تتميز الحالة الفلسطينية بجمود لا حركة فيه، ولا أخال احداً ينتمي الى الطبقة السياسية حاكما او محكوماً مواليا أو معارضاً، سجينا او طليقا، ينكر ذلك، ولمجرد التذكير ليس إلا فكل شيء كان عنوانا للحركة الفلسطينية تلاشى لدرجة النسيان.
الوحدة الوطنية وعنوانها السلبي الانقسام وعنوانها الايجابي المصالحة لم تعد تطرح لا من قريب ولا من بعيد ، والنظام السياسي الذي كاد يتجدد ولو نسبيا بالانتخابات الثلاثية تجمد بحيث لم يعد نافعا لا على مستوى المنظمة ولا على مستوى ابنتها العاقة السلطة.
هذا النظام يعيش الان حالة من التآكل الذاتي المفضية حتما الى المزيد منه.
اما التحرك السياسي فقد صار نمطيا عديم المردود ما دمنا نحيل كل صغيرة وكبيرة يتولاها لذلك المصطلح المسمى بالمجتمع الدولي، وبالمناسبة لم يعد أحد في الكون يستخدم هذا المصطلح كمرجعية وملاذ سوى الطبقة السياسية الفلسطينية، مع اننا اكثر الاجسام السياسية في هذا العصر دراية بعجزه ولا مبالاته وهذا ما صرح به قبل ايام قليلة مندوبنا في الامم المتحدة، ولكثرة الاستخدام وخاصة على صعيد الجمعية العامة فقد تعود العالم على نمطية الاداء ان لم اقل عبثيته، حين صار الامر مجرد ضغطة على زر مثبت امام كل مندوب يضيء بالضغط عليه اشارة نعم او لا.
اما اذا ما ذهب الامر الى الهيئة الاكثر فاعلية – مجلس الامن-، فالاصبع الامريكي لا يفارق زر الفيتو الذي ثبت انه لم يُخترع الا من اجل الاعتراض ولو على كلمة واحدة تقال في مصلحة الفلسطيينيين.
هذا الجمود المطبق في الوضع الداخلي والنمطية متواضعة المردود في الحركة السياسية يضاعف اذاه جمود افدح فيما يتم تداوله من مخارج فالوحدة الوطنية التي ما يزال عنوانها انهاء الانقسام يتولاها وجهاء محترمون ولكن لا حول ولا قوة لهم في امر التأثير على القوى السياسية صانعة الانقسام وصاحبة امتياز تأبيده ، اما النظام السياسي بشقيه المنظمة والسلطة فلا علاج له الا باللف والدوران داخل الحلقة المفرغة والتسكع بين الصيغ التي جربت الف مرة ولم تنجح ولو لمرة.
من هذه الصيغ التي تلوكها الالسن يقال لندعو المجلس المركزي او الاطار المؤقت او الامناء العامين للفصائل او اللجنة التنفيذية التي لم يعد يتذكرها احد ، او على صعيد السلطة فيكثر الحديث عن تغيير وزاري ونظرا لازدحام المستوزرين وصعوبة ارضائهم جميعا يجري تخفيف الامر الى التعديل حتى صار هذا الامر الحيوي في اي مكان اخر مادة للتندر وكأن تغيير عدد من الوزراء او حتى الوزراء جميعا سينقذ الوضع وينقلنا من حال الى حال افضل ونظرا لهزال الحالة وعبثيتها صار كل هاوٍ يتعاطى “النت” يشكل حكومة ويوزع حقائبها ويفرضها كمادة نقاش في الصالونات ولا اقول في الشارع لأن الجمهور ادار ظهره للشأن الداخلي والخارجي ولقد ألفت طرفة حول هذا الامر بالذات تقول ان كل راغب في وزارة يمكن ان يحصل عليها من وسائل التواصل الاجتماعي.
لم يعد الجمود فقط هو المهيمن على وضعنا الداخلي ونمطية ادائنا السياسي بل يقابله نشاط استيطاني سريع الوتيرة وكأنه في سباق مع الزمن ، ومع تقديرنا واعتزازنا ورهاننا على المبادرات الشعبية التي يقوم بها المواطنون في اماكن متفرقة من الوطن، الا ان انحسارها في بؤر محددة يوشك على ان يحولها الى رمزية في وقت يحتاج فيه الامر الى اوسع من ذلك بكثير، اما على صعيد الجرح الغزي الغائر والنازف فلا تقدم يذكر بأي اتجاه حتى بعض التسهيلات التي جاءت كمسكن مؤقت للألم جرى التراجع عنها ، وصفقة التبادل التي كنا جميعا في انتظار بلورتها كي نلتقي ببعض من احبتنا الذين سيتحررون فلا احد يعرف هل هي في حالة حركة ام سكون، اما قضية القضايا .. اعادة الاعمار فبعد ان كانت واعدة لم نعد نسمع عنها سوى صرخات اهل غزة من تباطؤ وتيرتها ان لم نقل تجمدها بما في ذلك المنحة القطرية الاشبه برذاذ خفيف لا يفعل الكثير في الارض والنفوس العطشى.
حالة كهذه وهي مختصرة الى اقل الحدود الدنيا تجثم على صدور الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس وحتى في الشتات ، حالة كهذه تحال في ادبيات الطبقة السياسية الى ذلك الشيء المسمى بالمجتمع الدولي ، الذي لم تعد له من وظيفة سوى كونه حائط مبكى يستقبل آهات ودموع المغلوبين على امرهم وقليلي الحيلة في تغيير الموازين والمعادلات، ولا اخال تجربتنا معه على مدى عقود قد اعطت اكثر من ذلك فأين هو الحد الادنى مما يجب ان يفعل بعد ان قال الحد الاعلى الذي يسمى بالمجتمع الدولي .. لقد مللت واعتذر.