«يجب مسح بلدة بيتا وإقامة مستوطنة مكانها». التصريح الذي أدلى به «أرئيل شارون» في نيسان 1988 في أعقاب النصر الذي حققته «بيتا» على المستوطنين وجيش الاحتلال وإحباطها إقامة مستوطنة على جبل «العرمة» الذي تعود ملكيته إلى أهالي «بيتا» والقرى المجاورة لها.
حينها، تعرضت بلدة «بيتا» إلى فرض الحصار ومنع التجول وعمليات هدم منازل المقاومين، وواصل الجيش تمشيط الوِدْيان المحيطة واقتحام البيوت وصَلْب الأهالي خارج بيوتهم في إطار مطاردة علنية للبلدة وإيقاع عقوبة جماعية عليها.. وتوثق جريدة الاتحاد الحيفاوية في نيسان 1988: استشهاد عدد من الشباب ذُكر منهم «حاتم فايز الجبر، وموسى صالح أبو شمسة»، كما وثقت حوادث نقل الجرحى إلى مستشفى الاتحاد النسائي في نابلس في حالة يُرثى لها خلال المواجهات التي دارت بين الأهالي والمستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال.
وانتهت القصة بانتصار «بيتا» وانقلب المستوطنون على أعقابهم عن جبل «العرمة»، ولم تنقلب الفكرة ليرجع المستوطنون بعد ثلاثة وثلاثين عاماً ويعودوا إلى محاولتهم الاستيطانية على قمة جبل «صبيح»، الجبل المقابل لجبل «العرمة» العائد ملكيته إلى «بيتا» وجوارها.  
بعد ثلاثة وثلاثين عاماً، يَصْعد المستوطنون إلى جبل «صبيح» المطل على بلدة «بيتا» ويقيمون بؤرة استيطانية تحت اسم «أفيتار» نسبة إلى المستوطن القتيل على حاجز زعترة «أفيتار بوروفيسكي». في إطار تنفيذ خططهم الموضوعة في سبعينيات القرن الماضي المعرَّفة بمصطلح «الصعدات»، نسبة للمخطط الموضوع من قبل مجلس المستوطنات بالصعود على رؤوس جبال الضفة الفلسطينية لأغراض السيطرة وبناء البؤر الاستيطانية، ومن ثم العمل على تشريعها وقوننتها.
ينتفض «البيتاويون» من جديد ويهب المجتمع بجميع مكوناته للدفاع عن أراضيهم، وينجحون عبر مقاومتهم المتنوعة الذائعة الصيت، في تحقيق إنجاز كبير وإجبار حكومة «نفتالي بينيت»، أحد قادة مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، على إخلاء «أفيتار» من المستوطنين عبر عقد صفقة مع قادتهم مقابل بقاء المشروع الاستيطاني في مكانه وتحويله إلى مدرسة دينية.
الصفقة لم تخدع أهالي «بيتا»، وما ظهر من عناصر الصفقة في الإبقاء على إقامة طلبة المدرسة الدينية وطاقمها الوظيفي وبعض العائلات، ليس سوى محاولة مكشوفة تخفي مآربها الحقيقية في رسم الوقائع على الأرض دون إظهار الانكفاء البسيط كانتصار للمقاومة في «بيتا»، وانتظار شرعنة البؤر الاستيطانية، بمعنى تأجيل تنفيذ المخطط الكامل لفرصة لاحقة وتهدئة المشهد العام.
أهالي «بيتا» بما يمتلكونه من تجارب وخبرات لا تنطلي عليهم المناورات، لا تعني لهم في شيء التسويات بين جيش الاحتلال ومجلس المستوطنات. فالواقع يُشير إلى أن الجيش هو من وضع عناصر التسوية بشأن «أفيتار» بالشراكة مع مجلس المستوطنات الذي كان بينيت أحد قادته.
لم يرى البيتاويون وجوارهم من المعروض إلّا الجانب المتعلق بنجاح مقاومتهم جزئياً في إجبار الاحتلال على تأجيل تنفيذ المخطط كاملاً، لذلك لم يلتفتوا إلى التسوية، بل استمروا في مقاومتهم بجميع أشكالها حتى يتم تفكيك البؤرة الاستيطانية ورحيل آخر مستوطن عن الجبل والإقلاع إلى الأبد عن استهدافها، لا سيما وقد جرت ثلاث محاولات في العام 2013 و2016 و2018 لبناء البؤرة الاستيطانية، وأحبطت.  
بات واضحاً أن من يتخذ القرار في «إسرائيل هم المستوطنون، المستوطنون من يقرر سياسة حكومة إسرائيل، وهم الكتلة الأكثر تصويتاً في الانتخابات البرلمانية التي يتشكل الكنيست والحكومة على قاعدة نتائجها. أما خدعة تبادل الأدوار بين الجيش والمستوطنين وادعاء معارضة إقامة البؤر الاستيطانية وآخرها «أفيتار» فهو محض ادعاء وافتراء، بعد أن استتب الاستقرار لليمين المتطرف ومشتقاته.
«بيتا» أحد نماذج المقاومة الشعبية الأجمل في المشهد الفلسطيني، يُضاف بالتوازي مع نموذجَي الشيخ جراح وسلوان وغيرهما. يصرُّ أهل بيتا على مقاومة ممارسات الاحتلال سواء جاء على هيئة شارع التفافي أو بؤرة استيطانية أو مدرسة، كل هذه الأشكال غير قانونية ويجب إزالتها. قدمت «بيتا» حتى اليوم أربعة شهداء تحت أقدام جبل صبيح، وكانت قد قدمت شهيدين من أجل حرية جبل «العرمة».
«بيتا» تواجه «أفيتار» بشجاعة، مجتمع أعزل يشتبك يومياً مع الاحتلال. ومنذ العام 1967 قتلت إسرائيل سبعة وسبعين مواطناً من البلدة المناضلة. بعضهم استشهد في مواجهات جبل العرمة وجبل صبيح. لم تستسلم «بيتا» بل تبني على انتصارها في العام 1988 وتطوره. «بيتا» قدمت نموذجها الخاص في المقاومة الشعبية وهي تقدم أسلوبها الجديد المتقدم الذي يغني التجربة الفلسطينية، بغض النظر عن كلفته. والتجربة المجتمعية في «بيتا» لا تقتصر على الرجال، فللمرأة دورها المميز في المقاومة وتأمين الصمود.