لعل ابرز ما حققته حركة "فتح" خلال العام المنصرم بكل ما حمل في ثناياه من مآسي حلت على شعبنا خاصة والعالم عامة ، هو وحدة الموقف الفلسطيني "فصائل منظمة التحرير والقوى الإسلامية"  على الرغم من المناكفات السياسية ، في مواجهة ما عرف ب" صفقة القرن" وما تبعها من خطوات على الأرض أهمها اعلان ترامب بان القدس عاصمة لإسرائيل ومن ثم ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان في الاغوار واعتبار الجولان أراض اسرائيلية ، تبع ذلك التقهقر العربي نحو التطبيع المجاني مع الاحتلال ، لتقف الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها وفي مقدمتها " فتح" ، امام سؤال مهم وموضوعي: اين بات موقع القضية الفلسطينية في سلم الأولويات العربية والإسلامية ؟ وطبعا المقصود لدى الأنظمة وليس الشعوب وان كانت هناك بعض أصوات النشاز التي تخرج بين الحين والأخر ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة والتي برأيي لا تعبر الا عن مستوى هابط  في الاخلاق وضحالة معرفية وفكرية وانعدام في القيم . من هنا كان موقف حركة " فتح" التي توقد شعلتها السادسة والخمسين وهي ثابتة على العهد ، ان الرهان تاريخيا كان ولا زال وسيبقى على الشعب الفلسطيني صاحب القضية الجوهرية في الصراع العربي- الإسرائيلي ومعه شرفاء الامة والقيادات العربية والإسلامية التي مازالت غير متورطة في هذا " التطبيع" الذي لم يعد للفلسطينيين والعرب شبرا واحدا من الأرض التي تحتلها إسرائيل . ومن هذا المنطلق نعيب على هذه الاتفاقيات التي ثمنها اقتصاد الدول المطبعة وسرقة تاريخها وحضارتها وثرواتها وخيراتها لصالح دولة الاحتلال وعرابيها في المنطقة .وأيضا من اجل تمرير صفقات سلاح أميركية لهذه الدول كي يقتل بها العرب بعضهم البعض ، ... فهذا هو ديدن الدول الاستعمارية . 
لقد ظنت الدول التي ابرمت اتفاقات تطبيع مع الاحتلال ،انها وجهت ضربة قاسمة لحركة "فتح" وقيادتها باعتبارها سنان الرمح ورأس الحربة في مواجهة ومقارعة هذا الاحتلال للوصول الى حل سياسي عادل يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف ، غير ان الوقائع تؤكد ان الحركة التي تلج العام السابع والخمسين وهي اكثر إصرارا على الانتصار لدماء الشهداء ، لم تخفض جناحها ولم ترفع راية بيضاء وفي المقابل لم تهبط بسقفها السياسي وهو الامر الذي كان محل رهان لدى حكومة نتنياهو التي تعصف بها الازمات وتقف على أبواب انتخابات رابعة ، ومن جهة ثانية لدى الإدارة الأميركية الراحلة بقيادة ترامب صاحب اسوء " صفقة " في التاريخ الحديث الا وهي صفقة القرن والذي يأتي التطبيع في سياق تنفيذ جزء منها على الأرض في محاولة لكشف ظهر الشعب الفلسطيني وقيادته . 
 لقد اثبتت وبرهنت جميع المراحل المصيرية التي مرت بها حركة "فتح" ومعها قوى وفصائل منظمة التحرير ، بدءا بنكسة حزيران وما اعقبها من رد اعتبار لشرف الامة في معركة الكرامة مرورا بحرب تشرين 73 وصولا الى اجتياح بيروت وصمود الثورة الفلسطينية بقيادة "أبو عمار" لتأتي انتفاضة الحجارة وما نتج عنها من عودة القيادة الى ارض الوطن ثم انتفاضة العام 2000 التي جاءت ردا على فشل مفاوضات كامب ديفيد وحتى  المرحلة الراهنة ، لم تهزل فيها عزيمة "الفتح" وان كانت شهدت تغيرا في وسائل كفاحها للوصول الى الأهداف الوطنية ، ضمن استيعابها للمتغيرات العالمية والإقليمية وطبيعة المرحلة التي تقتضي مثل هذا النوع من الكفاح الشعبي والذي استطعنا من خلاله تحقيق إنجازات سياسية ملموسة على صعيد الاعتراف العالمي بحقوق الشعب الفلسطيني ورفض ما اقره ترامب بأن القدس عاصمة لدولة الاحتلال مستبقا المفاوضات النهائية وفارضا امرا مواقعا على الأرض وكل ذلك يعود الفضل فيه الى حنكة قائد المسيرة الأخ الرئيس "أبو مازن" الذي حمل راية الكفاح من رفيق دربه في النضال من البداية حتى النهاية الشهيد الراحل الخالد فينا الى الابد ، ياسر عرفات  . 
ومن هذه الزاوية ، يأتي التأكيد على ان الثابت في حركة " فتح" هو الديمومة والقدرة على التعاطي مع المراحل دون المساس بالمبادئ والثوابت وبالتالي الخروج من الازمات الخانقة والتي تصل بها الى حافة الهاوية ، بتصميم على المضي قدما نحو انجاز المشروع الوطني متسلحة بالالتفاف الجماهيري العارم حولها في الوطن والشتات وفي السجون " غالبية الاسرى من حركة فتح" ومن كل الشعوب التي خاضت معارك تحرر وطني ولها تجارب نضالية مماثلة لتجربتنا العظيمة في الكفاح ضد اخر احتلال في التاريخ الحديث . 
 ولكي نكون موضوعيين فإننا لا ندعي ان حركتنا الممتدة في كافة بقاع الوطن وفي شتى دول العالم ،غير مصابة بجروح بليغة في جسدها الذي مازال قادرا على العطاء والصمود وذلك لان الشرط القيادي لم يغب عن هذه الحركة التي عصفت بها ضربات مميتة ولكنها بقيت على قيد الحياة ذلك انها حركة شعبية جماهيرية برغماتية لا تعرف التعقيد او الجمود العقائدي  فهي " من الشعب والى الشعب" وبالتالي فإنها تحظى بحب الغالبية وبحرصهم على بقائها في المقدمة حتى لا تضيع البوصلة . وهذا ما اكد عليه حتى المنافسين لنا تنظيميا في المعسكر الاخر من الفصائل الإسلامية والتي تشدد على انه بدون "فتح" فان البوصلة ستتوه وتضيع وان قوة هذه الحركة تعني الإبقاء على صمام الأمان للقضية الوطنية ولتماسك الجماهير ووحدتها وضمان عدم انزلاقها في صراعات لا تخدم الا أعداء الشعب الفلسطيني . 
ان حركة "فتح" التي بنت مجدها بجبال من الجماجم ومئات الالاف من الاسرى والجرحى ، لا تعرف معنى للتوقف عن العطاء واحلامها لا تعرف حدودا وهي الشعلة الحقيقية التي تندلع نيرانها في قلوب الملايين من احرار الشعب الفلسطيني العظيم والعالم الذي يرفض الظلم والقهر والاملاءات .... هي الحركة التي لا تعرف المستحيل وتحارب كل اليائسين والبائسين وتزرع الامل في نفوس هذا المزارع في الاغوار وهذا المرابط في المسجد الأقصى المبارك وهذه السيدة التي تلد ابنها ليستشهد من اجل الحرية وهذا العجوز الذي يحمل صليبه ويسير نحو القيامة ليؤكد على ان هذه مدينة المحبة والتسامح والتعايش والسلام ولهذا الطفل الذي يمشي على بلاط القدس العتيقة متأملا جدرانها العابقة بالتاريخ العربي الإسلامي الذي لا تستطيع كل اساطير العالم محوه من الذاكرة الفردية والجمعية للشعب الفلسطيني القابض على جمر الحق والعدل والحرية . 
انني ادعو من هذا المنبر وفي هذه المناسبة الوطنية ، الى حوار وطني شامل استكمالا لحوار الامناء العامين  للفصائل في 3-9- الماضي ليصار الى الاتفاق على برنامج وطني سياسي وكفاحي يستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة خاصة ونحن امام متغير جوهري في الإدارة الأميركية المقبلة برئاسة جو بايدن وفي المشهد الإسرائيلي أيضا وعلى الصعيد العربي كذلك ، مع عدم التعويل كثيرا على ما ستقدمه هذه الإدارة للقضية الفلسطينية . ولكن المقصود ان نكون مستعدين لما هو قادم بكل تفاصيله ، على ان يتم التوافق على برنامج زمني لانتخابات عامة يشارك فيها الكل الوطني والإسلامي في اطار منظمة التحرير البيت الجامع للفلسطينيين في الوطن والشتات . ولعله جدير بالتذكير ان "فتح" يسجل لها في تاريخ الحركة الوطنية انها اول من دعت الى انتخابات عامة وعندما أخفقت فيها احترمت كلمة الشعب وخياراته وسلمت السلطة بشكل سلس وديمقراطي بشهادة العالم ، الى المعسكر الإسلامي وفتحت المجال واسعا امامهم لممارسة دورهم القيادي بكل حرية ولكن الانقلاب الذي اعقبه انقسام ، قلب ظهر المجن وادخل الساحة الفلسطينية في اقتتال دموي كانت دولة الاحتلال هي الرابح الوحيد منه .
ولعل خلاصة القول ، ان وحدة شعبنا بكل قواه الوطنية والإسلامية هي الرافعة الحقيقة لمشروعنا الوطني والرد البليغ على كل المطبعين وأصحاب مشاريع التصفية وهي اقوى سلاح نواجه به المرحلة القادمة بكل ما تحمله من متغيرات سياسية سواء سلبا ام إيجابا . فمن الأفضل لنا ان نتبع الحكمة القائلة :" لا يستطيع المرء أن يكون متأكداً من أن هناك شيئا يعيش من أجله، إلّا إذا كان مستعداً للموت في سبيله ." ... نعم انها فلسطين التي تستحق ان نعيش من اجلها .
انطلاقة مجيدة وكل عام وانتم بخير