كتب رئيس التحرير: دخلت الموجه الثانية من فايروس كورونا بشكل مفاجئ وخطير، فانتشر في محافظة الخليل وبدأ العد في الإصابات بالمئات بدلا من العد بالآحاد، فوصلت أعداد الإصابات إلى ما بعد الـ500 إصابة في اليوم الواحد وإلى أكثر من 400 رغم الإغلاق الشامل لكل محافظات الوطن، وهذه أرقام مخيفة وتطلب إجراءات حاسمة والوقوف على أسباب تزايدها.
الحكومة أعلنت أن حوالي 82٪ من الإصابات بالفيروس سببه مخالطة الناس في الأعراس والاستهتار من المواطنين الذين لا زال الكثير منهم غير مؤمن بوجود الفيروس ويعتبر أن كل ما يجري مؤامرة، وللأسف تكرر الإهمال في بعض القرى والمخيمات وحتى المدن.
الحكومة سارعت بإتخاذ قرارات عاجلة وأغلقت جميع محافظات الوطن وبررت ذلك بالخوف من سقوط النظام الصحي وتعريض حياة الكثيرين من شعبنا للخطر بسبب عدم قدرتها على علاج من يحتاجون لذلك، فمثلاً لدينا 350 جهاز تنفس صناعي فقط في كل محافظات الوطن، وبالتالي ستقف الحكومة عاجزة عن إنقاذ المرضى إذا زادت أرقام من يحتاجون إليها عن هذا الحد.
الإجراءات الحكومية واجهت انتقادات عديدة رغم ضرورتها من قطاعات واسعة من شعبنا وخاصة أنها لم تراع أو توازن بين حياة البشر و وضعهم الاقتصادي، فهل الصدمة تجعل القرارات غير مدروسة ونذهب باتجاه القرار الأسهل؟ ولماذا لم يكن لدينا خطط إقتصادية وصحية جاهزة لكل الاحتمالات المتوقعة؟ علماً أنه كان لدينا 6 اشهر من الممكن وضع الخطط وإعداد التجهيزات الضرورية لشعبنا من أماكن حجر وطواقم طبية وطواقم رقابية وحتى لوائح وقوانين رادعة للمخالفين، للأسف كل ذلك لم يكن موجوداً.
الكثيرون تساءلوا عن سبب وجدوى إغلاق مدن ومحافظات فيها الخارطة الوبائية واضحة ومن الممكن السيطرة عليها عكس محافظات الخليل وبيت لحم ونابلس والتي استفحل فيها المرض، ما استدعى إغلاقاً شاملاً.
آخرون استهجنوا فتح البنوك في ظل إغلاق شامل و التي فيها ثلاث مقاصات جميعها تمس المواطن في حال عملت أثناء الإغلاق وتعطل العمل للشركات والموطنين والموظفين، المقاصة الأولى شيكات المواطنين والشركات الصغيرة وحتى الكبيرة داخل البنك الواحد وفتح البنك يعني صرف هذه الشيكات وحسابات الأغلب خاوية حيث الجميع لا يعمل ما يشعل خلافات وتحرير مخالفات تصل للمحاكم والاعتقال، والمقاصة الثانية بين البنوك الفلسطينية والبنوك الإسرائيلية وهي شيكات الشركات الإسرائيلية والتي في حال فتحت البنوك فإنه يتطلب تحويلها لهم وفي حال تعثرت يوجد إلتزامات وغرامات على الشركات والمواطن الفلسطيني لصالح الاحتلال أما المقاصة الثالثة فهي الشيكات بين البنوك المحلية والتي تعود للمواطنين والموظفين وجميعهم لا يعملون ولم يتقاضوا رواتبهم.
من الواضح أن معظم الإصابات نتجت من الأعراس والعزاء والعمال في الداخل الفلسطيني ولكنها لم تنتج عن فتح مصنع أو مطعم أو شركة تأمين أو نجار أو حداد، وما هو الخطر في حال ألزمنا كل منشأة ببرتوكول صحي؟ وفي حال ثبُت عدم إلتزامها تغلق ويتم تغريمها، وكيف نتخذ قرار الإغلاق دون وجود قدرة على تعويض المشاريع الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة وقبلهم جميعاً العُمال وخاصة من يعمل على بند المياومة؟ وما هو الخطر من عمل بليط أو عامل بناء أو نجار ؟
تساؤلات عديدة تُثار حالياً في محافظة الخليل التي تدفع أقل من نصف حجم الضرائب بقليل للسلطة الفلسطينية، حيث تتمحور حول الوضع الصحي في المحافظة ونقص الكادر الطبي والأمني، وفائدة الإغلاق في ظل وجودة مناطق واسعة لا تخضع للسلطة ولا تلتزم بالإغلاق.
الحكومة بدأت بخطوات ناجحة ومتقدمة في الموجة الاولى شهد لها الجميع، لكنها الآن تتخبط في قرارتها ولم تَعُد تستطيع الموازنة بين حياة البشر واقتصادهم. نُدرك تماماً أن فلسطين ليست دولة كباقي الدول والتي وزعت أموالا على شعوبها وعوضت الشركات والمواطنين، لكننا نستطيع تخفيف الضرر الصحي ومنع الانهيار الاقتصادي، فهل تدرك الحكومة خطورة خطواتها إذا استمرت بها؟ خصوصا أن هذا الفيروس يحتاج لسنوات حتى ينتهي، أو يصبح عادياً.
الخطوات غير المدروسة للحكومة قد تمنع انهيار النظام الصحي ولكنه بالتأكيد سيتسبب في انهيار اقتصادي، وهو انهيار إن حدث فإنه لن يبقي نظاما صحيا ولا اجتماعياً ولا أمنياً، عندها سينطبق علينا قول "نجحت العملية، لكن المريض توفي"، فما الذي سنستفيده من نجاح إجراءات مكافحة كورونا بهذه الطريقة إذا كانت ستؤدي إلى انهيارات وكوارث؟!
السمك لا يتم اصطياده بالحجارة، كذلك مكافحة كورونا لا تتم اعتباطاً ودون خطط يُعدها خبراء ومختصون.