يمكن لأي حشري أن يطلب فتوى لغوية، من اللغوي الألمعي، عارف حجاوي، أو تلميذه النجيب، خالد سليم.
أظنّ أنّ «مفارقات» تفيد مدى أطول من «متفارقات» كما الحال (أو عكسه) بين «مقاربات» و»متقاربات». أظنّ، كمان، أنّ الحال الفلسطينية الراهنة ـ المشحونة، غنيّة بالمفارقات ـ المتفارقات، كما بين «مقاربات» و»متقاربات».. طيّب، بلاش لغو في اللغة.
1 - مفارقة لواء في «المنارة»:
حدّثني صديقي عن مفارقة حصلت في تظاهرة يوم السبت، في ساحة المنارة: أسير فتحاوي محرّر، كان محكوما بالمؤبد، وأُفرج عنه، حاول تهدئة هتافات وشعارات، مخلوطة بالسباب والشتائم، قال: «مش هيك يا شباب»، فازدادت غلوّاً وتخويناً و»ارحل يا عباس»!
الأسير المحرّر صار لواء متقاعداً، وخلال تشكيل القوائم الانتخابية كان عضواً في قائمة القدوة ـ البرغوثي، وزرته مع صديقي في المستشفى الاستشاري، قبل خروجه بعد إبلاله من موجة «كورونا» سابقة. في تلك التظاهرة المعارضة للسلطة، كان رجال الأمن بالبزات، كما المؤيدين للسلطة بالزيّ المدني، كما اللواء المتقاعد، كأنهم شبه «تماثيل من ثلج».. لا قمع كما كان حصل، ولا ضربة كفّ أو عصا!
الذي حصل أنّ اللواء الفتحاوي، المنافس لقائمة «فتح» الرسمية، انسحب من المكان ومعه لفيفه.
2 - مفارقة تظاهرات مدن
يقولون، إن مدينة نابلس، ومدينة الخليل تميلان إلى «المحافظة» خلاف مدينة رام الله «الليبرالية». قبل تظاهرة، أول من أمس، للمعارضة ـ المتعارضة، في «المنارة» جرت تظاهرة في ساحة الساعة ـ المغتربين ـ عرفات، وأخرى تعارض معارضة المعارضة في ساحة «المنارة».. مع مشاحنات بين تظاهرتين في مكانين متقاربين.
يوم السبت، سادت تظاهرة المعارضة في «المنارة».. لكن في اليوم ذاته، كانت الخليل «المحافظة» بحراً من تظاهرة مؤيدة للسلطة. في اليوم السابق لذلك، كانت نابلس «المحافظة» حشداً من المؤيدين للسلطة. في هذه وتلك كانت رايات البيرق الأصفر غلّابة على العلم الوطني.
مع ذلك، اصطدت في تظاهرة نابلس مفارقة رايات ـ لواءات غريبة عما أعرفه من راية صفراء، صممها مطلع ثورة «فتح» الفنّان السوري الراحل نذير نبعة.
العلم الوطني هو العلم.. لكن رايات وبيارق ولواءات الفصائل لم نكن نراها في بيروت مرفوعة بأيدي الجمهور، بل ترافق ملصقات عمليات وشهداء الفصائل الفدائية.. وحسب.
حسناً، ما لفت انتباهي في تظاهرة نابلس، أن بعض البيارق الفتحاوية الصفراء، كان يعلوها نص «الشهادتين».. لماذا؟ أعتقد أن حزب البعث العراقي كان له ـ إن شاء ـ أن يضيف إلى بيرقه عبارة «الله أكبر».. لكن ليس إضافة عبارة التوحيد إلى العلم العراقي، بعد حملة صدام حسين على إيران الإسلامية، التي أضافت كلمة الجلالة على علمها الوطني.
3 - مفارقات قرية «بيتا» وبؤرة «أفيتار»
لا أتذكّر أنّ جماهير قرية بلعين رفعت سوى العلم الوطني، ولم يرَ أحد في مسيرات قرية «بيتا» سوى العلم الوطني.
بعد 66 يوماً وليلة، ضربت «بيتا» نموذجها للمقاومة الشعبية السلمية، وتمت زحزحة مستوطنين أقاموا بؤرة «أفيتار» على صهوة جبل «صبيح» لصالح مدرسة دينية ـ عسكرية مؤقتة. اعتاد المستوطنون أن «ينتحلوا من خرافات وأساطير التوراة، ومن الأسماء الأصلية، بعد تحريفها، أسماء لمستوطناتهم.
هل اسم «أفيتار» مستعار من فيلم خرافي شفّاف وجميل عن تمرد سكان كوكب فضائي على غزو بشري لكوكبهم واستيطانه بتكنولوجيا عسكرية من الجيل العاشر!
نعرف أن «بيت إيل» كانت معسكراً لجيش الانتداب البريطاني، ثم للجيش الأردني، وأخيراً لجيش الاحتلال الإسرائيلي.. إلى أن صارت مقرّاً للحكم العسكري الإسرائيلي، ومستوطنة رئيسة مع حامية عسكرية.
سيجد أهل «بيتا» أشكالاً جديدة لمقاومة انتحال تغيير اسم بؤرة تهويدية إلى مدرسة عسكرية دينية.
4 - مفارقة جامعتين
عمر الجامعة الأميركية ـ بيروت، أعرق جامعات لبنان. ربما كان أكثر أو أقلّ من قرن ونصف القرن؛ وعمر أعرق الجامعات الفلسطينية، جامعة بيرزيت، أقلّ أو أكثر من نصف قرن. مع ذلك، فاز فريق رباعي من خريجي الهندسة في جامعة بيرزيت في مسابقة دولية على 13 مشروعاً لإعادة بناء حوض ميناء بيروت. الفريق من ثلاث مهندسات ومهندس واحد.
5 - مفارقة جامعة «التخنيون»
تتبوّأ هذه الجامعة مكانة بين جامعات العالم متقدمة علمياً على جملة من الجامعات العربية. هناك بلدة عربية في الجليل، تتقدم عالمياً بنسبة خرّيجي الطبّ إلى سكانها، وتفيد إحصائية بأن 20% من الأطباء في إسرائيل هم عرب فلسطينيون، و25% هم ممرضون.. لكن 50% من الصيادلة هم فلسطينيون!
المفارقة غير المتوقعة أنّ 40% من خرّيجي جامعة ـ معهد «التخنيون» هذا العام هم فلسطينيون.. لكن هذه المفارقة تكبر، إذا كان 90% من الـ 40% خرّيجات، علماً أن نسبة العرب إلى اليهود في إسرائيل، هي 20% لا غير.
***
نسبة الجريمة المنظمة في الوسط الفلسطيني في إسرائيل أعلى منها في مناطق السلطة. هل هذه مفارقة ـ متفارقة.. أم أن السبب هو المفاجأة غير المتوقعة، حيث اعترفت قيادة شرطة إسرائيل أن عصابات الجريمة المنظمة ذات صلة كبيرة بجهاز الأمن العام «الشين بيت» ـ «الشاباك»، الذي يدير جهاز «المستعربين» في الأراضي المحتلة.