كتب رئيس التحرير: ألف مرةٍ قرع ضحايا السلاح العبثي جدران الخزان، ألف ثقبٍ أحدثته أسلحة الزعران في ذلك الخزان الذي لم يسمع لطرقه أحد، ولم يهتز لفقدان الأعزة والأحباب قلبٌ من صناع القرار وراسمي السياسات، ليظل الجرح مفتوحاً بل متعفناً، ولا سبب لعدم مداواته إلا أحد أمرين: الخوف من حفنة الزعران، أو الاشتراك في هذه الزعرنة!
في العلوم السياسة يُنظر إلى الدولة بأنها مُحتكرة العنف، فهي وحدها من تمتلك سلطة ممارسة العنف، والمقصود هنا استخدام القوة في فرض القانون وأن تكون وحدها صاحبة وممتلكة السلاح الذي من المفترض أن يكون للدفاع عن الأوطان (فقط).
حتى صانعو الأسلحة، وهم يصنعون ويفكرون ويبتكرون لم يكن في حسبانهم أن تُستخدم منتجاتهم للأفراح والأتراح، للأعراس والمناسبات، للطهور أو التخرج من الجامعة، فلهذه المناسبات طقوسها ومصانعها التي تنتج ألعاباً نارية تستخدم من قبل مختصين أو أحبال زينة، وليس أسلحة أم 16 وكلاشينكوف!
في بلدنا، قُلبت هذه الآية، فالمتظاهرون يطلقون الألعاب النارية على جيش الاحتلال الإسرائيلي وفي الأعراس يُطلق الرصاص الحي بغزارة، بل تُفتح جبهات وجبهات!
فوضى السلاح ملف خطير، وإسفين آخر يُدق في نعش حُلم شعبنا، تُدفن قصة هذه الفوضى، ثم تظهر مع فقدان بريء، ونبدأ نحصي خسائرها، فمنذ بداية العام سقط 32 فلسطينياً قتلى نتيجة السلاح العبثي، هذا عدا عن المصابين بإعاقات!
لا نسمع من السلطة التنفيذية التي هي مُجبرة بحكم القانون على سوق زعران السلاح إلى السجون إلا التصريحات النارية في مآتم ضحايا السلاح المأجور، حتى إذا انقضت أيام العزاء هدأ الوضع وعادت "حليمة إلى عادتها القديمة"!
فوضى السلاح العبثي وصلت إلى كافة المدن والمخيمات، بتغذية من الاحتلال الذي من مصلحته أن يذبح الشعب بعضه!
كم مرة تحولت تصريحات المسؤولين والمحافظين إلى أفعال؟ كم مرة ضُربت أوكار تجار السلاح ورؤسائهم؟ لماذا لا يُكشف عن من يقف وراءهم؟
هذه المعضلة الخطيرة التي تواجه شعبنا بأكمله تستلزم معالجة بطريقة مختلفة، فقبل اعتقال "الزعران" واجب على السلطة التنفيذية مساءلة كل المسؤولين في المحافظات، وإقالتهم بمجرد إطلاق رصاصة في جنازة أو عُرس إذا لم يُقبض على الفاعلين.
الحكومة في هذا الملف ووزير داخليتها الذي هو رئيس الوزراء مسؤولون أمام الشعب وأمام دموع الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن بالسلاح العبثي، كل مسؤول في هذا البلد في قفص الاتهام بنفس المستوى، كل المسؤولين مدانون حتى تثبت براءتهم من هذا الملف الخطير!
سلاح هؤلاء معروف مصدر تمويله، فهو يختبىء عند اقتحامات المستوطنين أو جنود الاحتلال، ولا يظهر إلا في شجار داخلي أو تخريب فرحة أسير أو عريس أو ناجح في الثانوية أو الجامعة!
فقدت طولكرم قبل أيام شاب من خيرة أبنائها وفقدت الرام آخر وقبلها قباطية وبلاطة ونابلس، كلهم فقدوا أرواح أعزاء من أطفال وشيوخ ونساء، كلهم أبرياء ذهبوا من أجل ان يُسمعنا أحدهم صوت عواء رصاصاتهم.
آن الأوان أن يخرج الشارع بكل فئاته ليقف في وجه هؤلاء وفضح المُقصرين حتى سحب آخر قطعة سلاح من بين أيديهم، وأن يُجبروا الأجهزة التنفيذية أن تمارس دورها الذي أسست له.
المطلوب بشكل عاجل اعتقال كل من ثبُت أنه خرج في سلاحه غير الشرعي بأي مناسبة وصورهم تملأ وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وإيقاع عقوبة رادعة بحقهم.
تهاون الأجهزة المعنية والمسؤولين جريمة واجب المحاسبة عليها، والبندقية غير الوطنية قاطعة طريق، هذا شعار الثوار فما بالكم في بندقية تمولها جهات مشبوهة فقدت أي معنى للوطن والمواطنة.
لكن، هل نترك أبناءنا لرؤساء عصابات السلاح؟
بعد كل هذا الحديث عن فظاعة ما يتم من استعراضات وإطلاق نار، هل فعلاً نحتاج لتصنيف من يحملون السلاح من شباب وزعران في بند المحكومة عليهم بالإعدام أو التأبيدات؟
من أوصل هؤلاء الشبان إلى هذا الطريق الذي في أحيان كثيرة لا رجعة عنه؟
الدولة، هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن هؤلاء الشبان، هي المسؤولة عن انزلاقهم لهذا المربع، فلو وجدوا فرص عمل لما أصبحوا قاطعي طريق، ولما حملوا السلاح ليكونوا رجال فلان أو علان!
لو وجد هؤلاء وظائف محترمة، ومصادر دخل محترمة، لتركوا هذا الطريق الموحل، ومن لم يتركه منهم يكون الأوان قد آن للجهات المختصة أن تزج به في سجن لا يخرج منه إلا وقد تعلّم أن ما كان يمارسه جريمة بحق نفسه ووطنه ودينه وضميره!
"لا يموت الذيب ولا يفنين الغنم"، لا نريد أن يُقتل أبناؤنا الذين يحملون السلاح، لا نريد للزعران الذين هم أبناء وطننا أن يسيل دمهم كما أسالوا دماء بقصد أو بغير قصد، نريد لهم أن يعودوا للطريق الصحيح، عبر برامج لدمجهم وتوفير فرص العمل، والتخفيف من نسب البطالة!
نريد أن يصان الدم الفلسطيني، لأنه دم مقدس! نريد أن يعمل كل مسؤول بمسؤولية، أن يُسحب السلاح، وأن يعاقب من يصر على جريمته، نريد للسلاح أن يكون إما سلاح ثورة أو سلاح سلطة، (فقط).