الإصغاء هو ما نفتقر إليه في الواقع الفلسطيني، إصغاء السياسي لجلبة الشارع وأصوات الناس وحاجاتهم، تفكيك هذه الجلبة إلى مكوناتها الصغيرة؛ رجل يحمل الخضار إلى البيت وهو يواصل حسبة الأسعار وضرورة البضاعة وفوائد القرض ومصاريف الأولاد، خريج جامعي جديد يحمل أوراقه وشهاداته ودعوات العائلة ويطرق أبواب المؤسسات، بأنواعها، بحثاً عن وظيفة أعلن عنها «حسب الأصول»، بينما يجلس في انتظار «المقابلة» يعرف أن ثمة من سيصل من وراء الباب ويحصل على الوظيفة، شخص أقل كفاءة غالباً ولكنه يملك خارطة الطريق المختصرة، وأن ما يحدث هو أقرب إلى استعراض صغير يجري استخدامه فيه لمنح شرعية للفساد.
الإصغاء إلى رغبة الناس العارمة بالتغيير، وضيقهم الشديد من الوجوه المكررة التي لا سبب لجلوسها ولا معنى لحديثها ولا ضرورة وطنية أو شعبية أو ثقافية لظهورها الدائم على الشاشة.
الإصغاء لرجل القانون الذي يحتج عبر نقابته، نقابة المحامين مثلاً، على حزمة «قوانين» قد تضر بدور مؤسسة القضاء وتمنح حصانة وحقوقاً لمن لا يستحق.
الإصغاء إلى الصحافي الذي يبحث عن مصادره ولا يجدها إلا في إعلام العدو.
الإصغاء إلى فداحة الشروط التي يعيشها المعلمون/ات، في العمل والحقوق والتأهيل.
الإصغاء إلى الطلبة الذين يحفظون مناهج متخلفة تضر بوعيهم وعلاقتهم مع مجتمعهم، وتعقد علاقتهم مع العالم خارج أسيجة الاحتلال.
الإصغاء إلى السائق الذي تتحول كل «نقلة» ركاب يقوم بها إلى مغامرة قد تنتهي بالموت على حواجز الاحتلال والمستوطنين.
الإصغاء إلى المرأة المعنفة دون حماية بينما القوانين تتعثر في مخيلة المشرعين الذكور، العنف الذي يصل حد «القتل» ويتخطاه إلى القتل بالتعذيب.
المواطن الذي يلاحقه تسلط المتنفذين الذين يتجولون في حياتنا بحرية النفوذ خارج القانون، ويتدخلون لتغييره بما يلائم تسلطهم.
المصنع الذي يواجه بضاعة الاحتلال عارياً من الحقوق والحصانة والدعم.
المزارع الذي لا يجد مكاناً لمنتجه ولا يحصل على التعويض أو الدعم أمام الكوارث، سواء الطبيعة أو الاحتلال أو المستوطنون.
العامل الذي يقبل العمل دون الحد الأدنى من الأجور لأن البديل هو البطالة أو ورشات المستوطنات، والذي يسعى بقدميه إلى سماسرة العمل ومقاولي العمال لأن البديل هو جوع العائلة.
إلى آخر هذه القائمة التي لا تنتهي.
الإصغاء إلى هؤلاء هو جوهر السياسة، وهو المعيار الوطني الحقيقي لشرعية أي قيادة وضرورتها.
الإصغاء.. الإصغاء.