ما يحدث لدى دولة الاحتلال من صراع يحدث لاول مرة، وما نلاحظه اقترب من واقع الدول العربية التقليدية حيث ان ما يحدث صراع على كرسي رئيس الحكومة دون وجود برنامج سياسي مختلف، صراع على المواقع دون اختلاف بالمواقف وبشكل خاص فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

الطرفان لدى دولة الاحتلال كلُ له اهدافه حيث ان نتنياهو يسعى من ذلك لحماية نفسه من الانتقال من مكتب رئيس الحكومة الى غرفة في السجن مع الفاسدين، فقد راوغ ولا زال لمنع حدوث ذلك ولم تنتهي معاركه لغاية اللحظة، ومن المتوقع ان يقوم بأي عمل يساعد في منع حدوثه سواء بفتح معركة جديدة او اغتيال شخصيات وقيادات تشعل المنطقة سواء ممن تم تكليفهم مثل بينت او لبيد او لدى حزب الله او ايران وحتى حماس.

والتحالف المقابل والذي يتشكل من احزاب مختلفة منها يمين اليمين واليسار والمحافظين والليبراليين لا امكانية لاجتماعها حول برنامج موحد لفترة طويلة وما جمعهم كلمة واحدة "التغير" وهذه الكلمة تعني ليس تغير السياسات بل تغير نتنياهو  الذي استحوذ على منصبه كرئيس وزراء لمدة 12 عاما حيث وصلت دولة الاحتلال لحالة من عدم الاستقرار باجراء اربع انتخابات وعلى وشك اجراء الخامسة  والسبب الرئيس في اعادتها عدم القدرة على تشكيل حكومة بسبب تمسك نتنياهو بهذا الخيار.

نتنياهو الذي وضع دولة الاحتلال بهذه الحالة ايضا و ربط مصيره بمصير دولته  فقد منع حزبه ايضا  الليكود من امكانية البقاء في السلطة بتنفيذ ذلك عبر شخصية اخرى غيرت وقد يفتت حزبه مقابل اصراره لعدم منح خصومه من التشفي به بين قبضان السجن، وهذا الثعلب وضع خطة لكل السيناريوهات لمنع ذلك، ومنها اجراء انتخابات قريبة لحزبه واستمراره برئاسته ودعمه لهرتسوغ كرئيس للدولة مقابل وعود بحمايته من المحاكمة ناهييك عن حملة التحريض التي يقوم بها ضد الطرف الآخر المكلف بتشكيل الحكومة والذي يسعى باستمرار بالضغط والاغراءات في انسحاب بعض اعضاء الكنيست من دعم بينت ولبيد بالاضافة لاعمال فوضى واعتصامات وحصار لمنازل اعضاء كنيست.

"بينت" الذي اعلن عن انتهائه من تشكيل الحكومة هو تلميذ نتنياهو بل متطرف اكثر منه ولو لم يكن كذلك لما سلمه مدير لمكتبه و رئيسيا لمجلس الاستيطان، ومواقفه المتطرفة اعلنها بشكل واضح اكثر من مرة سواء باستحالة موافقته على اقامة دولة فلسطينية وفخره انه قتل فلسطينين و عد للاستمرار بسياسة القتل وكذلك ايمانه بضرورة ضم اراضي فلسطينية من منطقة "ج" واستمرار الاستيطان وسياسة التطهير العرقي لمنع اقامة دولة فلسطينية، ودور احزاب اليسار الضعيفة محدود جدا بل ومنعدم في تغير سياساته اي بينت وحليفه لبيد.

المتابع يدرك تماما ان داخل دولة الاحتلال ازمة عميقة يستطيع الفلسطينون الاستفادة منها، ومن حالة الارتباك التي تنعكس على معظمهم، بل الواجب عدم الانتظار لفترة اطول وخاصة ان غياب نتنياهو قد يوحدهم ويعيد التحالفات القوية وخاصة اليمينية حول برامجهم التي يجمع عليها اكثر من 80 % من تشكيلة الكنيست وبشكل خاص فيما يتعلق بانكار الحق الفلسطيني ورفض حل الدولتين واستمرار الاستيطان والتطهير العرقي والرغبة في انهاء اي خطر قادم من قطاع غزة حتى لو بالدخول بحرب برية شاملة تفضي بانهاء خطر الصواريخ واي مظاهر للمقاومة هناك.

الطرف الفلسطيني مطلوب منه التوحد والاتفاق على برنامج سياسي بنقاط محدده متفق عليها تتلخص برغبتهم بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران مع تفويض لمنظمة التحرير بطرحها والبت بها بمحددات يشارك بها جميع الاطياف في الساحة الفلسطينية تتم من خلال لجنة قيادية عليا تتشكل بشكل سريع تكون مسؤليتها اقرار اي اتفاق او حل للقضية الفلسطينية وترك جميع الجوانب الاخرى للحوار المستمر حيث ان معظمها يمكن تجاوزه لما بعد التحرير، الفرص المؤاتية لن تنتظر وقد لا تتكرر سواء الاجواء التي خلقتها معركة القدس او حالة عدم الاستقرار داخل المجتمع الاسرائيلي، واعلان خالد مشعل والسنوار موافقة حماس على دولة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية عزز من ذلك.

انشغال الفصائل الفلسطينية بتحقيق مكاسب على بعضهم البعض لن تؤثر على الطرف الاسرائيلي، بل ان هذه اهم نقطة ضعف لديهم يستغلها الاحتلال بل ويحاول تقويتها والحفاظ عليها لاضعاف الطرف الفلسطيني ومنعه من تحقيق اي هدف ملموس، فما نلاحظه خلال الفترة الاخيرة ذهاب الجميع بفتح الحوارات والمفاوضات حول اعمار غزة او صفقة الاسرى وقد يتم جرهم لمعركة اجراء الانتخابات ويتفرغ الاحتلال في تنفيذ مخططاته في تفريغ الشيخ جراح وسلوان وقرية لفتا وتقسيم المسجد الاقصى زمانيا ومكانيا وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية لتغير الواقع لصالح استحالة وجود دولة فلسطينية، وحتى في ظل الانقسام والخلافات الفلسطينية الداخلية لا يجوز اهمال ما يحدث على الارض فان معركة القدس كان عنوانها وقف التطهير العرقي في الشيخ جراح و وقف اقتحامات الاقصى وعدم تحقيقها يسجل فشل فلسطيني ونجاح اسرائيلي ملموس وجعل الشارع فقط يشعر بنشوة اختباء سكان تل ابيب بالملاجىء وصوت او صورة الصواريخ والمسيرات والاعتصامات في كل الوطن الفلسطيني والشتات.

صراع الكراسي داخل دولة الاحتلال واجب ان يستثمر فلسطينيا لتحقيق تقدم سياسي، ومن يحلم ان غياب نتنياهو يعني وجود طرف يؤمن بالسلام فهو واهم فالمجتمع الاسرائيلي اصبح كله يمين متطرف، ولا يجوز ان يكون توجه الادارة الامريكية والدول الاوربية والعربية لمبنى المقاطعة ومنظمة التحرير كعنوان فلسطيني مدعاة لاي طرف ان يسميه مكسب في حال لم يفضي لدولة فلسطينية واستقلال تام فلا فتح قنصلية في القدس ولا عودة المفاوضات الثنائية هدف بل ان الاهداف واضحة اقلها وقف التطهير العرقي في القدس و وقف الاستيطان في الضفة الغربية وعكس ذلك تكون معركة القدس فقط خسائر بشرية ومادية لا اكثر.