قبل ثلاثة أيام منعت حركة حماس الصحف اليومية الصادرة في الضفة الغربية من الوصول إلى قطاع غزة. المنع جاء من وزارة الداخلية التابعة للحركة بحجة أن الصحف قد تحمل فيروس «كورونا»!!.
فيروس «كورونا»، أصبح شماعة لكل من يريد أن يحبط قضيةً أو مشروعاً أو أيّ إنجاز لا يريده، هذه الشماعة تعلق عليها «حماس» مختلف قراراتها وإجراءاتها التي تعتقد أنها تصب في ديمومة سلطتها؟!!
قرار المنع جاء من وزارة الداخلية، وعلى افتراض، ونحن في زمن الفضاء الافتراضي، أن وزير الداخلية هو صاحب القرار، على اعتبار أن هناك حكومة واحدة ووزارة داخلية واحدة ووزير داخلية واحد، فإن رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية طبعاً لم يوقع ولم يستشر ولم يعلم، وما حصل أن القرار جاء من «داخلية حماس» أو «داخلية غزة»... وعندما يتكرر هذا المصطلح تصبح الأمور مثيرةً للضحك أكثر من الاستغراب؛ ما يؤكد أن «حماس» على أرض الواقع هي السلطة الفعلية، وهي الحكومة وكل شيء في قطاع غزة شاء من شاء وأبى من أبى، وأن حكومة الوفاق أو الاتفاق ذر للرماد في العيون ليس إلا، أو لنقل هي مجرد ورقة توت استخدمتها «حماس» في السنوات الماضية، لتأكيد سطوتها.
ولكن لماذا إقحام الصحف مرةً جديدةً في قضايا الانقسام؟ ولماذا إعادة فتح الجرح النازف الذي يكوي وعينا بأن الحاكم بأمره هو «حماس؟ أم أن كل الإجراءات تحت مسمى المصالحة والوحدة والاتفاق على نضال مشترك ومصير واحد ليست إلا إجراءات زمنية مرتبطة بمصالح الحركة ليس أكثر.
وعليه، يبدو أن توقيع الاتفاقات الثنائية أو المتعددة من أجل إنهاء الانقسام اللعين، ليست إلا مجرد لعبة شطرنج تمارسها حماس بحنكة، وعندما تشعر بالخطورة تمدد اللعبة.
في قطاع غزة، عشرات العائلات تعتمد في دخلها على الصحف، سواء من المحررين أو المراسلين أو الموظفين في مكاتبها، وعلى الرغم من إجراءات «حماس» السابقة فقد أبقت الصحف على مكاتبها وموظفيها لأنها لا تعترف بالانقسام، ولا بتعدد السلطات، حتى وإن كان بالقوة الجبرية.
هذه هي المرة الثالثة التي تمنع فيها الحركة توزيع الصحف في القطاع، وفي كل مرة هناك حجج واهية، لكن هذه المرة جاء المنع مغلفاً بـ «فيروس الاستهبال» هذا الفيروس القائم على نظرية حجر الصحف اليومية لمدة 48 ساعة لتتأكد «حماس» من أنها لا تحمل «كورونا» من العالم الآخر، أي السماح بتوزيع الصحيفة بعد 3 أيام على صدورها، أليس هذا فيروس «الاستهبال»؟ ولا نريد أن نعلق أكثر على هذا الفيروس ومصدره.
القضية الأهم أنه في كل العالم المتحضر الغربي سواء في أوروبا أو أميركا أو اليابانو والصين لم تقم هذه الدول بمنع الصحف من التوزيع، بل على العكس تماماً، ففي مدينة نيويورك ارتفعت مبيعات صحيفة «نيويورك تايمز» في ظل الجائحة؛ لأن المواطن هناك ما زالت ثقته بالصحيفة أكثر بكثير من وسائل التواصل الاجتماعي التي أثبتت الأيام الكم الهائل من الأخبار والمعلومات الزائفة وغير الدقيقة التي تنشرها، وبالتالي فرضية أن الصحف تحمل الفيروس هذه لم توجد إلا في مخيلة الدونكوشوتيين؟!
وللعلم، فإن الصحيفة الورقية أكثر أمناً، بما لا يدع مجالاً للمقارنة، من العملات الورقية المتداولة بين أيدي الناس.. الصحيفة تطبع بمواد كيماوية وأحبار وتحت درجات حرارة عالية جداً لا يمكن لأي فيروس أن يعيش فيها، ويتم ترزيمها إلكترونياً، والمطابع معقمة، وبالتالي فعن أي برتوكول طبي تتحدث سلطة حماس.
الحديث يدور عن احتمالية نادرة تتمثل بتدوير مجموعة كبيرة من الناس صحيفة واحدة شرط أن يكون بينهم مصاب، وهذا الاحتمال على ضعفه لا يصلح في قطاع غزة حتى؛ كونه يخلو من الإصابات.
في ظل العالم المفتوح تبدو الرقابة العسكرية والمنع تحت حجج جاهزة لا قيمة لها، ولكن للأسف في عالمنا العربي تعود السلطوية بمفهومها النظري إلى الواجهة من جديد وبأشكال متعددة.
تستطيع حركة حماس أن تمنع الصحف وأكثر من ذلك، تستطيع الاستمرار في تقسيم الوطن، وتستطيع أن تضحك على الجميع، وفي كل مرة تحت مسمى جديد للمصالحة، ولكن بهذه العقلية نطلب من الله حماية قضيتنا وأرضنا واقتصادنا من قرارات الجائحة.