رام الله- خاص لـ صدى نيوز: بعد الإعلان المبدئي عن فوز المرشح الديموقراطي للانتخابات الأمريكية جو بايدن كثرت التوقعات السياسية بخصوص القضية الفلسطينية وتعاطي الإدارة الأمريكية معها، ومآل الأزمة الاقتصادية للحكومة الفلسطينية المتمثلة بالأساس في عدم استلام أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة (المقاصة).

وتعددت مصادر المعلومات التي صرحت لوسائل إعلام محلية وعربية عن قرب أو عدم قرب انتهاء أزمة المقاصة وقبول أو عدم قبول السلطة الفلسطينية للأموال، لكن إلى أين وصل هذا الملف؟ 

خبير اقتصادي: القرار لم يعد فلسطينياً

المحلل الاقتصادي د. نصر عبد الكريم قال في حديث خاص مع صدى نيوز إن قرار استلام أموال المقاصة لم يعد فلسطينياً، ولا حتى أمريكياً، فهو بات قراراً إسرائيلياً بحتاً ولن تقوم تل أبيب بتسليم الأموال مجاناً.

وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي سيطلب مقابلاً لهذه الأموال، ما يعني ذلك أنه سيطلب تنازلاً سياسياً وثمناً تدفعه القيادة مثل قبول صفقة ترامب وإعادة التنسيق الأمني والمدني مع إسرائيل والعودة إلى الاتفاقيات التي أعلنت السلطة أنها باتت في حل منها.

ورجح د. عبد الكريم عدم حدوث أي تقدم في ملف أموال المقاصة خلال الشهور الأربعة المقبلة.

وأشار عبد الكريم في حديثه مع صدى نيوز أن المراهنة على أن بايدن سيبدأ في حلحلة المسألة الفلسطينية تلقائياً بعد فوزه هو أمر غير دقيق، حيث أن لدى بايدن العديد من الملفات المهمة من وجهة النظر الأمريكية، ولن يكون له وقت للنظر في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية إلا بعد أشهر من تسلمه الحكم.

وأوضح أن القيادة الفلسطينية كانت قد أخذت موقفاً جاداً في قطع الاتصال مع الإسرائيليين والتحلل من الاتفاقيات معها وقطع التنسيق الأمني والمدني، لكن القيادة لم تضع خططاً لما بعد هذا القرار.

وأشار إلى أن الفلسطينيين لم يكونوا جاهزين لاتخاذ مثل هذا القرار، ولم نثبت لإسرائيل أننا جادون في المضي بهذا القرار.

هل السلطة قادرة على الاستمرار ؟
وأشار عبد الكريم لـ صدى نيوز أن السلطة الفلسطينية ستكون أمام خيارين اثنين، فإما دفع ثمن هذا القرار سياسياً أو اقتصادياً، بمعنى أن السلطة إذا استمرت بقرارها فإنها ستخسر اقتصادياً، وإذا تراجعت عن قرارها فإنها ستخسر سياسياً.

وتابع أن الانقسام الفلسطيني والتطبيع العربي ساعد في إضعاف الموقف الفلسطيني، وتقوية الموقف الإسرائيلي.

وأوضح أن الشعب الفلسطيني بات محايداً تجاه القضايا الوطنية، فهناك العديد من المناسبات الوطنية الهامة التي حدثت خلال الأشهر الستة الماضية، حلّت ولم يحرك الشعب ساكناً، ما يطرح سؤالاً مهما: هل لدى الشعب القوة للاستمرار وفرض تغيير للمعادلة على الأرض؟

وأشار المحلل السياسي إلى أن الحل هو تسخين الحالة مع إسرائيل، والخروج من مرحلة البرود، التي لن تدفع إسرائيل إلى تغيير نهجها وطريقة تعاملها مع الملف الفلسطيني.

كان زمان.. إسرائيل غير معنية بانهيار السلطة 

وقال د. نصر عبد الكريم إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كانت في السابق توصي المستوى السياسي بعدم التصعيد مع السلطة وعدم الضغط عليها اقتصادياً خوفاً من انهيارها، لكن الواقع تغير الآن.

وأضاف أن إسرائيل أخضعت العلاقة مع السلطة  لاختبار خلال الأشهر الستة الماضية التي توقف فيها التنسيق الأمني، ووجدت أن غياب التنسيق مع السلطة لا يؤدي إلى إحداث أي ضرر على المستوى الأمني في إسرائيل.

وتابع أن إسرائيل باتت ترى بعد عدم تضررها من وقف العلاقة مع السلطة أنه لا أهمية لوظيفة السلطة أصلاً، فيما باتت تمتلك خيارات وبدائل لوجود السلطة أو عدمها.

الأتيرة: لن نقدم أي تنازل 
في السياق ذاته، قال عضو المجلس الثوري لفتح مستشار رئيس الوزراء عبد الإله الأتيرة لـ صدى نيوز أن القيادة الفلسطينية لن تقدم أي تنازل مقابل أموال المقاصة.

وأضاف أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن تغير نهج أمريكا في مساندة إسرائيل والحفاظ على تفوقها في المنطقة.

وأشار في حديثه مع صدى نيوز إلى أن بايدن سيقوم مثل أوباما بإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وليس حله، مؤكداً أن السياسية الأمريكية ستظل معادية للقضية الفلسطينية.

وتابع أن القيادة الفلسطينية عانت من ضغوطات كثيرة وكبيرة من مختلف الأطراف العربية والأمريكية والإسرائيلية لتقديم تنازلات، لكنها رفضت، وستستمر برفض أي قرارات أو إجراءات تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني.

وتابع أن القيادة في انتظار تنفيذ دعوة الرئيس بعقد مؤتمر دولي للسلام، تناقش فيه المسألة الفلسطينية وحلها على أساس المرجعيات والقرارات الدولية.

وعن أموال المقاصة، قال الأتيرة لـ صدى نيوز إن أموال الضرائب هي حق للفلسطينيين، وإذا كان استلامها مرهوناً ببعض التنازلات فإننا لن نستلمها، مضيفاً أن إسرائيل أيقنت أن الضغط المالي على السلطة لن يؤتي ثماراً.

السلطة .. في انتظار أمرين!
يبدو أن السلطة الفلسطينية في انتظار أمرين اثنين، وهما استلام بايدن رسمياً للسلطة أي بعد 20 يناير 2021، وبدء نقاشاته بالملف الفلسطيني، حيث من المرجح أن لا يسلك موقفاً متشدداً كسلفه ترامب.

الأمر الثاني هو مؤتمر السلام الذي دعا إليه الرئيس عباس، حيث تنتظر السلطة حدوث هذين الأمرين لمعرفة أين تتجه الأمور في المنطقة خصوصاً في ملف الصراع مع إسرائيل، وهو ما يعني أن الأزمة الاقتصادية للسلطة ستطول إلى أشهر أخرى، ما يعني تهديداً حقيقياً لوجود السلطة في ظل احتمالية أن لا تقدم البنوك قروضاً أخرى للسلطة، ما يعني أن الموظفين سيستمرون بتقاضى نصف راتب في أقصى تقدير حتى الربع الأول من العام القادم.

وبين هذين الأمرين يُمكن أن تًحل أزمة المقاصة فجأة، في ظل الحديث عن مساعٍ متعددة لفكفكة الملف، في حين تظل الأيام وقرارات السلطة وإسرائيل والإدارة الأمريكية هي الحاسمة.