صدى نيوز: حصد المستثمرون في أسواق المال والبورصات مئات المليارات من الدولارات من ارتفاع مؤشرات الأسهم العالمية خلال العام الجاري، رغم تداعيات جائحة كورونا التي ضربت النشاط الاقتصادي حول العالم بعنف ودفعت الاقتصادات إلى خسارة عشرات التريليونات.
لكن رغم هذه الخسائر، ارتفعت مؤشرات البورصات في الاقتصادات الكبرى بقوة، مستفيدة من ثلاثة عوامل رئيسية وهي حزم التحفيز المالي والنقدي الضخمة التي ضختها البنوك المركزية والحكومات في شرايين الاقتصاد، وآمال القضاء على جائحة كورونا بعد الكشف عن اللقاحات الجديدة المضادة لفيروس كوفيد 19، وكذا من الانتخابات الأميركية التي انتهت بفوز الرئيس جو بايدن في جو هادئ، خلافاً للمخاوف السابقة التي توقعت حدوث اضطرابات أمنية وهياج اجتماعي وسياسي يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة الأميركية.
ويلاحظ أن كبار الأثرياء في أميركا ارتفعت ثرواتهم بنحو تريليون دولار خلال العام الماضي، كما ارتفعت السيولة لدى المصارف الأميركية بنحو تريليوني دولار، وارتفعت السيولة كذلك لدى صناديق الاستثمار العالمية بأكثر من تريليون دولار، رغم الكآبة والسحب السوداء التي غطت سماء الاقتصادات العالمية خلال الربع الأول من العام الجاري عقب تفشي وباء كورونا.
لكن ما هي المخاطر التي من المتوقع أن تواجه المستثمرين وأسواق المال في العام المقبل؟ وهل سيأتي العام المقبل بالأمل والأرباح للمستثمرين، أم سيكون عاماً مليئا بالآلام المالية على غرار ما حدث في عام 2020 عقب تفشي الوباء؟
خبراء الاستثمار والمصارف يرون أن هناك ستة مخاطر يتحسب لها المستثمرون في العام المقبل. وهذه المخاطر هي سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلسي الكونغرس في الولايات المتحدة، وتصعيد مبكر للحرب الباردة بين واشنطن وبكين يتخطى نطاق عقوبات الرسوم والتقنية إلى إنشاء تحالف رأسمالي ضد الصين، وفشل اللقاحات في السيطرة على جائحة كورونا، وحدوث كساد اقتصادي، وتدهور كبير في سعر صرف الدولار، وحدوث انتكاسة في السياسة الأميركية تؤدي إلى استقالة بايدن وتولي كمالا هاريس لمنصب الرئاسة الأميركية.
على صعيد سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلسي الكونغرس، يرى مصرف "ستاندرد تشارترد" البريطاني أن فوز الحزب الديمقراطي بمقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا التي ستجرى في الخامس من يناير/كانون الثاني المقبل، سيقود إلى سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي.
وحدوث مثل هذا الاحتمال سيمنح الرئيس المنتخب جوزيف بايدن مرونة كبيرة في تمرير التشريعات الجديدة، خاصة القوانين الخاصة برفع الضرائب على الأثرياء والشركات، واستحداث تشريعات جديدة تستهدف قطاع التقنية في أميركا.
ومثل هذه التشريعات ستسهم في تراجع أسعار أسهم التقنية في سوق المال الأميركي. وتشكل أسهم شركات التقنية نسبة كبيرة من مؤشر "ستاندرد آند بورزـ 500"، المؤشر الرئيسي في سوق "وول ستريت". ويلاحظ أن أثرياء "وول ستريت" ضخوا نحو 50 مليون دولار في دعم مرشحي الحزب الجمهوري، لأنهم لا يريدون فوز الحزب الديمقراطي بأغلبية في المجلسين.
من جانبه، يرى "بي إن واي ميلون" الاستثماري الأميركي في نيويورك، أن سيطرة الحزب الديمقراطي على الكونغرس ستعني أن الرئيس المنتخب بايدن سيمرر بسهولة إجراءات رفع الضرائب على الأعمال التجارية، ورأس المال المستثمر، وعلى توزيعات الشركات للأرباح على المساهمين، وكذلك استحداث ضريبة على صفقات شراء وبيع الأسهم في سوق "وول ستريت"، وزيادة الضرائب على الدخول التي تفوق 400 ألف دولار في السنة. وهذه الإجراءات يدعمها بقوة تيار النواب اليساريين في الحزب الديمقراطي.
أما على صعيد الإنفاق في الميزانية، فيرى مصرف "بي أن بي ميلون" الأميركي في تحليله أن سيطرة الحزب على المجلسين سيعني أن الإنفاق في الميزانية سيرتفع بنحو 3 تريليونات دولار، منها نحو تريليوني دولار لتحفيز الاقتصاد، وتريليون دولار للاستثمار في البنية التحتية.
ورغم أن هذه الاستثمارات سترفع من معدلات التوظيف وخفض البطالة، إلا أن مخاوف الأسواق تتركز على تداعياتها السالبة على ارتفاع العجز والدين السيادي، وبالتالي تأثرها على جاذبية السندات الأميركية. ويقدر سوق السندات الأميركية الحكومية والتجارية بنحو 45 تريليون دولار.
على صعيد الخطر الثاني، الخاص بتصعيد الحرب الباردة بين الصين والمعسكر الرأسمالي، يرى مؤتمر التجارة والتنمية العالمية "أونكتاد" التابع للأمم المتحدة أن الحرب التجارية بين أميركا والصين، خلال السنوات الأربع الماضية، أدت إلى حدوث تباطؤ تجاري واقتصادي عالمي.
وعلى الرغم من أن الرئيس المنتخب جو بايدن يعتقد أن حرب الرسوم الجمركية التي نفذها الرئيس دونالد ترامب ضد الصين كانت لها تداعيات سلبية على المواطن والشركات الأميركية، إلا أن خبراء قرأوا من تصريحاته أنه يتجه إلى تشكيل تحالف من القوى الرأسمالية في أوروبا وآسيا لعزل الصين وحرمانها من التمدد التجاري والاستثماري والاقتصادي في العالم.
وتدور مخاوف المستثمرين من التصعيد في هذه الحرب حول ما تحدثه من عرقلة تدفق الاستثمارات إلى منطقة جنوب شرقي آسيا، وحدوث انقسام في الاقتصادات الناشئة خلال السنوات المقبلة.
لكن في المقابل، يرى مصرف "ستاندرد تشارترد" البريطاني، أن حدوث هدنة في الحرب التجارية بين أميركا والصين لن تكون في صالح الاقتصادات الرأسمالية، لأنها ستقود إلى سماح الصين لعملتها اليوان بالارتفاع لتحقيق هدف زيادة القدرة الشرائية لشركاتها ومواطنيها. كما أنها ستقود في ذات الوقت إلى المزيد من التمدد في الأسواق العالمية عبر الميزة التنافسية لليوان ورخص البضائع الصينية.
على صعيد الخطر الثالث، الخاص بفشل اللقاحات في محاصرة أو القضاء على جائحة كورونا، هناك مخاوف من تكرار ما حدث من اضطراب في أسواق المال خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2019، حينما حدث الذعر لدى المستثمرين وتراجعت المؤشرات العالمية بمعدلات مرعبة قبل أن تتدخل البنوك المركزية بقيادة مصرف الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" لتهدئة الأسواق وعودة البورصات للصعود.
في هذا الشأن، قال الخبير والاقتصادي العالمي محمد العريان، في مقال في صحيفة فاينانشيال تايمز يوم الثلاثاء، إن الوضع الاقتصادي العالمي لا يزال هشاً ويعيش حالاً من عدم اليقين. وهناك مخاوف من أن تطول فترة الموجة الثانية من جائحة كورونا وتجر الاقتصاد الأوروبي إلى الركود، أو تسحب آمال الانتعاش من الاقتصاد الأميركي وتعيق الأداء الاقتصادي في جنوب شرقي آسيا الذي يؤمل عليه العالم في قيادة دورة الانتعاش الاقتصادي.
على صعيد الخطر الرابع، الخاص بحدوث تدهور كبير في سعر صرف الدولار، فإن ذلك سيقود إلى هروب الاستثمارات من الأصول الأميركية، ويحدث ارتباكاً في دورة النمو الاقتصادي العالمي، إذ أن الاقتصاد الأميركي يقدر بنحو 21.16 تريليون دولار، أي أنه يمثل نحو 25% من إجمالي الاقتصاد العالمي. وهنالك مخاوف من تراجع سعر صرف الدولار إلى نحو 6 يوان خلال العام المقبل.
أما الخطر الخامس، فيرى مصرفيون أنه يتمثل في احتمال عجز الأسواق الناشئة عن تسديد وخدمة الديون. وفي حدوث مثل هذا الاحتمال سيدفع شركات تصنيف الائتمان العالمية إلى خفض تصنيف الديون السيادية ورفع عدد الإفلاسات في الأسواق الناشئة التي تعتمد على تدفقات القروض المصرفية من المصارف الغربية.
ويرى مصرف "ستاندرد تشارترد" البريطاني في حال حدوث ذلك، تراجع مؤشرات بورصات المال في الأسواق الناشئة بنحو 30% خلال الربع الثاني من العام، وسيكون هذا أسوأ تراجع منذ عام 2013.
أما الخطر السادس، فهو احتمال استقالة جوزيف بايدن من الرئاسة وتولي كمالا هاريس رئاسة الولايات المتحدة. وهو احتمال ضعيف، ولكن في حال حدوثه سيكون ذا تأثير كبير على الأسواق. ويتوقع مصرفيون، أن حدوث مثل هذا الاحتمال، ربما سيقود إلى تزايد الاضطرابات العرقية، وحدوث مظاهرات صاخبة وعنيفة ترفع من التوتر والانقسام السياسي والاجتماعي والعرقي في الولايات المتحدة.
من جانبه، يشير الخبير الاستثماري البريطاني جون بتلر، في مقال على موقعه، إلى خطر آخر يتمثل في ارتفاع معدل التضخم وتحول المستثمرين من أسواق السندات إلى الأسهم.