أفرح جداً حين تصدر لأصدقائي كتب رائعة، أشعر بسعادة حين أعرف أنّ ثمّة روائياً عكاوياً يُمزّق في هذه اللحظة صفحات لم تعجبه من رواية يكتبها منذ سنين هو علاء حليحل.
أُحبُ وجود الكتب في الحياة، وأنا أتأمل أكوام الكتب حولي في السرير ليلاً بينما بردٌ قاتلٌ يمشي خلف نافذتي وفيروس لعين يتربّص بالناس، أشعر بأني في مكان آمن..أشعر بدفءٍ غريب لا أعرفهُ قبل ذلك. أُحب وجود الكتب في الحياة، أُحب النوم في المكتبات.
مرة سراً اتفقت مع صديقٍ لي أمين مكتبة ضخمة في مؤسسة متميزة أنْ يدعني في المكتبة مع استخدام حجة أنه نسيني هناك لكوني كنت في المرحاض في حال المُساءلة.
كانت ليلة غريبة، لم أقرأ فيها صفحة في كتاب، لكني تجولت حافيَ القدمين أمام الرفوف أتحسسها وأتشممها وأُطل بين الحين والآخر من النافذة لأُشاهدَ الشوارع في الليل وأتذكّر بذلك صديقة فنانة تشكيلية قالت لي مرة جملة غريبة تشبه لوحة؛ (أُحب الشوارع في الليل).
أحبُ الكتب، أُحب وجود الكتب في الحياة. دحشت رواية (رام الله) الضخمة لعباد يحيى في حقيبتي ومشيت بها أتمايل بورك مُتَوجّع وكتف مائلة وانتشاء محب.
أحبُ انتظار وليد الشيخ للمس كتابه الرائع الذي صدر حديثاً عن دار الأهلية في عمان (أمر بسيط للغاية).
أحبُ مشهد بنت جميلة تقرأ في كافيه مُتخلية عن موعد عاطفيّ أو عن حفلة عيد ميلاد لصديقتها.
أحبُ تذكر سرقتي لعشرات النُسخ من كتابي (كأنّ شخصاً ثالثاً كان بيننا) المرزومة في بيت درج عمارة دار الرعاة التي نشرت هذا الكتاب قبل عشر سنوات.
أحبُ تذكر سرقتي لكتاب (الوجود والعدم) لسارتر من نافذة مكتبة في رام الله حيثُ أسقطته هناك لصديق كان ينتظرني تحت النافذة. ومقابل مساعدته اشتريتُ له رغيف شاورما فاخراً من مطعم أبو اسكندر.
أُحبُ وجود الكتب في الحياة.
أحبُ تذكر أكوام الكتب حول أبي في سريره الصباحيّ الكسول في أصياف المخيم، بينما أتمرغ أنا طفلاً بين الكتب وبين ذراعَي أبي العظيم.
أحبُ تذكر أول كتاب نهش عقلي وقلبي (أوراق الورد للرافعي) في سبعينيات القرن الماضي في المخيم.
أحبُ غضب صديقي عامر أمين مكتبة البيرة بسبب خربشاتي تحت السطور في الكتب التي كنت أستعيرها من مكتبته ومعاقبته لي بوقف استعاراتي لمدة سنة.
أحبُ تذكر نسيان مالك الريماوي لكتب كان يعيرها لي وينساها.
أحبُ داليا طه وهي تمشي معي بالشوارع تتحدث خائفة بجمال عظيم عن كتابها الجديد الذي صدر عن دار المتوسط والتي سرقت فيه شخصيات رام الله من رام الله.
أحبُ كرم أصدقائي المترجمين المبدعين وليد سويركي ونهى أبو عرقوب وأحمد عبداللطيف وأحمد الشافعي ومنير العَلمي وخيري حسن وهم يرسلون لي نسخاً إلكترونية عن روايات ترجموها قبل صدورها من دار النشر.
أحبُ وجود الكتب في الحياة.
أحبُ رغبتي الدائمة في كتابة رواية، أحبُ كسلي في كتابتها وتأجيلها لآلاف المرات.
أحبُ كذباتي المستمرات على الأصدقاء «ستصدر العام المُقبل».
أحبُ وجود الكتب في الحياة.
حين أشعر أني تافه أذهبُ إلى الكتب، وحين أشعر أني عظيم أذهب إلى الكتب، في الحزن والسعادة والانتشاء والندم أذهب إلى الكتب.
أحب عبدالله زيود وهو يناقشني في روايات أَحبَّها أو كرهها أو احتار فيها، أحب طريقته في تفكيك النصوص وفي ربط دلالاتها مع بعضها البعض ومقارنتها بروايات أخرى.
أحبُ وجود الكتب في الحياة.
أحبُ الروائي أكرم مسلم وهو يجلسُ الآن خلف طاولة يحرر مقالتي هذه متذمراً أحياناً من طولها وسعيداً أحياناً لطرافتها.
أحبهُ وهو الروائي الجميل الذي اعترفَ لي قبل سنوات بأنه لم يقرأ ماركيز كما يجب.
أحبهُ وأنا أتخيلهُ في بيته مع بناته الأربع وهُنَّ يتعربشن رقبته بينما ذهنه غارق في كتاب.
أحبُ حبه لحسين البرغوثي وحديثه الدائم عن قصص وحكايات لم يعرفها أحد عن علاقتهما الرائعة في الجامعة.
أحبُ الكاتبة أحلام بشارات وهي تتحدث بثقة عجيبة أمام الكاميرا عن كتاب لها أو عن كتب لآخرين.
أحب يامن النوباني وهو يسألني عن مقاهي الثمانينيات في رام الله تمهيداً كما أظن لرواية قادمة.
أحبُ عامل النظافة وهو يناديني في الفجر؛ «أستاذ هيني كتبت قصة انزل شوفها الله يخليك».
أحب وجود الكتب في الحياة، أحب أصدقائي.
أحب الحياة أحب الحياة.