتردد بأن يكفر بحكومته!
هذه ليست المعركة الوحيدة التي كان عِمادها وأبطالها الموظفون وعوائلهم، لكن هذه المعركة مختلفة، لأن الموظفين شعروا أنفسهم حجارة شطرنج تُحرك لمصلحة اللاعب، وعند انتهاء اللعبة تُرمى جميع الحجارة في صندوقٍ خشبي دون الالتفات لها أو الاهتمام بها.
على مواقع التواصل الاجتماعي عبّر الموظفون عن سخطهم واستفزازهم من تصريحات الناطق الرسمي للحكومة والذي قال في إحدى مؤتمراته إن الموظفين شركاء في المغنم والمغرم! أي مغنم يتشارك فيه الموظفون مع الحكومة؟ هو راتب لا يسد رمق الناس، هل هذا هو المغنم ؟ الرواتب يا معالي الناطق الرسمي هي حق للموظف، وليست مغنماً، أنتم لا تصرفون للموظفين سبائك ذهب آخر الشهر!
لم تجب الحكومة عن سؤال الموظفين المُلح (متى الراتب) ولم تشرح الوضع المالي للسلطة، وهل السلطة باقية أم أننا سلمنا المفتاح، ولماذا نرفض المقاصة التي هي أموالنا؟ والحكومة لم تطمئن الموظف عن مصير الشيكات الراجعة والقروض والمحاكم والنقاط السوداء التي توضع في ملفاتهم، لم تضع آلية لدوام الموظفين تراعي ظروفهم وكيف سيتدبر مواصلاتهم مع تردي أوضاع الموظف يوما بعد يوم، لم تعالج الحكومة عدم قدرة الموظف تسديد فواتيره للكهرباء والماء وخاصة عدادات الدفع المسبق وغيرها من التزامات كثير شهرية على الموظف.
وفيما جيش الموظفين المتعثرين ينتظرون أي خبر عن الراتب حيث يتماسك صامداً بين الأمواج الهائجة من حجم الديون والالتزامات التي تخنقه من مختلف الجوانب، يُطل علينا سيل من تعينات وترقيات وتكليفات لا طعم ولا لون لها وبعيدة كل البعد عن القانون، والأصعب أنها ليست لموظفين عاديين بل كل الأسماء التي حصلت عليها هم أقارب المسؤولين المتنفذين، هذا الأمر كان صاعقة أكبر على نفوس الموظفين وحتى المواطنين من تاخر صرف الراتب، وأصبح الشارع في حالة غليان ليس على قرار الضم بل على ما يحدث في مؤسسات الدولة.
المطلوب سرعة صرف الرواتب أو وضع برنامج صمود للموظفين، وإلغاء علني للفلتان الإداري لتجار الحروب و وقف كل الترقيات والتعيينات التي تمت خارج القانون، قبل خروج الشارع وفقدان السيطرة، الجيوش لا تزحف على بطونها لمواجهة قرار الضم، وأولادهم أهم عندهم من أولاد أبناء الذوات، وواجبنا أن يكون الوطن للجميع.
نستذكر هنا ما كتبه الشاعر محمود درويش
سألني: هل يدافع حارس جائع عن دارٍ سافر صاحبها، لقضاء إجازته الصيفية في الريفيرا الفرنسية أو الايطالية؟
قُلْتُ: لا يدافع!