دقت طبول الحرب
رام الله - صدى نيوز - نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا استعرضت مختلف تصورات بعض الكتّاب للتغييرات التي من المحتمل أن تطرأ على المجتمعات مستقبلا.
ومن أبرزهم الكاتب جورج فريدمن، الذي سلط الضوء على التحدي الذي ينتظر القوة الأمريكية في كتاب تحت عنوان "المائة سنة القادمة: سيناريو للقرن الحادي والعشرين".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته إن "جورج فريدمن تعمد الأخذ بعين الاعتبار السياق الجيوسياسي الحالي. وقد سبق توزيع الكتاب، الذي نشر خلال شهر كانون الثاني/ يناير سنة 2009، إعلان إفلاس بنك "ليمان براذرز" بأشهر معدودة، معلنا دخول النظام المالي العالمي في أزمة".
وذكرت الصحيفة أن فريدمن نشر كتابه في وقت غير مناسب، حيث دافع فيه عن فكرة أن الولايات المتحدة ستكون الدولة المسيطرة خلال القرن الحادي والعشرين بفضل قوتها الاقتصادية والعسكرية. لكن، تزامن ذلك مع إفلاس البنك الأمريكي "ليمان براذرز".
من جهته، رد فريدمن مدافعا عن كتابه، "لقد اعتقد البعض أن تنبؤاتي فشلت منذ البداية بما أن الاقتصاد الأمريكي ينهار ولا يبدو أنه سينتعش من جديد".
وبعد أشهر على نشر فريدمن لكتابه، استعاد الاقتصاد الأمريكي مكانته. والجدير بالذكر أن مركز "ستارتفور"، وهي مؤسسة أمريكية استخباراتية خاصة، قد ساهم في نشر كتاب فريدمن، علما بأن الكتاب قد حقق المركز الخامس على قائمة أفضل الكتب مبيعا، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وبينت الصحيفة أن الولايات المتحدة لازالت تحاول تجاوز الأزمة المالية الحادة، التي دخلت في مرحلة الركود، ولكن لا يمكن تشبيهها بالأزمة الاقتصادية التي مر بها العالم سنة 1930. ومن هنا، استنتج فريدمن أن هذه الأزمة الاقتصادية ستدفع باقي دول العالم إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة للخروج من الركود الاقتصادي.
ووفقا لفريدمن، سيتم الاستنجاد بالولايات المتحدة نظرا لتاريخها الحافل بالتدخلات، نذكر على سبيل المثال تدخلها "الكارثي" في العراق، الذي كلف أقل مما كنا نتصور. فقد تم إرسال أقل من 200 ألف جندي أمريكي إلى العراق، خسرت منهم أقل من خمسة آلاف، وهي نسبة تعادل من ستة إلى ثمانية بالمائة من الخسائر المسجلة في الأرواح مقارنة بحرب الفيتنام، وتعادل واحد بالمائة مقارنة بخسائر الحرب العالمية الثانية.
ودعمت الصحيفة حجة فريدمن بالميزة الجيوسياسية التي تختص بها الولايات المتحدة عن غيرها، إذ لازالت تراقب جميع المداخل البحرية في العالم. كما لا تعتبر هذه الميزة مجرد قاعدة أمنية للولايات المتحدة، وإنما تعزز أيضا من قدرتها على فرض النظام العالمي الذي تريده.
وبعيدا عن الأزمة المالية، أكدت الصحيفة أن الكاتب الأمريكي قد نقل رؤيته الخاصة للمستقبل الذي سيكون نتيجة للوضع الجيوسياسي العالمي. وفي هذا الصدد، يتوقع فريدمن أن القوى الناشئة، والمقصود هنا كلا من روسيا والصين، سوف تنهار بسرعة. فضلا عن ذلك، يتصور فريدمن اندلاع حرب عالمية ثالثة بحلول سنة 2050، ستكون أطرافها كتلتان متفرقتان.
وأوضح فريدمن رؤيته عن الكتلتين، حيث ذكر أن الكتلة الأولي ستؤسسها الولايات المتحدة والتي ستضم كلا من بولونيا، زعيمة أوروبا الشرقية مستقبلا، والمملكة المتحدة، إضافة إلى الهند والصين. أما الكتلة الثانية، فستكون عبارة عن تحالف يجمع بين تركيا واليابان.
وقالت الصحيفة إن "فريدمن يعتقد أن فتيل الحرب بين هاتين الكتلتين سيشتعل نتيجة هجوم مباغت يقوده الأتراك واليابانيون".
وحسب الكاتب، لا تنوي هذه الدول من خلال هذا الهجوم المباغت احتلال أو تدمير الولايات المتحدة، وإنما تعملان فحسب على حماية مناطق نفوذهما، خاصة شمال غرب المحيط الهادئ بالنسبة لليابان، والشرق الأوسط بالنسبة لتركيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن توقعات فريدمن بحرب أخرى امتدت لحدود سنة 2080، حيث يتوقع أن تندلع حرب بين الولايات المتحدة والمكسيك. وفسر الكاتب والخبير السياسي هذه الرؤية متحججا بنية الولايات المتحدة إغلاق أبوابها في وجه المهاجرين المكسيكيين. فبالنسبة له، يمكن أن يتسبب ذلك في إشعال حرب بين الجارتين لأسباب ديموغرافية بحتة.
وشددت الصحيفة على أهمية الانتباه إلى التغييرات التي من الممكن أن تطرأ على العالم قريبا. واستند الكاتب في توقعاته إلى أحداث تاريخية كنا نستبعد حدوثها، على غرار سيطرة القوى الأوروبية على العالم منذ سنة 1900 إلى حدود سنة 1920 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كان العالم أجمع مقتنعا بأن ألمانيا قد انتهت مع نهاية هذه الحرب ولن تعود من جديد. ولكن، بعد 20 سنة فقط، احتلت فرنسا وأصبحت قوة قارية بلا منازع.
وفي الختام، لم يستثن فريدمن أزمة الشرق الأوسط من كتابه، فهو يرى أن "مشكل الإسلام في الوقت الحالي يتمثل في أنه منقسم إلى جماعات دينية وعرقية. وقد جاء تنظيم الدولة لإعادة تشكيل وتأسيس الخلافة. ويتطلب ذلك أولا، توحيد صفوف المسلمين من المغرب وصولا إلى الفلبين، ولكن ذلك لن يتحقق خلال هذا القرن".