يحكى انه في زمن الجاهلية اي حين كان الناس يصنعون آلهتهم ويعبدونها ويقتتلون للذوذ عنهاـ في ذلك الزمن الممتد بصورة واخرى حتى ايامنا هذه، اخترع احدهم الها اقتصاديا ينفع للعبادة والاكل فصنع تمثالا من تمر يعبد في وقت الشبع ويؤكل في وقت الجوع!
ما علاقة هذا بموضوعنا؟
قد نتوصل الى جواب من خلال سرد قصة حكوماتنا منذ بداياتها في زمن اوسلو حتى ايامنا هذه.
اول حكومة شكلت لادارة الوضع الجديد الذي احدثته اتفاقات او تفاهمات اوسلو شكلها الرئيس ياسر عرفات، وظلت رئاسته للحكومة امرا محسوما دون نقاش، الى ان قرر مقاولو مشروع السلام ” التاريخي” فصل الحكومة المفترض ان ترعى المصالح الحياتية للناس الذين يعيشون في مناطق الحكم الذاتي المحدود، عن جسم النظام السياسي الفلسطيني الذي يحتل فيه ياسر عرفات موقعا مركزيا احتكاريا مدى الحياة، ورغم محاولاته المستميتة لمنع ولادة هذه الحكومة ذات الاستقلال النسبي عنه، الا ان ارادة وامكانيات رعاة المشروع كانت اكثر فاعلية فتأسست اول حكومة فلسطينية لا يرأسها عرفات وكان بديهيا وتلقائيا ان يكون رئيسها رفيق عرفات في التاريخية وفي حكاية اوسلو محمود عباس.
عرفات الذي يقاتل حتى عن عقال بعير يمكن ان يؤخذ منه لم يسمح لحكومة عباس ان تتمتع بما اعطي لها من صلاحيات، وفرض بفعل مكانته وتعود الجميع عليه حالة ظل فيها هو صاحب القرار وظلت الحكومة المستجدة التي شكلها العالم تعاني الامرين في ممارسة مهامها وفق ما حدد لها، ومن الاعراض الجانبية التي نشأت في تلك الحقبة هي انقسام اهل الجسم الاساسي للنظام بين من يجد مصالحه عند حكومة عباس وهم الاقلية، ومن يجدها عند عرفات وهم الاكثرية ، وفي اقل من اربعة شهور يئس عباس من مواصلة الصراع على الحدود الدنيا من صلاحياته فقدم استقالته وقبلها عرفات على الفور، وكانت النتيجة ان رحل الرجل وبقي الموقع. ومنذ ذلك الوقت والى يومنا هذا ظلت الحكومة تحت السيطرة المطلقة للرئيس.
وفق التراتبية العائلية في فتح والمتوافقة مع تراتبية الدور في اوسلو وما بعدها كلّف عرفات احمد قريع برئاسة حكومة يشكلها عرفات من الالف الى الياء بمعنى انه هو من سيقودها فعلا بالجملة وبالتفصيل.
رحل عرفات عن دنياه ودنيانا، وحل محله عباس في رئاساته المتعددة، فجدد لقريع موقعه كرئيس للحكومة الى ان وقع الانقلاب الحمساوي فتمت التضحية بقريع وفق مقولة ان فتح زاهدة بالحكومة وعرض الموقع على صاحب اصغر كتلة برلمانية هو الدكتور سلام فياض.
حقق الرجل حسن السمعة ما حقق واخفق فيما اخفق، الى ان تمت التضحية به بفعل رأي عام شكلته فتح في غير صالحه وكلف الدكتور رامي الحمد لله بالمهمة، لم يكن فياض والحمد لله من عظم رقبة فتح مع انهم قريبون من الانسجام الكامل معها ونما في اوساط الحركة الكبرى رأي يقول لما لا تكون الحكومة في الضفة فتحاوية خالصة وان يكون رئيسها رسمي الانتماء للحركة فسمي عضو اللجنة المركزية محمد اشتية، ومنذ توليه حتى التضحية به في وقت ما سميت حكومته بحكومة فتح .
الثغرة الواسعة التي اعترت هيكلها ومكوناتها السياسية انها خلت من معظم فصائل منظمة التحرير وحركة حماس بصورة مباشرة او غير مباشرة، ما افقدها ما يسمى بالنصاب السياسي الذي يجعلها في حالة انسجام مع المكون الاشمل للنظام الفلسطيني الذي هو منظمة التحرير .
قدم الدكتور اشتية نفسه كرئيس وزراء للكل الفلسطيني ومع ان هذا التقديم يفتقر الى معطيات الواقع بفعل المقاطعات ، الا انه فوق ذلك اوقع فتح في محظور كانت دائما تحرص على تجنبه وهو ان لا تحاسب وحدها على اخفاقات الحكومة، صحيح انها في زمن عرفات كانت العامود الفقاري وصاحبة القرار الرئيسي الا انها كانت اشد حرصا على ان لا تسمى الحكومة باسمها وحرصت كذلك على ان تجد من يشاركها الحمل ولو بفاعليات متفاوتة.
الان… يتداول حديث في الاوساط الشعبية والصالونات والمنابر بما في ذلك فتح التي يسميها كثيرون بالحزب الحاكم حول احتمالات التضحية بالدكتور اشتية واستبداله برئيس وزراء مستقل يجري البحث والتنقيب عنه لعله يكون العطار الذي يصلح ما افسد الدهر. وفي حالة كهذه تنفتح ابواب الاجتهادات والشائعات والتخمينات ومركزها الان الدكتور سلام فياض، ويجري تأليف مسلسل متكامل الحلقات يصور الامر كما لو ان مرسوم التكليف معد للطباعة والنفاذ ، وبصرف النظر عن صدقية ما يتداول واحتمالاته الواقعية، فالمعروف ان امرا كهذا لا يطبخ في العلن ولا هو مجرد شأن محلي واضعين في الاعتبار ان طريقة الرئيس عباس في اتخاذ قرار على هذا المستوى تخصه وحده، وفي افضل الحالات يطلع عليها قليلون من حوله، غير ان كل شيء موجود في هذه الحكاية الا الاصل واعني به القدرة على الانجاز فالامر في بلادنا وبوجود رئيس اعلى يمتلك الصلاحيات والنفوذ وبوجود قوى سياسية كل لها اجندة مختلفة عن الاخرى، وبوجود مشاكل ومعضلات متنامية ومتوالدة وبوجود شارع طلبات الحد الادنى فيه تبدو مستحيلة، وبوجود احتلال يخفض الاسقف كل يوم بما في ذلك الراهن واهمه اعادة اعمار غزة والدائم وهو اقتراب الفلسطينيين من حل سياسي فيه قدر من الحرية وقدر من الاستقلال ، في حال كهذا الحال هل يمكن لاي رئيس وزراء ان ينجح في ما هو مطلوب منه ام ان حكاية تمثال التمر ستتجدد مرة اخرى بحيث من يصنع اليوم يؤكل غدا.