لم تكن سياسة الاعتقال الاداري وليدة لحظة او مرحلة، ولم تقتصر على حقبة زمنية بعينها فهي استمرار لذات الادوات المستخدمة ضمن واقع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ترتبط بوجوده غير الشرعي فوق ارضنا اسوة بباقي السياسات، والممارسات التي يقوم بها في اطار محاولة اطالة امد وجوده، وتنتمي عضويا لمنظومة لا اخلاقية بعيدة كل البعد عن اية قوانين، وهو اي الاعتقال الاداري موروث عن حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين استخدم مطلع اربعينيات القرن الماضي ادخلته برطانيا العظمى لاخماد لهيب الثورات، والهبات الشعبية المتتالية التي شهدتها فلسطين رفضا لموجات الهجرة الصهيونية، ومحاولة تثبيت اقدام الحركة الصهيونية في فلسطين بديلا لاصحابها الاصليين، وهو القانون الذي وضعته في سبيل ملاحقة الثوار مما يتيح لها احتجاز اي مواطن دون محاكمة، وهو ما اخذته دولة الاحتلال وعلى اساسه جرى زج الاف المواطنين منذ سنوات الاحتلال، وحتى اللحظة لكن القانون انتهى في دولته الاصل، واسقط ولم يعد جاري العمل به في الغالبية الساحقة من دول العالم بحيث اصبح محرما او على الاقل ممنوعا .
ومنذ تفجير ما يعرف بالاضرابات الفردية التي خاضها عشرات الاسرى رفضا لهذه السياسة الظالمة تمكن عدد كبير منهم خلال السنوات القليلة الماضية من انتزاع حريته، واسقاط حكم الاعتقال عنه دون الخوض في الاسماء خشية من عدم ذكر بعضها اي ان الاسير يلجأ لسلاح الامعاء الخاوية من اجل نيل حريته ووقف الظلم الواقع عليه من قبل دولة الاحتلال مثلما يخوض حوالي 14 اسيرا هذه الايام اضرابا مفتوحا عن الطعام رفضا لاعتقالهم الاداري او في اسوء الاحوال من اجل تسليط الضوء على واقعهم، وتذكير العالم الذي يصم اذنيه عن سماع صوتهم، والاستجابة لمطالبهم العادلة، والالتفات لما يعانوه جراء هذه السياسة التي تمثل انتهاكا فضا للقوانين، والاعراف الدولية بصوت جوعه يستصرخ الاسير تلك المؤسسات للتدخل من اجل رفع الظلم عنه بعد استنفاذ كل وسائل الحوار مع ادارة السجن لوقف الاعتقال الاداري او عدم تمديده، واطلاق سراحه، ولمن لا يعرف فان الاعتقال الاداري هو سياسة يتم من خلالها زج المواطن في السجن دون لائحة اتهام او محاكمة تضمن شروط الحد الادنى من المحاكمة العادلة، وتتم بناء على توصيات اجهزة امن الاحتلال بحجة ان الاسير يمثل(خطر على منطقته) او ما يسمى بالملف السري يصعب الكشف عنه في المرحلة الحالية ليتم بعدها تمديد اعتقال المواطن بشكل صوري لفترات غير محددة، وغير معلوم فترة انتهاء الحكم وهو ما يسميه الاسرى بالمؤبد بالتقسيط اي انه حكم مؤبد دون نطق القرار رسميا، ولا معرفة متوقعة لنهايته .
هناك ما يزيد عن 500 معتقل اداري يقبعون اليوم في سجون الاحتلال بعضهم منذ عدة سنوات مع التمديد المتواصل للحكم يعانون اوضاعا قاسية جراء ما يتعرضون له من اجراءات ممنهجة من حرمان الزيارة او العزل او تضييق الخناق عليهم ناهيك عن الاقتحامات اليومية للغرف، والاقسام، وحالة الترقب بامكانية تحويل المعتقل للتحقيق احيانا بعد مضي فترة طويلة من اعتقاله اداريا وسط شعور بالقلق الدائم فلا هو محكوم معروف متى انتهاء محكوميته!! ولا هو في فترة تحقيق على قسوتها ليعرف ما عليه من تهم ولا موعد الانتقال للاقسام، والسجون الاخرى مع الاسرى الذين يقضون احكاما متفاوتة هذا يولد شعور مضاعف بالظلم والمهانة، وحتى بالانتقاص منه كانسان رغم الشعور العالي بالنشوة داخله، والاعتزاز، والفخر الذي يعتريه لكنه احساس نقص القيم الانسانية لدى اوساط في هذا العالم الذي يقف موقف المتفرج بدل اتخاذ الخطوات اللازمة انتصارا لانسانيته على الاقل من اجل العمل لتأمين الافراج عن الاسرى ضحية الاعتقال الاداري، وهي شريحة تمثل معاناة مجموع الاسرى ككل من اسيرات او اطفال او مرضى او قدامي الاسرى، واصحاب الاحكام العالية، وكل شريحة منها لها معاناتها، وخصوصية قضيتها رغم ان القضية الجامعة بينها كلها انهم ضحية الاحتلال، وجرائمه المتواصلة، وهم نموذج العطاء الذي لا ينتهي، ورأس الحربة في مواجهة الاحتلال بشكل يومي .
من هنا تأتي اهمية اطلاق الحملة الوطنية لانهاء الاعتقال الاداري قبل عدة ايام بمشاركة، وحضور القوى، والمؤسسات التي تعنى بقضية الاسرى، وهي حملة محلية، ودولية في اطار السعي للعمل بطريقة مغايرة عن حملات سابقة، والبناء على ما حققت ايضا اي الاستمرار في دق ناقوس الخطر تجاه الاعتقال الاداري بقوة، والسعي عبر انشطة، وفعاليات مختلفة لانهاء هذا الملف بتحركات محلية، اقلمية، ودولية على مستويات رسمية وشعبية، واستخدام ادوات المناصرة، والاطر، والمؤسسات اضافة للبعد القانوني، وبطبيعة الحال تفعيل الاعلام لا سيما منصات التواصل الاجتماعي بمختلف اشكالها، واطلاق الحملات الاعلامية عبر موجات اعلامية تسلط الضوء على معاناة المعتقل، وايضا اسرته التي لا تقل معاناة عن الاسير نفسه فحرمان الزيارة او عدم معرفة تاريخ الافراج هو جريمة يرافق ذلك ان الابناء يكبرون يتخرجون ربما يتزوجون قبل ان يروا الاب او ان يشاركهم افراحهم ربما اقارب يرحلون عن عالمنا ايضا هذا واقع شديد المرارة ووقعه على الاسير، وذويه يكون يكون بمنتهى القسوة .
الحملة يفترض ان تتوفر لها كل اشكال الاسناد الرسمي من علاقات لمنظمة التحرير، والقوى، والفصائل عربيا اقليميا، ودوليا وزارة الخارجية المؤسسات، والاحزاب الصديقة لجان التضامن الدولي الجاليات الكل يفترض ان يساهم بجهده المستطاع كي يتم ايصال رسالتهم للعالم اجمع برلمانات، حكومات، هيئات ومؤسسات حقوقية الاضرابات الفردية او الجماعية تحدث "خلخلة" تصدع نجح العديد من الاضرابات في كسر قرارات الاحتلال، ولكنها لم تنهي الملف المطلوب اليوم ارادة يتماثل الجميع فيها بوعي، وادراك ان العمل المنظم الفاعل، والتخطيط السليم يمكن ان يوصل للنتيجة المرجوة بصبر، وثبات وعزيمة ولكن يبقى الجهد الاساس هو في تطوير روافع شعبية، وكفاحية محلية تسند الاسرى بمشاركات اعلى، واكثر اتساعا بانخراط الجميع فيها على ابواب العالم الدراسي، والعودة للمدراس بعد فيروس كورونا والرجوع للتعليم الوجاهي تخصيص الحصة الاولى للاعتقال الاداري، وخطب الجمعة، الافراح المناسبات لتعج شوارعنا بالحديث، والهتاف لهؤلاء الابطال الذين يعانون بطش المحتل هي نافذة تحاكي معاناة كل اسيرة، واسير يقبع في باستيلات المحتل من خلال المعتقل الاداري ليكون سفيرا متجولا في انحاء العالم لمعاناة رفاقه الاخرين مناشدا الامم المتحدة المؤسسات الدولية العالم اجمع ان كفى!! ان الاوان لاسقاط الاعتقال الاداري مرة والى الابد ليطلق سراح المعتقلين الاداريين في سجون الاحتلال فورا .