كتب رئيس التحرير: لو كان ما يجري في فرنسا الآن يجري في أي مكان في العالم لكان الأمر مختلفاً، فباريس عاصمة الحريات والديموقراطية تدخل في مربّعٍ حاولت منذ عشرات السنين الابتعاد عنه.
من المسلَّمات أن التطرف مرفوض من جميع الشعوب والاديان، وأن احترام الأديان مبدأ تتفق عليه الأمم والديانات وتضمن حرية الاعتناق والممارسة.
قبل الخوض في محاولة فهم ما يجري في فرنسا الآن، لا بد من الانطلاق من حقائق ربما تكون مغيبة عن البعض: فأولاً: ما يجري في فرنسا ليس بدافع ديني، أي أن الاستهزاء بالنبي محمد لا هو تعصب للمسيحية ولا هو هجوم على الإسلام، فما يجري لا يتعدى كونه استغلال انتخابي من رئيس "غبي" سياسياً لم يقدم لشعبه شيئاً، فأمسك بهذه الجزئية لمحاولة لملمة اليمين المتطرف حوله. ثانياً: إن الرأي العام الفرنسي لا يلتفت إلى الأديان، ولا تعنيه بالدرجة الأولى، فما يهم الشعب الفرنسي هو مستوى الرفاهية والدخل والوضع الاقتصادي والأمن الداخلي. ثالثاً: منطلقات ماكرون الآن لا تلتفت أبداً إلى المصلحة الفرنسية، بل إلى مصلحته الشخصية ونجاحه في جولة أخرى من الحكم.
الصادم والغريب أن يخرج رئيس دولة تفتخر بالحريات مثل فرنسا ويهاجم الإسلام والمسلمين واصفاً إيهام بالإرهاب والجنون، إنه خطاب الكراهية وخطاب العنصرية وخطاب الفتنة الذي يُفرخ العنف والارهاب ويدعم الأحزاب اليمينية ويعرض حياة كل المسلمين في فرنسا وغيرها للعنف والاستهداف كما حدث في جريمة نيوزلاندا التي سقط فيها تقريبا 70 ضحية أثناء صلاتهم في المسجد.
التطرف موجود في أوروبا وأمريكا وافريقيا وآسيا وبين اليهود والمسيحين والمسلمين والبوذيين، ومحاربته لها أصول ويجمع عليها الجميع، لكنها لا تعطي أي شخص الحق بتعميم تلك الظاهرة على دين معين أو بلد معين بمجرد ارتكب شخص تلك الجريمة، فمن قام بجريمة قطع رأس الاستاذ هو فرنسي المولد والاقامة والتربية فهل نطلق على الفرنسيين صفة الإرهاب والتطرف؟!؟ وكيف نصف أنه شيشاني وهو لم يصل الشيشان إلا زيارات معدودة؟ ولكن نستطيع أن نقول أنه صنيعة ماكرون وأمثاله ممن يشعلون نار الكراهية بين الأديان والشعوب.
إن من عّلم ثقافة قطع الرؤوس لهذا المجرم مرتكب جريمة نيس هو فِكر ماكرون وأمثاله رعاة الارهاب وداعميه في سوريا وليبيا وأصحاب سجل الجرائم والذبح في الجزائر، ففرنسا ما زالت تحتفظ ب 18 الف جمجمة بشرية من مستعمراتها في العالم من آثار اجرامها وارهابها في العالم، هذه الصور والجماجم (وكل الجماجم من بلدان خارج أوروبا) في متحف الإنسان "Musée de l'Homme" الموجود بباريس !!! وليست في بلد الضحايا مثل الجزائر ولبنان وسوريا.
لم أتفاجأ من الهجوم الدامي والإجرامي في مدينة نيس ولن اتفاجأ من أي هجوم لاحق في فرنسا وحتى أوروبا، وأقول لماكرون انت المسؤول بالدرجة الأولى عن ذلك، والمتطرفون الاجراميون استغلوا هذه الفرصة وهذه التصريحات او تعمدوا ذلك. وعلى الجانب الآخر سيتصاعد اليمين المتطرف الفرنسي أكثر وأكثر وبالتأكيد سيساعد هذا الهجوم بنمو الحقد والكراهية بين الأديان وبين أبناء البلد الواحد وأولهم فرنسا، وسيصعد اليمين المتطرف أكثر في فرنسا، ويقابله صعود متطرفين من الطرف الآخر.
الرسومات المسيئة للرسول الكريم الذي هو قدوة 2 مليار مسلم حول العالم هو عمل مدان وأغرب ما فيه تشجيع الرئيس ماكرون الرسامين على ذلك؟ هل يرغبوا بحروب أهلية؟ وهل بهذا سيجعلون المسلمين في فرنسا يتركون دينهم؟ أو هل ذلك يحد من انتشار الإسلام؟ و هل حرية الرأي والتعبير تكمن بأن يسخر الرسامون من الرسول محمد عليه الصلاة والسلام الذي يعتبره المسلمون حول العالم قدوتهم وحبيبهم.
سياسة غبية وعنصرية من ماكرون أشعلت فرنسا وستشعل العالم والتي لم يعرف خطورتها، وهذه بإجماع الجميع ليست حرية رأي وتعبير يا ماكرون!؟. فرنسا سحبت سفيرها من تركيا بسبب ان الرئيس اردوغان قال ان رئيسها مريض نفسي، والسؤال لماذا لم تعتبرها فرنسا حرية رأي وتعبير من اوردغان؟
ماكرون ومن قطع رأس المعلم في فرنسا وقتل الثلاثة في نيس مجرمون، لا هو دافع عن فرنسا والفرنسيون ولا الآخر دافع عن الاسلام والنبي محمد الذي يقول لماكرون وامثاله: (لكم دينكم ولي دين )، ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقال تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
هناك جزء كبير من المسلمين المتطرفين أو الذي يعملون وفق أجندات تدعم التطرف في فرنسا ممن يحاولون فرض التعاليم الدينية الإسلامية في فرنسا التي احتضنتهم وأمنت لهم المساجد وحرية العبادة والتعبير أكثر من دولهم العربية، يمارسون بث الكراهية والعنصرية وعدم احترام فكر الآخرين وعملهم، وهذا يساعد أمثال ماكرون بالهجوم على الأسلام والمسلمين والعمل على الخوف منهم والعمل على طردهم وحتى قتلهم. لماكرون وهؤلاء نقول: اوقفوا خطاب الكراهية، العالم سيلفظكم وكل الديانات تلفظكم، الدين محبة، والانسان له الحرية والكرامة لن يقبل فكركم.
ملاحظتان:
- لماذا تعرض فرنسا رؤوسنا في متحف إلى يومنا هذا؟ بينما لم نر بعد رأس الفرنسي المغدور او المذبوح؟ أليس في هذا إشارة إلى المسكوت عنه في الوعي أو اللاوعي الغربي؟ حيث قدسية الإنسان تخص فقط الأبيض الأوروبي، وقد تكون عملية نيس مبالغاً بها و جزءاً من الدعاية المزيفة لدعم افكار ماكرون ضد الاسلام والمسلمين.
- في ظل حملة المقاطعة ضد المنتجات الفرنسية، أليس من الواجب التفكير جدياً بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية التي تصب في صالح جيش الاحتلال، والمنتجات الأمريكية كجزء من عقاب الشعب الفلسطيني لإدارة ترامب التي سعت بكل ما تستطيع لشطبنا من الوجود والخارطة؟