شارك بنيامين نتنياهو في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط (1991)، عندما كان يشغل منصب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي. ويظل من شأن العودة إلى ذلك المؤتمر، وإلى ما تلاه من تطورات، وصولًا إلى أيامنا الراهنة، أن توضّح بعض ما يمكن وصفها ثوابت موقف إسرائيل حيال عملية التسوية التي تتطلع إلى أن تحققها لقضية صراعها مع الفلسطينيين.

وإذا ما قفزنا عن حقيقة أن إسرائيل أرغمت على المشاركة في المؤتمر آنذاك، بعدما هدّد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق يتسحاق شامير بعدم منحه ضماناتٍ لازمة لقروضٍ طلبتها حكومته، فإن ما يتعيّن التوقف عنده ولو بإيجاز: بدايةً نجمت معارضة إسرائيل عقد مؤتمر دوليّ للسلام، كما يؤكد مقرّبون من شامير، عن حقيقة أن فكرة المؤتمر الدولي كانت عربيّة أساسًا، يُراد منها أن يُصار إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 242، والذي، وفقًا لقراءة إسرائيل، يتحدّث عن الانسحاب من أراضٍ محتلة وحدود آمنة ومعترف بها وحل عادل لمشكلة اللاجئين، غير أنه، بعد اضطرارها المشاركة في المؤتمر، بذلت إسرائيل كل ما تستطيع في سبيل استبعاد فكرة رعاية الأمم المتحدة للمؤتمر، وعدم البحث في ما باتت تسمى لاحقًا "القضايا الجوهرية"، وأن لا تكون هناك استمرارية للمؤتمر. كما كانت حريصةً على أن يتضمّن المؤتمر إمكان إجراء مفاوضات ثنائية منفصلة من دون حضور طرف ثالث. وفي ذلك الوقت، لم يكن هناك قبول إسرائيلي لفكرة وجود وفد فلسطيني مفاوض، بل كان هذا الوفد جزءًا من الوفد الأردني، وتشكّل من شخصياتٍ من الأراضي المحتلة منذ 1967. واتفقت إسرائيل مع الأميركيين، وفقًا لما نشرته، على أن تكون مثل هذه المفاوضات من دون شروط مسبقة، وأن يكون القرار 242 أساسًا لها، مع احتفاظ كل طرفٍ بالحق في تفسير القرار بطريقته.

وبموجب ما يؤكد مدير مكتب شامير، إبّان تولّي الأخير منصب رئيس الحكومة (1988-1992)، رفض رفضًا باتًا صيغة "الأرض مقابل السلام"، وطرح بدلًا منها صيغة: "السلام مقابل السلام". و"كان (شامير) فخورًا حتى يومه الأخير بأنه في عهده لم تُسلّم إسرائيل سنتيمترًا واحدًا من أجزاء وطنها"!

يضعنا هذا مباشرة أمام أصل معادلة "السلام مقابل السلام" التي يتبنّاها نتنياهو، وتتساوق معها جهات عربيّة، وكذلك يسلط الضوء على حقيقة أن نتنياهو هو مكمل درب شامير. وإكمال الدرب ينسحب كذلك على معارضة نتنياهو المشاركة في مؤتمر السلام الدولي الذي عقد في باريس في يناير/ كانون الثاني 2017.

وشارك في هذا المؤتمر وزراء خارجية ومندوبو أكثر من 70 دولة ومنظمة دولية، ولكن من دون مشاركة الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني. وتم التأكيد، في بيانه الختامي، على أنه لا بديل عن حل الدولتين لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. ودعا الطرفين إلى الامتناع عن اتخاذ أي خطواتٍ أحادية الجانب، من شأنها التأثير على طبيعة قضايا التسوية النهائية، ومنها القدس والحدود والأمن واللاجئون، وشدّد على أن هذه التسوية يجب أن تحفظ أمن إسرائيل.

وفي حين أن الولايات المتحدة مارست، عند انعقاد مؤتمر مدريد، ضغطًا على إسرائيل للمشاركة فيه، فإنها لم تمارس عليها ضغطًا للمشاركة في مؤتمر باريس.

أكثر من ذلك، نُشر في إسرائيل أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي شارك في المؤتمر، وكان على وشك انتهاء ولايته، هو وإدارة رئيسه باراك أوباما، وتسليمها إلى إدارة دونالد ترامب، اتصل هاتفيًا بنتنياهو، وأكد له أنه لن تكون هناك أي استمرارية للمؤتمر في مجلس الأمن، وطمأنه بأن الولايات المتحدة ستعارض أي طرح منبثق عن المؤتمر قد يُعرض على مجلس الأمن، كما أطلعه على الخطوات التي اتخذها الأميركيون في مؤتمر باريس بهدف "تليين" نصّ بيانه الختامي.