الأخوات والإخوة في اللجنة المركزية لحركة فتح 
إن حالة البلاد لا تشي بخير، وأن الأداء العام للحركة لا ينبأ بقدرتها على مواجهة الصعاب والأزمات وإعادة دورها الريادي في جمع المواطنين، واحتضان الجماهير، وحماية الحقوق الدستورية، وإعلاء قيم الدولة المرسومة في وثيقة إعلان الاستقلال، وحفظ تقاليد حركة فتح التي رسختها بالفعل الثوري والنضالي في الجبهات المختلفة وملاحم البطولة للثورة الفلسطينية، ونضالات أبنائها على مدار أكثر من نصف قرن من شهداء وجرحى وأسرى في سجون الاحتلال ومقاتلين في قواعد الثورة الفلسطينية صونا للإرث الوطني للشعب الفلسطيني، أو بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها. 

لا أخال أن أحداً منكم تنقصه المعرفة أو التحليل أو الاطلاع على المؤشرات المؤدية إلى الانفجار؛ كضعفِ ثقة المواطنين بنظام الحكم لغياب الأفق السياسي، والفشلِ في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وشعورٍ واسعٍ بعدم مكافحة الفساد ، وفقدان الأمل لدى الشباب في المستقبل، والشعورٍ بأن النظام السياسي يعمل لصالح فئة محدودة وليس للصالح العام، وشعورٍ لدى جمهور واسع من المواطنين بخذلان السلطة الفلسطينية لهم أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانعدامِ المشاركة الشعبية في صنع السياسات لضعف مساحات المشاركة أو إلغاء الانتخابات التي كان مزمع عقدها في شهر أيار/ مايو الفارط، وضعف حجج المتنفذين "السياسيين منهم والموظفين" في تبرير أفعال النظام السياسي وقرارته. فيما أذكت جريمة قتل الناشط نزار بنات الشعور الممزوج بالغضب والخوف وانعدام الثقة وهي تشكل صواعق تفجير لبركان قادم.

الأخوات والأخوة أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح
أكتب هذه الكلمات، وأنا أزعم بأنني، معبرا عن طيفٍ واسعٍ من فتحاويين ويساريين وأبناء تنظيمات وطنية وحركات وشخصيات اجتماعية في البلاد وفي المنافي؛ حرصاً على حركة الشعب الفلسطيني وجماهيره الهادرة في وجه الاحتلال والظلم والتعسف والاستبداد الذي عانى منه الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وحباً بفكر حركة ثورية يعلي شأن الإنسان الفلسطيني ويوفر حاضنة لطيف واسع من المواطنين على اختلاف مرجعياتهم الفكرية والأيديولوجية والدينية، وصوناً لنضالات الشعب الفلسطيني في وجه الاستعمار الاستيطاني الاحلالي المتمثل بالتناقض الرئيسي، وحمايةً للمشروع الوطني القاضي بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وحق العودة.

الأخوات والأخوة في اللجنة المركزية لحركة فتح
تقضي المنطلقات الفكرية، التي وضعها الآباء المؤسسون في حركة فتح، بالتفريق الجوهري بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي وآليات التعامل مع كل منهما؛ إذ رسمت ملامح اساسية للوجهة الحاكمة في معالجة القضايا أو تحديات البناء الديموقراطي والخلافات السياسية الداخلية الوطنية منها والاجتماعية. 

تضع هذه المنطلقات الفكرية "قواعد المنهج" لسلوك حركة فتح وأطرها في التعاطي مع القضايا الوطنية ولمعالجة الخلافات والتحديات التي تواجه المجتمع الفلسطيني ومشروعه الوطني، تتمثل هذه القواعد بما يلي:

(1)   تُعرف حركة فتح نفسها، في المبدأ العاشر، بأنها حركة وطنية ثورية أي أنها، أو بالأحرى هي، أداة للتغيير الجذري للواقع من خلال التمرد على الاحتلال والظلم أولا، وتطوير القيم المجتمعية ثانيا. وهي طليعية في التغيير مما يتطلب منها، ومن قياداتها وكوادرها ومناضليها ومناضلاتها، الاضطلاع بالدور التنويري في قيادة عملية التغيير بقواعد وآليات ديموقراطية لتوجيه حركة المجتمع. 

(2)   هذان الأمران "الوطنية الثورية والطليعية" منسجمان مع هدفها "الثالث" المتمثل بناء مجتمع تقدمي يضمن حقوق الإنسان ويكفل الحريات العامة للمواطنين كافة. 

(3)    كما أن إقامة دولة ديمقراطية "الهدف الثاني" قائمة على العدل والمساواة ترفض التمييز والتسلط، أي تحمي الأسس الفلسفية للنظام الديموقراطي القائم على "الحرية والمساواة"، والمرتكزات العملية الثلاثة لهكذا نظام "احترام سيادة القانون، والانتخابات الحرة والنزيهة، وإعمال مبدأ الفصل بين السلطات" كما هو منصوص عليه في القانون الأساسي الفلسطيني لضمان حماية وصون كرامة المواطن الفلسطيني.

(4)   وفي الطريق لتحقيق المجتمع التقدمي والدولة الديمقراطية "تسعى الحركة للقاء كل القوى الوطنية"، ما يعني أن الحركة توسع من رقعة الوفاق والاتفاق مع القوى الوطنية؛ وإن صاحبتها اختلافات هنا أو هناك في مسائل سياسية واجتماعية أو في إدارة الحكم، باعتباره وسيلة استراتيجية لاجتياز مرحلة التحرر من الاستعمار وللبناء الوطني الديموقراطي.

بالمنطلقات الفكرية هذه وضع الآباء المؤسسون قواعد المنهج القادرة على الجمع بين التطور والمرونة دون الكسر أو الانحراف، وهي بذلك ترفض بالمطلق السلوك السلطوي؛ بنعت الشركاء في الوطن والنضال والمقاومة والمواطنة ودفع الضرائب المختلفين مع توجهات ممن يقومون بإدارة البلاد بالآخرين "بمعنى الأغيار" أو تهديدهم بالعنف أو وسمهم بالمخربين أو أصحاب الأجندات الخارجية أو المشاغبين أو الاعتداء على المحتجين السلميين على سياسات النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، أو الفرض بالقوة لامتلاك الساحات ومنع التجمع السلمي لفرض هيمنتها وتضيّق مساحة الحرية باعتبارها أداة سلطوية. 

الاخوات والاخوة رفاق الدرب 
إن النقاشات التي تجري في الاجتماعات واللقاءات المختلفة والأحاديث الجانبية تؤكد على الدوام على دور حركة فتح الريادي في الحركة الوطنية، وتقر بضرورة بقائها في قيادة هذه الحركة باعتبارها العمود الفقري لها لضمان حماية المشروع الوطني وبناء دولة ديمقراطية تحفظ للشعب الفلسطيني حريته وتصون كرامته. وأن أية خلافات لا تعدو عن كونها تناقضات ثانوية تحل عبر الطرق الديمقراطية؛ أي عبر الحوار المرتكز على قيم الدولة المدونة في وثيقة إعلان الاستقلال وأحكام القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية وتقاليد الحركة الوطنية وأعرافها، ومنطلقات فتح الفكرية المدونة في نظامها الأساسي. 

نتطلع إلى الثورة، التي أطلقتها الحركة عام 1965، باعتبارها عملية تغيير جذري للواقع ونقل الانسان الفلسطيني من الظلم والاحتلال إلى الحرية والحياة بكرامة. ولا أخالُ أن أحدا، من أبناء حركة فتح وفصائل العمل الوطني، ناضل من أجل استبدال الاحتلال بالاستبداد، أو حمل روحه على كتفه أو أفنى سنواتٍ طويلةٍ من عمره لإنتاج نظام استبدادي. 

الأخوات والإخوة رفاق الدرب
إن تجاوز هذه الازمة يحتاج الى مبادرة ريادية من حركة فتح لإطلاق عملية إصلاح سياسي جدية تُشعر الفلسطينيين بالتغيير في المنهج والأشخاص وطرق المعالجة، وترتكز على احترام سيادة القانون، وصون الحريات العامة وحقوق الإنسان وحمايتها، وإجراء الانتخابات العامة والمحلية، وضمان تفعيل مبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في القانون الأساسي الفلسطيني. 

إن كلماتي المنتقاة بما تحمله من "قواص الكَلمِ" هي لإسماع البعض ما يجب أن يسمعه، وليس ما يرغب ويحب أن يسمعه، دون مواربة بما تتضمنه من حقائق ومواقف وآراء لإسماع صوت "الآخرين" وفئات متعددة ومختلفة من الشعب الفلسطيني.