حين التقى الأخوان جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في المؤتمر الصحافي قبل أسابيع للإعلان عن وحدة الحركتين ميدانيا لمواجهة صفقة ترامب وخطة الضم، أعلنا عن الشروع في تحديد آليات إطلاق المقاومة الشعبية لمواجهة خطة الضم، وكان ذلك قبل أيام من الموعد الذي كان قد حدده بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل، في الأول من تموز الحالي، للشروع في تنفيذ خطة الضم.
كان واضحاً ان تلك الخطوة قد أضافت في رصيد القوة، للسياسة الرسمية في مقاومتها الناجحة للخطة الإسرائيلية، والتي أجبرت نتنياهو، على تمرير الموعد دون القيام بأي فعل أو إعلان رسمي بالضم، ما كان من شأنه ان يهدئ الأجواء قليلاً، رغم أن خطر الضم ما زال ماثلاً، وكان المتابعون خاصة من الفلسطينيين الوطنيين، الذين رأوا في خطوة فتح وحماس المشار إليها، خطوة في الاتجاه الصحيح، من حيث هي تفتح الباب لوحدة ميدانية وفعل رادع على طريق مواجهة الاحتلال في القدس والضفة الغربية المهددة بالضم وإدامة الاحتلال بدلاً من تصفيته، كانوا يتوقعون، وما زالوا يعتقدون بأن آليات التنسيق الميداني بين الحركتين، ستبحث في الإطار العام ومن ثم التفصيلي والتنظيمي لإطلاق المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، على غرار التجمع الحاشد الشعبي والدولي الذي جرى في أريحا المهددة بالضم، في شهر حزيران الماضي.
المفاجئ في الأمر هو ما أعلن عنه لاحقاً، من تنظيم مؤتمر وطني، او مهرجان حاشد، يتضمن كلمات لكل من الرئيس محمود عباس ورئيس حماس اسماعيل هنية، إضافة الى شخصيات دولية عديدة، بهدف إطلاق المصالحة، والإعلان عن تشكيل لجنة تحضيرية للمهرجان، دون تحديد موعده الدقيق، رغم ان أحد قادة "حماس" المحليين في غزة، قال إنه سيكون قبل العيد، أي خلال الأسبوع القادم.
وما زال من غير الواضح فعلياً، تفاصيل او برنامج المهرجان، حيث كثرت الأقاويل عن وجود خلافات تتعلق بتلك التفاصيل، لكن الحديث عاد يدور حول انجاز المصالحة، وربما أيضاً يتحول الأمر للحديث عن إنهاء الانقسام، أي العودة لملف داخلي شائك، ما زال رغم مرور ثلاثة عشر عاما عليه، ورغم عديد اللقاءات بين الحركتين واكثر من اتفاق من اجل إنجازه، ما زال يراوح مكانه.
السؤال الجوهري او المركزي هنا، هو لماذا ينعقد المهرجان في غزة، والحديث عن مواجهة الضم، وليس عن كسر الحصار مثلاً، أو عن ملف المصالحة او إنهاء الانقسام الداخلي، الذي تجمع كل الأطراف على انه لم يعد يحتاج لا حوارات ولا لقاءات، ولكن يحتاج تنفيذ ما سبق واتفق عليه بين الحركتين.
الجواب يتعلق، برأينا، بحاجة حركة حماس الى فعل ما، ترفع رأسها به، بعد ان طأطأته قبل ايام، حين تم الإعلان عن وجود اختراق أمني إسرائيلي خطير في صفوف الحركة، كذلك معروف بأن حكم حماس العسكري ما زال يثقل كاهل الشعب الفلسطيني، كما يثقل كاهل السلطة الرسمية، ويضعف قدرتها على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الجاثم فوق كل شبر من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، إن كان ميدانياً أو سياسياً.
والحقيقة التي يجب عدم نسيانها أبداً، ولا في أية لحظة، هي أن حماس عنوان انشقاق وليست عنوان وحدة، والوحدة المطلوبة تكون على قاعدة مواجهة الاحتلال، وليس على أساس توزيع كعك السلطة، ومثل هذه الوحدة تتحقق في الضفة الغربية، وبين غزة والضفة، وليس داخل غزة، وفي حقيقة الامر أيضا، ومما تحقق فعلياً وفيما مضى من أيام، هو ان حركة فتح وبكل كوادرها واعضائها انخرطت في ميدان المواجهة بكتائب الأقصى وبكل ما تملك في مواجهة الحروب الإسرائيلية على غزة، اعوام 2008/2009، 2012، 2014، وحتى في مسيرات العودة، التي كانت تصر "حماس" خلالها على ان هدفها هو "كسر الحصار عن غزة"، كانت "فتح" في الميدان.
لماذا إذاً ما زالت حماس تتردد في النزول للشارع ولميدان مواجهة الاحتلال في الضفة الغربية، وما زالت تصر على القيام "بمقاومة" محددة الشكل والهدف، في الضفة، مضمونها تقويض السلطة، من خلال حشر تلك المقاومة في شكل واحد وحيد، هو المقاومة المسلحة، فيما المواجهة الشعبية، من خلال التظاهر والاحتجاج، تكون حين يتعلق الأمر بمعارضة السلطة.
ما دام ملف إنهاء الانقسام بعيداً عن أنف حركة حماس، وما دامت المصالحة متحققة الى حدود كبيرة، فليس هناك حالة من العداء بين الحركتين، وما دام من غير الوارد الاتفاق على تحقيق الاستحقاقات الدستورية والشعبية، بعدم إجراء أي انتخابات، خاصة داخل قطاع غزة، فلا حاجة لعودة الحديث عن المصالحة، فالأولوية للحديث عن الوحدة الميدانية في الضفة الغربية ضد الاحتلال، والحديث عن إنهاء فوري للانقسام، وغير ذلك مزيد من العبث وطحن للهواء الفاسد.
تتأكد مع ذلك، تفاصيل مهرجان غزة حين عقده، فحين يجري استعراض قوة "القسام" فإن ذلك يعني استعراض عضلات حماس تجاه كل من تسول له نفسه، بمحاولة وضع حد لحكمها العسكري القسري في القطاع، الذي رغم تحرره من الاحتلال عام 2005، إلا أن حكمها جعل منه عبئا على المشروع الوطني، بدلاً من ان يجعل منه رافعة، وقوة اسناد لمقاومة الاحتلال ولحركة تحرير الضفة الغربية والقدس من الاحتلال الإسرائيلي.
ولأن المهرجان احتفالي، فهو ليس إطلاقاً لتحرك او لحراك شعبي، عادة ترفضه حماس داخل غزة، ولا حتى في مناسبات وطنية مثل انطلاقات الفصائل أو ذكرى استشهاد ابو عمار، فهو يحرف البوصلة، وكأن عنوان الوحدة في غزة، وليس في رام الله، كذلك المشاركة الدولية، كأنها تهيئ العالم الخارجي لبدء التعامل مع غزة، فلو اقتصر الأمر على المشاركة الداخلية، لكان الأمر أقل وطأة، لكن يبدو ان حماس تضغط على جرح فتح، وهي تراها _وحيدة تقريباً_ في مواجهة ترامب/نتنياهو بالصفقة والضم، فيما هي حزب شقيق أو حتى دولة شقيقة، تتضامن معها بالقول وإعلان موقف الرفض، ورحمها الله من شر القتال.