في عالم شعاره البقاء للاقوى… تُستخدم طرائق وسبل متعددة من القوى الناعمة المنافية للقوانين والأعراف كسلاحاً عابراً للحدود والقارات ثبتت نجاعته في الفتك بدولاً دون قطرة دم او قتال "فحرب العملات " أحد أوجه الحرب الباردة وأحد أدواتها التي إكتوت بجحيمها الشعوبالتي دفعت وما زالت فاتورة لحرب لم تخوضها، فكانت الخاسر الأكبر لجلوسها في حلبة التبعية  لإقتصادات الدول العظمى ومرمى أزماتها الإقتصادية،مخلفة فوضى على الأغلب كانت منظمة بعد أن انضم الفقر الى الصراعات الداخلية والتفلُّت الأمني الذي تعاني منه البلاد،دافعا الملايين منهم كلاجئين الى حافة البلاد،ساحبة بساط الاستقرار من تحت أقدامها، فودّعت معه الرفاهية لتختبر المعنى الحقيقي للعسر وضيق الحال، بعدما  فقدت  تلك الدول أمنها  الغذائي وضلّت الوظائف طريقها الى سوق العمل،  وانخفضت مستوى معيشة الفرد فبات الطابورجزءاً من يوميات عامة الناس وكل شيئ عدا ربطة الخبز من الكماليات...!
فبدون كلل أوملل تسعى امريكا الى زعزعة استقرارالدول العربية من الألف الى الياءعبرمحاربتها بعماد اقتصادها، مصوبة سهامها نحو العملات،  فلم يعد بخافياً على أحد ان ما تعانيه دولنا من أزمات اقتصادية خانقة لم يعد اقتصادياً بقدر ما هو سياسياً بحت، بعد أن تم زج عملة البلد في خانة اللعبة السياسية التي تجيدها الدول العظمى بإتقان ويجهلها العرب، فأمريكا التي خبرت طويلاً فن القتال، تعلم جيداً أن السلاح الأكثر ذكاءاً هو السلاح الأكثر تدميراً وهذا بلا شك ينطبق على سلاح العملات الذي يتربع على عرشه الدولار، بعد أن لمع نجمه وطغى على غيره من العملات لجر الدول الى الدروب المظلمة بتقويض وضعها المالي الذي بات أغلبه يعاني من التضخم والتذبذب، وانخفاض سوق سعر الصرف سعياً لجرها نحو الإفلاس،لتتمكن من ليّ ذراعها فتنال بالدولار ما قد عجزت عنه بالحرب.
فالحديث عن انهيار الدول اقتصادياً لم يكن ليكمل دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل الخارجية التي تركت بصماتها في شتّى مناحي الحياةبالاضافه الى فساد الانطمه الحاكمه وسوء ادارتها للبلاد وانتشار ظاهرة المضاربات فيما يعرف بالسوق السوداءانعدمت معها العمله المحليه ليتم التشبث  بالدولار، فلم يعد التساؤل بعد عشرة أعوام على الثورات العربية عن حجم المآسي التي غلفت العالم العربي والاسلامي، والتي بدورها أدخلت الشعوب في أُتون صراعات لا تهدأ،  وانما فتح الباب على سؤال استوجب الرد..ماذا يراد لهذه البلاد بعد...؟؟؟
 وقد بات واضحاً وضوح الشمس في الآفاق بأن ما يجري ليس بجوع، وانما تجويع وليس بفقر وانما تفقير ...
فلربما قد يذهل البعض من المساعدات الانسانية التي تقدمها امريكا في قوالب مختلفة الى الدول النامية،  فهي لا ترمي حجراً الا وأرادت به عشرة عصافير...! فأن تسمع عن تقرير من واشنطن يتحدث عن حصار وعقوبات اقتصادية وفرض ضرائب ورسوم جمركية على واردات الدول.واتّباعها لسياسة ادارة الظهر في وقت الأزمات، فذاك أمراً  دارجاًدأب عليه الرؤساء الامريكيون،  وفقاً للمصالح والغايات، ترافقه دعاية اعلامية غرضها ان تقنعك انها بذلك تحارب ما تسميه"بارهاب الدوله"، أما ان ترى بأم عينك تقريراً يتحدث عن مساعدات  ماليه انسانية من قبل الولايات المتحدة الامريكية فهذا امراً يستدعي الشك بل والوقوف عليه ملياً،  في ظل فداحة التناقضات الصارخة في استراتيجيتها تلك .
في علم الاقتصاد تسمى"بلعبة حافة الهاوية" ... إحدى قواعدها توظيف المال لتحقيق أهداف استراتيجية سياسية بامتياز،  تمرعبر بوابة المساعدات،  ولعل مصطلح "بلطجة المال"  لهو التعبير الأكثر صدقاً لما يحصل الآن من تدهور دراماتيكي للعملات لتصبح تلك المساعدات ليست بحلاً للفقر وانما الطريق المؤدي اليه ومنها يتحسبون،  لما تخلفه من ديون ما تلبث ان تصبح عبءاً ثقيلاً على كاهلها وليست بإنجاز، باعثة برسائل مفادها ان القروض والمساعدات المالية ليست بالمجان وانما يقابلها أثمان باهظة وتنازلات قد تبدأ ولا تنتهي، لا سقف لها ولا حد .
 وفي ظل العولمة والاقتصادات المفتوحة وحرية التجارةوصراع الاشتراكية  والرأسمالية على سيادة العالم ، تكون العلاقة بين الدول تنافسية حين يتطلب الأمر ذلك وتعاونية اذا تيسر لها ذلك وتصادمية متى لم يكن لذلك من بد، عندها ستكشر كل ايديولوجية في وجه الاخرى.
  فالامبروطوريات  العظمى بشكل عام لا تبرر لك افعالها فالغاية تبررالوسيلة شعارها،فوفق منطق المال لا فرق بين نظام رأسمالي  ونظام اشتراكي، فالانتهاكات فعلٌ تُحسنه الرأسمالية كإحسان الإشتراكية لها، حيث يتم ضرب الدول المستهدفة في العمق  محاولة لإستنزاف الدول من الداخل بسياسة تعتمد على الكذب في الفتك بالمال... من خلالها تسعى دولاً لخلق حاله من التوجس في الأسواق اتجاه اقتصاد دولة ما، مما يجعلها تفقد بالتدريج ثقة المستثمرين لها عبر التلاعب بسنداتها في الاسواق الدولية، من أجل حمل الدولة عل الإنفاق من مخزون عملاتها الاجنبيه لتقويضها سياسياً تفقدها مع الوقت قوتها الناعمة.وعلى المال في صناعة السياسة....بحيث تسعى الدول العظمى لتوجيه الضربة عبر تخفيض قيمة العملة للدولة المصدرة في سبيل الحصول على أكبر قدر ممكن من الصادرات وتقليل الواردات ثم إغراق الأسواق بسلع رخيصة الثمن،  يتبعه  سحب الدولار من الأسواق وانهيار عملتها المحلية مقابل الدولار، مخلفة جبل جليدي فوق أنقاض اقتصادها، معبدة الطريق لحمل الدولة على الاستجابة السريعة لمطالبها ولربطها بإحكام بالشركات العالمية والبنك المركزي الأمريكي وصندوق النقد الدولي وباقتصاد الدول الغربية.
وبطبيعة الحال فكل ما نشهده اليوم من حروب تجاريةطاحنةتدور رحاها بين الأخضر الأمريكي "الدولار " والأحمر الصيني "اليوان " والذي يعتقد كل منهما انه الاقوى والاهم على الساحه العالميه كان سبباً كافياً لصعود أنظمة على حساب أخرى، وضربها  البنية  الإقتصادية التحتية  للعديد من الدول، فقد سبق وأن خسر العالم المليارات من الدولارات كنتيجة حتمية لتلك الحرب التي فاقت آثارها الحروب العسكرية باستهدافها الشعوب بيت القصيدسببها خفض قيمة الدولار والذي بدوره كان سبباً في انخفاض  قيمة الاحتياطي منه في تلك الدول،  حتى تلك التي تتباهى  بنفطها فهي لا تملك السيادة بتحديد قيمته، فذاك مرهوناً بارتفاع وانخفاض الدولار،فتحولت بموجبه الى دول تابعه لا سيّده في اتخاذ القرار، مما أثر سلباً على الدول الصناعيه  الغير منتجه للنفط،  وعلى  دول الشرق الأوسط  تحديداً، الذي تربع على عرش الدول المرشحة لكي تتصدر زمن أطول بانخفاض قيمة عملاتها مقابل الدولار، وتراكم جبال من الديون العامة التي باتت تلتهم الناتج المحلي الاجمالي و الذي بموجبه باتت  تعاني من أحوال معيشية صعبة، وارتفاع في اسعار المنتوجات الغذائية، منذرة  بشبحفقدان الأمن الغذائي الذي بات على لائحة الانتظار...
الا ان ما قد يغفل عنه العديد منّا،ان الصين  بحربها التجارية مع أمريكا وبتبادلها القصف الجمركي الذي فاقت قيمته المليارات، قد أصابها ما اصاب أمريكا من تضخم وعجز تجاري كان سببه اكتساح  صادرات كلا البلدين لسوق الاخرى فكل ما في الامر انه القى بظلاله السلبية على الساحة العالمية، ومثّل  تهديداً كبيراً للدول التي لا تستطيع استبدال المنتج الامريكي او الصيني بآخر محلي،  كما أن الصين التي تصورت نفسها قادره على  القضاء على الدولار هي نفسها من تضررت من احتكارامريكا للعالم عبر هيمنة عملتها وتحديدها لقيمته وربط مختلف العملات به ورفع الفائدةعليه،  فمن وجهة نظري لا و لن يكون اليوان  ولي العهد المنتظر و البديل لقيادة الاقتصاد العالمي،  حتى بعد اعتماد اليوان رسمياً كعملة احتياطي عالمي من قبل صندوق النقد الدولي، فلربما قد لا يكون كافياً ان الصين لم تعد من بين تلك الدول التي تخشى الجوع والمرض وخطر الجيران، بل ومرشحة من بين القوىالمهددة لسيادة الدول على العالم  والسبب يكمن في  عظمة مصالحها المتشابكة مع امريكا، فبإعلانها الحرب والعداءعلى امريكا يعني ضمناً التضحية باقتصادها اولاً تماماً كمن يطلق النار على قدميه.....  ونحن كجمهور العالم الثالث كل ما يمكننا فعله في صراع الأقوياء هذا، ان نحدد موقعنا بينهما بأحد المقعدين، فإما و أن  نجلس نحصي خسائرنا كضحية  في انتظار سقوط هذا وانهيار ذاك... حتى نجد لنفسنا مكاناً في لعبة الامم تلك اوان نسعى نحو استعادة توازننا بالتنمية والتوزيع العادل لثروات البلاد تجعلنا اليد العليا تتحكم بالاقتصادات لا اقتصاد مرتهن يقبع تحت رحمة الدولار....!