في مشهد سياسي تاريخي بامتياز تجلّت فيه العنصرية الغربية المزدحمة بالمفارقات، لها ما بعدها على الصعيد الداخلي والخارجي على حد سواء، سقطت واسقطت معها اقنعة قناعاً خلف قناع، وكأنك ترى ولا تصدق ما تراه عيناك ....لصورة لربما قيل فيها بعض من كثير تظهر فيها من تدّعي الصدارة في تطبيق الديمقراطيه والحريات، وتضع انسانية الانسان امام عينيها، وفوق كل اعتبار... باتت اليوم بؤرة للتطرف ومعقلاً للخلايا النائمه، بأفكارها العدائيه التي لا تموت متجذره في ربوعها، تشوبها الحرائق العنصريه وازمات وفجوات متعمقه وفقراً واللامساواه.
لينجلي لنا خلف القناع الاول ازدواجيه وسياسه مثيره للارتباك، في التعامل مع ما تدّعيه تلك الدول بالارهاب بامتلاكها سجلاً حافلاً بالتصريحات المعاديه للاقليات، فلم تترك مناسبة الا وامطرتنا بتصريحات عنصريه تنادي بالضرب بيد من حديد موجهه اصابع الاتّهام للمهاجرين والغرباء، وللاسلام على وجه الخصوص، عندما تواجه مشكلات داخليه، في حين تسقط تهمة الارهاب في انتظار لفرضية الاكتئاب كدافع للجريمه في حال كان الفاعل يميني مسيحي متطرف.
وكمثال صارخ يختذل مشهد التطرف المزعزع للاستقرار الذي بات يستهوي الامريكان، جعل امريكا اعجز من ان تنظر الى نفسها بالمرآة، خشية من ان تصطدم بوجه الشيطان القابع تحت القناع في ظل صعود حركات يمينيه متطرفه "كالبراود بويز"ايقونة اليمين المسيحي المتطرف في العالم الغربي، الذي يتصدره داعش في الشرق الاوسط بخطورته، تاركه بصمتها في حدود البلاد، و التي تؤمن بتفوق العرق الابيض والعداء لللاجئين من مختلف الاطياف و الجنسيات تندرج تحت خانة العصابات، تؤمن بالقتل والعنف تمارسه منهجاً وعقيده وبكل اخلاص، لتحمل بشرى للانظمة العربيه القمعيه بأنكم لستم وحدكم في الميدان، فكانت النسخه الاصليه التي حذت حذوها البلطجيه في مصر والشبّيحه في سوريا، والعصابات الصهيونيه في اسرائيل، والمرتزقه في ليبيا والميليشيات في اليمن وعصائب وفلول النظام المنهارفي العراق، والقائمة تطول وتطول ...!
وعلى انقاض عالم مفكك تغيب الوحدة عن قاموس شعوبه يسقط ثاني قناع ممهداً لانطلاق قطارانهيار الوحده فيها لغير رجعه، امام حالة الاقتتال بين الاخوة الاعداء الذي يمثلهما الحزبين الديمقراطي والجمهوري متمثل الاخير برأس الهرم ترامب.....رجل الارقام والحسابات والصفقات والتي هي ذاتها من خذلته هذه الايام، فلم يعد ذلك النسر الذي تجاوز ادارة المال والاعمال مخترقاً عالم السياسه بما يقارب الاربعة اعوام، فقصّت جناحيه وقلّمت مخالبه التي لطالما ذبح بها شعوباً على بعد آلاف الاميال، فمن لم يتحمل الهزيمه يوماً بات هو الخاسر الأكبر في الانتخابات، في ظله قرعت طبول الحرب باستمرار وعاشت الديمقراطيه في كنفه اسوء اللحظات وحصدت امريكا تباعاً خسائرعلى جميع المستويات بدءاً بجائحة كورونا التي قطّعت رئتيها، وازمة اقتصاديه ضربت صميم قلبها، وعنصرية أوجعتها لتتحطم الصوره الامريكيه في عيون العالم الذي بات يراها لوحه بلونين الازرق والاحمر، ليأتي سجل امريكا ومن خلفها دول الغرب مختلساً للشعارات الزاهيه حول كرامة البشر و حقوق الانسان، ممتلئاً بالبقع السوداء مسقطاً قناع الانسانيه المفعمه بالاحساس، ليجسّد اللاجئون فيه حجم التقاعس بحقهم وحجم الخذلان
ففي الوقت الذي نشاهد فيه الغرب يؤسس ملاجئ للحيوانات، نجد الكثير من المهاجرين تحت مرأى ومسمع هؤلاء تموت جوعاً وبرداً في العراء يفترشون الارض، ويلتحفون السماء وما الجدوى من الكلام والواقع على الارض بات ابلغ من الوصف والكلام......!
انها حالة اللجوء والنزوح العالمي التي يعيشها الملايين...هم من البشر وليس مجرد ارقام و احصاءات، يكابدون مرارة النزوح عن اوطانهم لتتوقف حياتهم فعلاً او مجازاً في المنافي، لم يجدوا له بدّاً للخروج من جحيم ما آلت اليه اوضاع بلادهم من فساد وحروب وصراعات، حيث نخر الفساد حكوماتهم وقضاؤها قضي عليه، وجيوشها باتت شرطة تقمعهم فخرجوا للنجاة بحياتهم وحرياتهم مشياً على الاقدام.
فمن جهه باركت تلك الدول الانفتاح على الاخر وتدفُّق السلع والخدمات مرحبه برؤوس الاموال، ومن جهه اخرى شيّدت الاسوار وزرعت الألغام والأشواك في دروب اللاجئين المتعطشين لوعود الرفاه والامان، ووهم المواطنه الافضل، لتقف في ظلها امام استحقاق اخلاقي وقيمي ومبدئي جسيم بعد ان تحولت تلك التدفقات البشريه الى كارثه انسانيه حيث الفقر والجهل والجوع، ولعلها مرشحه الى المزيد من التصعيد الناجم عن تفاقم بواعثها، وظاهرة ليست بعابره بل منفتحه على آفاق الاستمرار والتعاظم بعد ان تحولت قضيتهم الى مادة اعلاميه دسمه للاستغلال السياسي، والاستهلاك في المواسم الانتخابيه من قبل الاحزاب المتنافسه على السلطه، ليتم الكشف من جديد عن وجه ذئب اخر للغرب خلف قناع الحَمَل.
فبعد تكريمها للربيع العربي في بادئ الامر، ابتلعت ألسنتها وصمتت عن حرائق الجوار وسحق الديمقراطيه الناشئه تحت البراميل المتفجره وعجلات الدبابات متجاهله عن قصد إبادة البشر في الميادين والذي بات مشهداَ يومياً لا تخطئه العين، كضوءاً اخضر منها للاجهاز على الانفاس، فلم يلبثوا الا ان لمسوا انعكاساتها عليهم بعد فوات الاوان وقد بات الشلال البشري يتدفق صوبها ضيوفاً دائمون وليست بموجة عابره، فبدا لهم الامر وكان هؤلاء حفاة عراه طامعون ومخربون فاشلون من دول فاشله ولكن في حقيقة الامر اغلبهم كفاءات واختصاصات وإمكانات بشريه مهدوره، ونزيف لأدمغة تضاف الى رصيد البلد التي فيها يقيمون، ينشدون جواز وهويه وموقع في المجتمع ورأفة من دول الجوار، وبعضاً من كرامة فيما تبقى من حياتهم، تاركين ورائهم مخلفات الدماء والآلام وما خلفته لهم عقود من الحروب والعنف المستمر لسان حالهم يقول،"و قل للعابثين بنا صبراً فإن نوائب الدنيا تدور"...
وفي مثال صارخ على حجم التناقضات الذي تشهرها الانظمة التي ترتدي قناع الحريه والتحرر في وجه مستقبل البلاد التي انهكتها الحروب والصراعات، تدشن مبادئ وقيم تتناغم مع المواثيق الدوليه والالتزامات الحقوقيه والشعارات الانسانيه، نراها تتخلى احيانا بل وتغض الطرف بالكامل عن ردائها الاخلاقي، امام قنبلة موقوته و كارثة مسكوت عنها ومأساه هي الاكبر على الاطلاق تتمحور حول جرائم الاتجاربالبشر حيث النساء والاطفال يستغلون يتم مقايضتهم فيباعون ويشترون، وكأن الزمان يعود بنا الى عصر الاستعباد والرق السحيق من قبل سماسره وتجاراً تعمل على ايقاع الضحايا في شباك العبوديه الحديثه التي باتت للبعض صناعه رائجه تأخذ منحنى مشروع تربتها الخصبه الهجره الغير نظاميه .
فما بين البحر وضياع المستقبل اختار الآلاف ركوب البحر بعجلات مطاطيه في رحلة شاقّه لا يعرف لها وجهةً او مستقراً، هي اشبه بمعركة مع الحياه لاهدنة فيها، على امل ان يصلوا الى ما ظنوها دولة الرفاهيه او الفردوس الاوروبي المفقود "خدعة ابليس اتخذها للقراء سلما".
لينتهي بهم المطاف بين براثن واقع قاتم السواد، إما كوجبة بشريه مضاعفه للاسماك والتي تقدَّر اعدادهم سنوياً بالآلاف، او في مخيمات و معسكرات للاعتقال، بعد ان كان من المفترض ان تهيّئ لهم تلك الدول الحمايه والراحة والنجاة، وكيف لا وهي التي لطالما آمنت بالانسان اولاً وثانياً واخيراً، لكنهم لم يحظوا منها حتى بأبسط احلامهم وأساسيات الحياة، على امل ان يعودوا يوما الى الديار او لربما ما تبقى لهم من اوطان ....!