للمرة الرابعة اجتمع قادة الدول العربية الثلاث: مصر والأردن والعراق، في بغداد في شهر حزيران الماضي، لمتابعة مشروع الشام الجديد، الذي يعتمد على التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، أساساً للتعاون في المجالات الأخرى، ورغم أهمية القمة التي عُقدت، إلا أنها لم تحظ بالاهتمام الإعلامي اللازم، ربما لأن الشعوب العربية قد أحبطت بعد العديد من محاولات الوحدة بين بلدين عربيين أو أكثر والتي جرت منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين الماضي، وانتهت جميعها بالفشل، طال زمانها أو قصر، هذا رغم أن الوحدة العربية الشاملة بين كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج، ما زالت حلماً أسمى لدى أكثر من 400 مليون عربي.
والحقيقة أن مشروع التعاون بين الدول الثلاث يعيد للذاكرة أكثر من محاولة وحدة بين مكوناتها، لذا فإن اليد تبقى على القلب، هذه المرة أيضا، ففي عام 1958 أقيمت وحدة كونفدرالية بين العراق والأردن، باسم الاتحاد العربي الهاشمي، نظراً إلى أن البلدين كان يجلس على عرشيهما الملكيين أبناء عم هما الملك فيصل بن غازي ملك العراق والملك حسين بن طلال ملك الأردن، لكن ذلك الاتحاد الكونفدرالي لم يدم سوى خمسة أشهر وانتهى بثورة تموز 58 التي أطاحت بالنظام الملكي في العراق.
كما أقيم مجلس التعاون العربي الذي ضم إضافة للعراق والأردن كلاً من مصر واليمن، وذلك عام 1989، وكان ذلك في ظل تكتلين عربيين أحدهما في المشرق العربي هو مجلس التعاون الخليجي، والآخر في المغرب العربي وهو اتحاد دول المغرب العربي، وكان يطمح للارتقاء بالتعاون الاقتصادي بين دوله الأربع وصولاً للتكامل في المجالات كافة، لكن سرعان ما انفرط عقد المجلس بعد حرب الخليج الثانية عام 1990 .
والحقيقة أن ظهور تكتلات إقليمية عربية، بين دولتين وأكثر، في ظل وجود الجامعة العربية، له علاقة أولاً بحجم أو مستوى التباينات داخل الجامعة أولاً، وثانياً، بمستوى قوة أو ضعف الجامعة وقدرتها على التقريب بين مواقف الدول العربية الأعضاء، فيما يخص الملفات الإقليمية التي تكون فيها الدول العربية بمواقف مختلفة، ففي الوقت الذي كانت فيه مصر الناصرية تسعى لإقامة تجارب الوحدة مع سورية وليبيا والسودان في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، سارعت دول الخليج، التي تتشابه كلها في أنظمة الحكم الملكية والأميرية المتوارثة، وفي هيكل الاقتصاد الذي يعتمد في معظمة على الثورة النفطية، ثم الغاز، إلى تشكيل مجلس التعاون الخليجي، وهو إطار أشبه بالجامعة العربية، ولم يرتق إلى الاتفاق لا على سوق خليجية مشتركة، ولا على عملة واحدة، وبالكاد سمح بمرور مواطني دوله فيما بينها دون أذونات مسبقة!
أما الاتحاد المغاربي لم يكن أفضل حالاً من أمثاله الاتحادات العربية، رغم أنه لم ينفرط عقده بعد، فهو اقرب أو أشبه بمجلس التعاون الخليجي الذي ما زال موجوداً كما هو حال الجامعة العربية، لكنه لم يحقق وبعد مرور 30 عاماً على إقامته التكامل الاقتصادي بين دوله، أو فتح الحدود لحرية الاستثمار، وما إلى ذلك، حيث بقي الملف السياسي الخاص بالصحراء يمنع التقدم بين كل من الجزائر والمغرب الدولتين الأهم من بين دول الاتحاد الخمس.
من الواضح أنه كلما ضعفت الجامعة العربية ظهرت الحاجة أكثر لتعاضد بعض الدول فيما بينها، وليس هنالك من سبيل يهم الأنظمة أكثر من الاقتصاد، ولا شك أن الحاجة لظهور كتل عربية تملأ الفراغ العربي على المستوى الإقليمي، بعد تراجع دور ما كان يسمى بمحور الاعتدال العربي المكون من مصر والأردن والسعودية، بعد ظهور ملفات عديدة نجمت عما سمي بالربيع العربي، خاصة في اليمن وسورية وليبيا، وصولاً إلى اختراق التطبيع الذي اضعف رابط مجلس التعاون الخليجي نفسه، نظراً لتباين مواقف دول الخليج من هذا الملف، وخير دليل على ذلك آن التقليد الوحيد الرئيسي الذي كانت تطل به جامعة الدول العربية على شعوبها سنوياً لم ينعقد منذ أكثر من دورة، ونقصد به اجتماع القمة بين الملوك والرؤساء.
وهكذا فإن من يراقب حركة الإقليم يلاحظ تأثير ثلاث دول فقط، هي إيران وتركيا وإسرائيل، فيما العرب مجتمعين أو فرادى يفقدون التأثير بشكل متتابع، لذا تبدو الحاجة ملحة لظهور التكتلات العربية الإقليمية.
أما لماذا سمي مشروع التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث بمشروع الشام الجديد، فذلك يعود للعام 2014، وذلك استناداً لدراسة أعدها البنك الدولي تشمل دول بلاد الشام، سورية ولبنان والأردن وفلسطين، إضافة لتركيا والعراق ومصر، تعتمد التعاون الاقتصادي، ومضمونه تصدير النفط العراقي لكل من الأردن مصر، مقابل مشاركة الشركات المصرية والأردنية في عملية إعادة إعمار العراق، بعد حروبها المتواصلة، فيما يعرف بصيغة النفط مقابل الإعمار.
والحقيقة أن جوهر التعاون الاقتصادي يستند إلى تمرير النفط الخام العراقي لمصر عبر الأردن حيث يتم تكريره ومن ثم تصديره لأوروبا، إضافة للتعاون في مجالات الطاقة الكهربائية وإنشاء خط نقل النفط الخام، البصرة_العقبة، وقد نصت الاتفاقية على التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول الثلاث في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات.
والحقيقة أيضاً أن الشعوب العربية تدعم أي خطوات في مجالات التعاون بين الدول العربية، وإن كانت الشقة تبقى واسعة بين ما تسعى إليه الأنظمة من تعاون يحقق مصالح الطبقات المسيطرة على الدولة والمجتمع، وتطلع الشعوب العربية، لصيغة وحدوية من شأنها أن تزيد من حرية المواطنين العرب، إن كان على مستوى التنقل أو العمل أو التقارب الاجتماعي بالتزاوج، أو الثقافي من خلال الأعمال الفنية والأدبية المشتركة، لذا لا بد من مباركة أي خطوة وحدوية مهما بدت ضئيلة، أو أنها تحقق مصالح فئات اجتماعية بعينها، أو تحقق أهداف أنظمة المحكم دون أن ينعكس ذلك بشكل مباشر على حياة المواطن العربي، الذي ما زال يتطلع في كل العالم العربي من محيطه إلى خليجه، للحرية والوحدة، وهو ينظر لواقعه العربي بحسرة بالغة، حين يرى حرية المرور بين دول الاتحاد الأوروبي رغم التعدد القومي بين شعوبه، التي أزالت الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي وتعمل بعملة نقدية واحدة.