في خطوة  نحو المجهول يسير العالم اليوم نحو جنون الامبريالية والرأسمالية الامريكية الغربية، التي باتت محل اتهام في تسعير كوارث المنطقة العربية تحديداً، بحروب اهلية تتغذى عليها وتستثمر فيها في محاولة بدت ناجحة  لتفريغ الدولة من مضمونها، بحيث تبدو غير صالحة للحياة لا للشعوب ولا للأنظمة، وسعياً منها لحرف البوصلة وتجهيل الاجيال حتى وصل حالة تدني الوعي الشعبي لهذه المخاطر الذي تهشمت معنوياته وتراجعت بعدما فقد الامل و لم يجد لمطالبه بالحياة الكريمة صدىً يذكر، مرحلة لا يدري الى اين يوجه اصابع الاتهام للازمات التي تبدو ظاهرياً مجهولة المصدر على الرغم من ان السيناريوهات ذاتها قد جربت واستخدمت في جميع الدول العربية من البحر الى النهر بلا استثناء، وحفظتها الشعوب عن ظهر قلب، فالامور مهما بدت عشوائية فإن مخططاً هادفاً غالباً ما يكون وراائها،  بالرغم من محاولة بعض الاقنعة ان تخفيها،  فمثل إعتداء متواصل على السيادة العربية، فإن مليارات من الدولارات التي اصبح المستحيل معها ممكناً تُهدر سنوياً  لأسلحة  وأجندات بهدف إشعال  نار الاقتتال والفتنة فيها، وهي التي من المفترض ان توظَف لتحسين الأمة علمياً وطبياً واقتصادياً وتكنولوجياً تحت مسميات مختلفة، تلبس ثوب الانسانية والعمل الخيري  برّاقة في مظهرها وجذابة في تقديم نفسها والغاية عادةً ما تكون قلب الرأي العام وتغيير السياسات وخطف عقول المدنيين وتدجين الثقافات وترسيخها، ليتسنى لها توجيه شريحة من المجتمع وفقاً لما تحب و تهوى، سعياً منها لتأمين نفوذ بلادها، مستغله ثقافة الغاب القائمة على مبدأ" فرّق لكي تسد "

 فبوضوح لا لبس فيه عمدت الولايات المتحدة ومن خلفها اسرائيل والغرب على اعادة رسم خارطة العالم العربي، بما من شأنه ان يمزقها داخلياً الى كيانات هزيلة متناحرة تستطيع من خلالها بسط نفوذها عليها، متصيده كل بلد على حده بحروب ودمار وتخريب، استحضاراً لاستعمار جديد من صنع يدها وعلى شاكلتها ومن نفس هيئتها،  فالمطلوب اليوم ليس شريكاً او نداً، وانما تابعاً يؤمر فيطيع.. ينفذ ما تقوله هي عن نفسها واهدافها وعملها، متجهه في سبيل ذلك الى قبور ايقونات الشرق الاوسط ومثقفيه، للتأكد من انهم فد ماتوا فعلا ....! 

فلم يكن بخافياً على احد ما احدثته الانظمة العربية بشعوبها التي باعت الوطن والوطنية وطرحتها جانباً  ابتداءاً  بلبنان وسوريا والعراق مروراً  بليبيا واليمن وما بالك بفلسطين التي فاجأت الفلسطينيين انفسهم قبل غيرهم بحرية الرأي والتعبير كجريمة عظمى تلاحق صاحبها خدمة للاحتلال بطريقة او بأخرى ...وكيف اذاً  لدولاً ان تستقل وان تتحرر والحريات فيها على مقصلة الاعدامات ...!؟ وليس اخرها تونس رأس جبل الجليد الذي إن انهار انكشف معه اجندات من التزم الصمت وقبل ضمنياً حيال ما يحدث من محاولة قتل للربيع العربي بالانقلاب على الدستور والبرلمان المنتخب ديمقراطياً اغلب الظن وبوضوح تام لا لبس فيه  ولا غموض انه بداية لعبور الديمقراطية التونسية، وحل الديكتاتورية التي لم تهدأ تونس ومعها الدول العربيه يوماً حنين وأشواق الخلاص منها، فهي لم تكن لتتخيل يوماً احتمالية توقفها على ان تكون الاستثناء الديمقراطي في المنطقه وان تنزلق الى مصاف الثورات الاخرى التي انطفأت شمعتها الاخيرة وتحول ربيعها الى شتاء قارص بالانقلاب عليها  من قبل انظمة  كان شعارها الانتخابي قبل وقت قصير نموت نموت ويحيى الوطن ... صمت  لا يمكن تفسيره الا على انه تنصل واضح لمبادئ الديمقراطية وشعار الحريات التي ترفعه عالياً في مدينة نيويورك، بل ولديها منظمات حقوق الانسان في عقر دارها  وتطالب بها دول المنطقه اجمع.

فما يحدث في تونس لا يمكن وضعه ضمن خانة القضاء والقدر، ففي نظر هؤلاء ان الربيع العربي ولد في تونس ويجب ان يموت فيها...و حتى لا تعرف الديمقراطية  في تلك الدول لها يوماً درباً او سبيلاً..

فبدهاء وحنكة وعلى مبدأ "الغايه تبرر الوسيلة" كثيراً ما كان الدافع لتدخُّل دولاً بشؤون اخرى هو القضاء على تنظيمات، وخلق عدو من جسم الأمة العربية ومن داخلها  يهدد المنطقة ويتربص بها يكون وجوده  سبباً لنشوب الحروب في هذه المنطقة هي  في الاساس من صنعها وصنيعتها، فهيأت له الظروف الملائمة وأمدته بالمال وقوة السلاح من عدّه وعدد،  بهدف السيطره والحصول على الامتيازات في تلك الدول  التي غالباً ما كان يحققها الانتصار العسكري،  زاعمة انها لم تكن لتفعل فعلتها تلك الا بدافع سلمي  بهدف استتباب الامن وبسط نفوذه،  بل انها في بعض الاحيان تدعي ان هذا التدخل كان محل ترحيب من قطاعات مستنيره من الشعب كي تبقيه مشغولاً  بنفسه وذاته، لا يفكر بشيئ اسمه سياده او تطور او تطلع الى سواها.

فهي التي  لديها من الخبره والحنكة ما يمكنها من تحريك الشارع وفق اهوائها بشعارات تقسيمية و تفكيكية وعبر توجيه اعلامي مضلل وعبر خلق شكل من اشكال الظروف الخانقه تحديداً على المستوى الاقتصادي  بممارستها لحرب العملات  بإخفاء الدولار من البنوك، وخلق حاله من السوق السوداء  للوصول بالحاله الاقتصادية الى الدرك الاسفل، وصولاً الى حالة الاحتراب الداخلي  والتفكيك الاجتماعي، حتى يصل المواطن الى اضعف حاله يمكن ان يتحملها انسان،  موفره لحلفائها من الانظمة الحمايه مقابل المال والتجاره في مسعى منها الى الربح في السلم ما عجزت عنه شراسة الحرب  فيغدو قتال فصيل او حزب او طائفه مطلباً مباحاً للامة وللشعب، ليس أنعم منها حرباً او أكرم منها قتالاً، وتصبح حرباً لها اسبابها الجوهرية واشعالها يكاد يكون للجميع منطقياً لا يقبل الاعتراض او  حتى الاستنكار، فلا تلام  وقتئذٍ لا امريكا ولا اوروبا ولا اسرائيل، كي لا يكون هناك شعوراً بالذنب او تأنيباً للضمير فهنا يكمن الذكاء  وتكمن الحيل ... 

فصناعة الفتن والحروب الداخلية شأنها شأن باقي الامراض الصناعية الفتّاكه كالجراثيم والميكروبات التي يتم تحضيرها داخل غرف محصنة ومختبرات تظهر عند اللزوم ولحين الغرض الذي من اجله صنعت والتي ان استوطنت في جسد الامة وفتحت لها الابواب انهكتها..! واندفعت ناراً تأتي على من في طريقها، ذلك ان مستعظم النار من مستصغر الشرر... فكيف الحال ان كانت ناراً وقودها من هذا العيار الثقيل ومن هذه النوعية وعلى هذا القدر من المستوى التي تستنهض في الكثير من الاحيان الثأر والانتقام.

 فإذكاء الحروب وإشعالها اضحى ضرورة ملحه اقتصادياً كي تتوفر الاسواق الملائمة لشراء الاسلحة الفتاكة والحاسمة لأي معركه داخلية كانت ام خارجية،  حتى بات اليوم شراؤها هدفا نبيلاً ومطلباً ملحاً لدى الدول المتصارعة رغماً عن شعوبها المغلوب على أمرها، التي تحولت مدنهم الى بازار للمتاجرة بالدم، وكيف لا والحرب على ارضهم، والرجال الذين يُقتَلون رجالهم، والمال الذي يُسرف لهذه الغاية من ثرواتهم، والتي الديار التي خربت وستخرب هي ديارهم،  حتى وان كان ذلك على حساب لقمة عيشهم التي بات تحصيلها مهمة شاقة وقد تبدو للبعض مستحيلة  فبحكم ما تعيشه الشعوب الفقيره المظلومة والمقموعة في كرامتها وحريتها تشعر  بنفسها غارقة بالظلم وبحار من البطالة وضياع الشباب الهائمين على وجوههم بلا وظائف تناسب تخصصاتهم وغالباً بلا وظائف ناسبت ام لم تناسب مما يضطرهم للهجره  بحراً ليغرقون في ظلمات البحار فراراً بشبابهم الى  بلاد الغرب حيث الاحلام لا تقتل والمستقبل لا يضيع والكرامة لا تهان والحقوق  والحريات تلقى الترحيب والاحترام  .....!!